أول عالم فقاريات مصري لـ«جسور بوست»: أدعم المرأة وأعمل على تشكيل شخصية الأطفال (1)
أول عالم فقاريات مصري لـ«جسور بوست»: أدعم المرأة وأعمل على تشكيل شخصية الأطفال (1)
لا حدود لإيماني بالمرأة ومعظم فريق عملي من الفتيات
رأيت دموع الفرح في أعين الفتيات في أول رحلة لهن للتنقيب عن الحفريات
في أكسفورد كان لديَّ حدثي الخاص أنني سأنشئ مدرسة حفريات فقارية بمصر وكنت أتعلم كي أُعلم
أدركت أن الأطفال شغوفون بالديناصورات فأقمت لهم أنشطة متعلقة بالحفريات الفقارية بأكثر من دولة
العلم هو معرفة الشيء على حقيقته، ولا يكون العلم إلا بعد جهد تدرك به هذه المعرفة، وعمارة الأرض والحفاظ عليها لا يكون إلاَّ عن علمٍ راسخ، ولذا سعى الإنسان منذ القدم لاكتشاف واختراع الأشياء التي غيرت مسار البشرية.
ضمن هؤلاء العلماء العالم المصري هشام سلام، مؤسس مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، وهو المركز البحثي الأول والوحيد من نوعه في الجامعات المصرية والشرق الأوسط، مكتشف ومعه فريقه أول حفرية لديناصور في قارة إفريقيا.
لا تكمن عظمة سلام في أبحاثه النادرة وما أضافه للجامعات المصرية من منزلة، وإنما يحسب له أيضًا مساندته للمرأة وضمها لفريق يلقى على عاتقه بمهام ثقيلة في بيئات صحراوية لا يقوى عليها بعض الرجال.
أثار سلام الجدل على شبكات مواقع التواصل الإجتماعي، واتهمه البعض بالإلحاد لإثباته من خلال العلم نظرية التطور لـ"داروين".
يعد سلام أول مصري حاصل على دكتوراه من الخارج في تخصص الحفريات الفقارية، وعمل كأستاذ زائر بالعديد من الجامعات والمتاحف الأمريكية في الفترة من يونيو 2014 وحتى إبريل 2017 منها جامعة أوهايو وجامعة دوك وجامعة ستوني بروك ومتحف دنفر للتاريخ الطبيعي.
أسس أول مدرسة علمية للحفريات الفقارية في مصر، تهتم بتوثيق ونشر تراث مصر الطبيعي من الحفريات الفقارية في الدوريات العلمية المتخصصة.
قام هشام سلام منذ 2010 بالتدريس والإشراف على عدد من رسائل الدكتوراه والماجستير في جامعة القاهرة والإسكندرية وعين شمس وأسيوط وبنها وكفر الشيخ والمنصورة.
شارك في نشر أكثر من 20 بحثا دوليا خلال العقد الأخير والتي وثقت أنواعاً وأجناساً منقرضة من ملايين السنين من مختلف العصور الجيولوجية.
«جسور بوست» حاورت هشام سلام حول عمله وما يثار حوله من جدل، وحق وحرية البحث العلمي، ودعمه للمرأة المكون الرئيسي لفريقه.
ماذا عن مسيرتك العلمية وكيف وصلت إلى هذه المكانة؟
بداية لم يكن يُدرس في مصر ما يسمى بـ"الحفريات الفقارية"، لذا كان التحدي كبيرًا، تخرجت في جامعة المنصورة شعبة "الجيوكيمياء" وعملت معيدًا بذات القسم، وفي عام 2006 حصلت على منحة للتخصصات النادرة مقدمة من الدولة، وحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة أكسفورد عام 2010 وكنت أول مصري حاصل على دكتوراه من الخارج في تخصص الحفريات الفقارية.
في أكسفورد، كان لديَّ حدثي الخاص أنني سأنشئ مدرسة علمية لهذا العلم في مصر، ولذا من أول يوم كنت أتعلم كي أُعلم، وكنت مسؤولًا وضعت خطة مكونة من خمس نقاط أساسية، أولها ضرورة استقطاب طلاب لديهم شغف بهذا العلم، وأن أنشئ مكانًا مناسباً لاحتضان الطلبة الدارسين، وطلوع رحلات استكشافية، كذلك ألّا أبني عزلة عن العالم، فالعلم للجميع فبنيت على شراكة مع آخرين في مجالات مختلفة حول العالم، خامسًا أن أنقل هذا العلم للجميع وللأطفال الشغوفين بالعلم".
وهل يعي الأطفال هذا العلم على تعقيداته وصعوبته؟
هذا علم الأطفال بالأساس، تأتيني رسائل من الأمهات كثيرة تخبرني بأن الأطفال شغوفون بالديناصورات، لديهم فضول وحب لهذا العلم، ولهذا أقمت عددًا كبيرًا من الأنشطة المتعلقة بالحفريات الفقارية في أكثر من دولة، يرون خلالها الطبيعة مما يسهم في تشكيل شخصية مختلفة.
أرى في فريق عملك سيدات رغم بيئتهن المحافظة وطبيعة مهنتكم المعتمدة في الحفر.. إلى أي حد تؤمن بالمرأة؟
لا حدود لإيماني بالمرأة، دعمت وأدعم المرأة في خوض هذا المجال، فبعد عودتي إلى مصر ومعي حلمي، كنت أشاركه مع الطلبة في المحاضرات، وفوجئت ذات مرة بتوجه بعض منهم إلى مكتبي عقب محاضرة، منهم فتيات صغيرات قلن: "يا دكتور عايزين نشاركك الحلم"، قناعاتي الداخلية حينذاك، أنه من الصعوبة اندماجهن في العمل، لكن في الواقع قلت لهم إنهن مرحب بهن، وكنت أتصور أنهن سيمللن ويبتعدن مع الوقت، إلا أن اجتهادهن وإصرارهن كان مفاجأة، خاصة معاركهن مع بيئتهن المحافظة التي تحفظت في البداية على العمل، لكن مع مرور الوقت وتعاملي الجيد مع الآباء والفتيات أيضًا أدركوا أن بناتهم في أيادٍ أمينة.
رأيت دموع الفرح في أعين الفتيات في أول رحلة لهن للتنقيب عن الحفريات الفقارية، كان انتصارًا في التغلب على هذه التحديات، منهن الآن سناء السيد، تدرس الدكتوراه من جامعة "ميتشغن" الأمريكية واهتم بها الإعلام الغربي، ومنحتها "ناشونال جغرافيك" جائزة بصفتها من المكتشفات الأوائل في الوطن العربي، كذلك شروق الأشقر أم لفتاتين غيرت العلوم حياتها، مكثت عقب زواجها عشر سنوات في المنزل، وتسمي هذه الفترة بالفترة المظلمة، واستيقظت ذات يوم وهي ترغب في تغيير حاضرها، من خلال الماجستير والدكتوراه، وكانت شغوفة بالعلم وهي الآن من أشهر المتحدثات عن الحفريات الفقارية في الوطن العربي، متحيز جدًا للفتيات لقد غيرن لي قناعاتي القديمة، إن إرادة الإنسان وشغفه هو الأساس وليس "الجندر" أو النوع الاجتماعي ذكراً كان أو أنثى.
ماذا عن مركز سلام لاب؟
مركز جامعة المنصورة للحفريات الفقارية، هو المركز الأوحد في الشرق الأوسط الذي يهتم بدراستها، أنشأته في عقلي أولًا عام 2008، وكنت أكتب عنه في أبحاثي قبل أن يُنفذ في الواقع لقد كنت أحلم به وأتعامل مع الحلم على أنه واقع حتى أصبح واقعًا ملموسًا بالفعل في 2018، يعد من أفضل المراكز التي تقدم أبحاثاً علمية، بدأته بـ"ترابيزة" صغيرة في معمل كبير لدكتور آخر كان يطرد طلابي، وهناك قصة طريفة في هذا الأمر، حينما كان يستاء طلابي من طردهم ويهرعون إلىَّ بالشكوى، أخبرتهم أنا لا أستطيع دخول صدام مع أحد، ولكن من سيحقق أعلى نسبة طرد سأعتبره مجتهدًا في الحضور وستكون له جائزة، وحُلتْ المسألة وبقى الأمر محل تندر بيننا ولم يعقنا ذلك عن العمل، شعارنا (لا تصادم اجتهاد بلا كلل وهذا سر إنجازاتنا).
ماذا عن اكتشافكم منصوراسوروس؟
في عام 2014، اخترت ثلاثاً من أنجب طالباتي لحضور محاضرة في جامعة الوادي الجديد، وخلال عودتنا، توقفنا بشكل عشوائي عند طريق جديد ممهد منحوت في الجبال، وفي ذلك المكان عثرنا على الهيكل العظمي لمنصوراسوروس، منذ عام 2008 كنت أبحث عنه مع فريق دولي، اعتمادا على مشاهدات قديمة لعظام ديناصور في المنطقة، قرأت هذه الجملة في ورقة بحثية ومنحتنا الأمل، رغم عدم وجود أي دليل آخر على صحة هذا، ووقتها أخذت صورة جماعية لفريق العمل وأخبرتهن أن بعد أيام قليلة ستطوف هذه الصورة العالم لعظمة اكتشافكن وقد حدث، حيث قدمناه في مجلات علمية عالمية مثل مجلة "نيتشر" ونشر 28 يناير 2018 بتوقيت لندن ومنها للعالم كله، وتم تغطية الحدث كاكتشاف علمي فريد من قبل نوافذ إعلامية مختلفة، لكن قبل ذلك في مصر لم يصدق أحد ولم يكن هناك أحد متحمس لعمل مؤتمر صحفي للإعلان عن الاكتشاف، لم يستوقفني ذلك وقمت بتجهيز الطلاب وطبعت "بانر" عليه خلفية للديناصور وقمت ببث مباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالإعلان عن الاكتشاف".
لم يكن مركز الحفريات ليصبح على ما هو عليه لولا اكتشاف "منصوراسوروس" عام 2018، وبعد الاكتشاف بدأ الناس يأخذوننا على محمل الجد.
حصلت بعدها على مساحة ضخمة لإنشاء مختبر لم أكن أحلم به، وكذلك على تمويل ضخم لمشاريعنا البحثية ورحلات التنقيب والمعدات الجديدة.
ثم تحول المركز إلى ما يعرف اليوم بمعمل سلام، والذي يضم تحته مركز الحفريات الفقارية ومختبر الجامعة الأمريكية في القاهرة.