«وكالة أممية»: تأخر تقديم المساعدات بالصومال يفاقم الأزمة الإنسانية
«وكالة أممية»: تأخر تقديم المساعدات بالصومال يفاقم الأزمة الإنسانية
قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، اليوم الأربعاء، إن الأزمة الإنسانية في الصومال واحدة من أعمق الأزمات التي شهدتها البلاد على مر العقود، حيث يعاني نحو 6.9 مليون شخص في الصومال من نقص حاد في الغذاء والمساعدات الأساسية، وهو ما يعادل نحو 40% من إجمالي سكان البلاد، مؤكدا أن الفشل في تقديم المساعدات في الوقت المناسب يفاقم الأزمة الإنسانية.
يعيش الصوماليون على وقع آثار جفاف كارثي ضرب البلاد في عام 2022، والذي اعتُبر الأسوأ منذ عقود، وما زال المجتمع الصومالي يعاني من تبعات هذا الجفاف، فضلاً عن الفيضانات المدمرة التي اجتاحت البلاد خلال الفترة من 2023 إلى 2024.
وما يزيد الوضع تعقيدًا هو أن الموسم المطري في "غو" لعام 2024 -وهو أحد فصول الأمطار الرئيسية في الصومال، ويعتبر جزءًا من التقويم الزراعي في المنطقة، ويمتد عادة من مارس إلى يونيو- شهد أمطارًا غزيرة تسببت في فيضانات واسعة النطاق في شهري أبريل ومايو، ما أدى إلى تدمير الملاجئ والمدارس والمنشآت الحيوية للمياه والصرف الصحي، هذه الفيضانات جعلت العديد من المواطنين بلا مأوى.
وأسهمت الفيضانات في انتشار أمراض معدية مثل الكوليرا والإسهال المائي الحاد، ما فاقم من معاناة السكان في مناطق متعددة من البلاد.
تأثيرات تغير المناخ
يعد الصومال من أكثر البلدان التي تعاني من آثار تغير المناخ، وفي هذا العام، تسببت الأمطار الغزيرة خلال موسم "غو" في تدمير العديد من المحاصيل الزراعية، بينما أدت الأمطار التي توقفت في مايو إلى تعطيل موسم الزراعة في بعض المناطق.
وتشير التوقعات التي صدرت بعد نهاية موسم "غو" إلى أن الإنتاج الزراعي في الصومال سيكون أدنى بكثير من المعدل الطبيعي، ولا تقتصر المخاطر على هذا الموسم فقط، بل من المتوقع أن تكون الأمطار في موسم "ديير" (أكتوبر- ديسمبر)، الذي يعد موسمًا حاسمًا للزراعة وإنتاج الغذاء، أقل من المعدل المتوسط، ما يشير إلى استمرار تدهور الأمن الغذائي في البلاد.
ويرتبط هذا التوقع بتقديرات تشير إلى احتمال 70% لحدوث ظاهرة "النينيا"، وهي ظاهرة مناخية تؤثر سلبًا على الكميات الإجمالية للأمطار في المنطقة، ما يهدد الأمن الغذائي ويزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية.
نقص التمويل يفاقم الأزمة
ورغم خطورة الوضع الإنساني في الصومال، فإن تمويل خطة الاحتياجات الإنسانية والاستجابة (HNRP) لا يتماشى مع حجم الأزمة، فقد تم تمويل الخطة لعام 2024 بنسبة 39.6% فقط حتى الآن، ما يعكس الفجوة الكبيرة بين احتياجات الصومال الفعلية والموارد المتاحة لمواجهتها.
وعلى الرغم من أن خطة HNRP كانت قد طلبت 1.6 مليار دولار أمريكي لتلبية احتياجات 5.2 مليون شخص، فإن هذا المبلغ يُعتبر منخفضًا بنسبة 37% مقارنة بالعام الماضي، حيث كانت الحاجة تبلغ 2.6 مليار دولار لمساعدة 7.6 مليون شخص، ومع وصول الدعم من الجهات المانحة إلى 1.86 مليون شخص فقط بين يناير وسبتمبر من هذا العام، تم الوصول إلى 36% فقط من المستهدفين.
ولا يكفي هذا الدعم لمواكبة حجم الاحتياجات المتزايدة، ويكشف عن معضلة تمويلية تؤثر في قدرة الشركاء الإنسانيين على الوصول إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة للمساعدة.
المناطق الأكثر تضررًا
ترتكز خطة الاحتياجات الإنسانية لعام 2024 على توفير مساعدات عاجلة للمناطق الأكثر تضررًا من الأزمات متعددة الأبعاد، مثل الجفاف والفيضانات والأمراض المعدية، لكن رغم وجود 10 مناطق ذات أولوية لاستقبال المساعدات الإنسانية، إلا أن ضعف التمويل أدى إلى تقليص المساعدات المخصصة لها، فقد تمكَّن الشركاء الإنسانيون من الوصول إلى أكثر من 50% من السكان المستهدفين في منطقتين فقط من هذه المناطق العشر، بينما لم تتمكن بقية المناطق من تلقي المساعدات بالشكل المطلوب.
أدى هذا الوضع إلى زيادة حدة معاناة المواطنين، حيث أصبحوا يعانون من نقص في الخدمات الأساسية مثل المياه الصالحة للشرب والرعاية الصحية، مما يزيد من تأزم الوضع الإنساني.
وفي ظل هذا النقص الحاد في الدعم، تآكلت قدرات السكان على التكيف مع الأزمة، وزاد عدد الأشخاص الذين يواجهون خطر المجاعة والأمراض.
دور التمويل الدولي
ووفق “أوتشا”، سيؤدي الاستمرار في تجاهل هذه الأزمة الإنسانية إلى تفاقم الوضع بشكل لا يمكن التحكم فيه، ففي الوقت الذي يحتاج فيه الصومال إلى دعم مالي عاجل ومتكامل، فإن انخفاض حجم المساعدات الإنسانية يُعد عاملاً رئيسيًا في تدهور الأوضاع، ولا شك أن استمرار النقص في التمويل سيؤدي إلى تفشي المزيد من الأمراض مثل الكوليرا والإسهال المائي، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الوفيات نتيجة للجوع والفقر.
ويعني الفشل في تقديم الدعم الآن، زيادة حتمية في أعداد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في المستقبل، وهو ما سيضع ضغوطًا إضافية على الجهات المانحة ويسهم في زيادة تعقيد الأزمة.
الفئات الأكثر ضعفًا
من بين الفئات التي تعاني بشكل خاص في هذه الأزمة، تبرز النساء والأطفال وكبار السن كأكثر الفئات ضعفًا، إذ يشكلون الجزء الأكبر من المتأثرين بالأزمة الحالية.
وتشير التقارير إلى أن معدلات الوفيات بين الأطفال والنساء الحوامل تزداد بسبب نقص الرعاية الصحية والمياه النظيفة، كما يعاني الكثير من الأطفال من سوء التغذية الحاد، ما يؤثر على نموهم وصحتهم العامة.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل المنظمات الإنسانية، فإن عدم الوصول الكامل إلى هذه الفئات الأكثر ضعفًا يهدد بتفاقم أوضاعهم بشكل أكبر، مما يزيد من الأعباء على المجتمعات المحلية ويفاقم من معاناتهم.
تعزيز التعاون الدولي
يبقى الصومال بحاجة ماسة إلى مزيد من التعاون الدولي لضمان تلبية احتياجات شعبه، ويتطلب الوضع الراهن استجابة منسقة بين مختلف الجهات المانحة، إضافة إلى زيادة التمويل المخصص للاستجابة الإنسانية، ويجب أن تكون هذه الاستجابة شاملة، فلا تقتصر على تقديم المساعدات العاجلة فقط، بل تشمل دعم المشاريع التي تساعد في إعادة بناء البنية التحتية وتطوير قدرات المجتمع على التكيف مع الكوارث المستقبلية.
والوصول إلى تمويل مستدام يمثل تحديًا كبيرًا، ولكن من خلال تعزيز التعاون الدولي وضمان توجيه الموارد إلى المجالات الأكثر إلحاحًا، فيمكن تحسين الوضع الإنساني في الصومال وتقليل معاناة ملايين الأشخاص في هذا البلد المنكوب.