«واشنطن بوست»: العودة إلى المكاتب خفض غير مباشر لأجور الموظفين
«واشنطن بوست»: العودة إلى المكاتب خفض غير مباشر لأجور الموظفين
ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" أن تقرير وزارة العمل الأمريكية بشأن انتعاش نمو الوظائف خلال شهر نوفمبر، أثار التفاؤل بشأن تحسن سوق العمل، إلا أنه كشف في طياته مؤشرات مقلقة، مثل ارتفاع معدل البطالة، وانخفاض نسبة مشاركة القوى العاملة، وتراجع العمل عن بُعد، هذه التغييرات تحمل دلالات قد تكون أعمق مما تبدو عليه.
وشهدت الأشهر الأخيرة تراجعًا في العمل عن بُعد، مع قيام عدد من الشركات الكبرى بإصدار قرارات تلزم موظفيها بالعودة إلى العمل من المكتب، وقد اعتُبر هذا التطور بمثابة خفض غير مباشر للأجور، رغم أنه لا يظهر في كشوف الرواتب.
وقدّر اقتصاديون قيمة العمل عن بُعد بما يعادل 8% من الرواتب، أي نحو 5000 دولار سنويًا للموظف الأمريكي العادي، ويرجع ذلك إلى الفوائد التي يحققها الموظفون، مثل توفير وقت التنقل، وخفض تكاليف المواصلات، والتمكن من السكن في أماكن أقل تكلفة.
واستفاد الموظفون الذين لديهم أطفال أو شهادات جامعية من العمل عن بُعد بدرجة أكبر، حيث قدّروا قيمته بما يعادل زيادة في الدخل تتراوح بين 10% و15%، هذه المزايا كانت أشبه بزيادة خفية في الرواتب، استفاد منها الملايين مع بداية الجائحة، دون أن يتحمل أصحاب العمل أي تكلفة مباشرة.
مخاوف أصحاب العمل
وأعاد أصحاب العمل تقييم العمل عن بُعد بعد فترة من الاعتماد عليه خلال الجائحة، حيث أثار انتشار العمل من المنزل قلق الشركات بشأن تأثيره على الإنتاجية وقدرتها على مراقبة أداء الموظفين، كما أصبح تطوير المواهب الشابة أكثر صعوبة بسبب غياب التفاعل المباشر في المكاتب.
أظهرت الدراسات الأكاديمية نتائج متباينة حول تأثير العمل عن بُعد على الإنتاجية، ففي حين أشارت بعض الأبحاث إلى زيادتها، أفادت أخرى بتراجعها، بناءً على طبيعة العمل والقطاع، ومع ذلك، اختلفت آراء المديرين والموظفين بشأن التأثير، حيث اعتقد المديرون أن الإنتاجية تضررت بشكل أكبر مقارنة بآراء موظفيهم.
محاولات العودة
وفشلت محاولات العودة إلى المكاتب بشكل كامل في البداية بسبب نقص العمالة الذي دفع الشركات إلى تقديم تسهيلات، مثل العمل الهجين أو العمل الكامل عن بُعد، لجذب الموظفين دون الحاجة إلى زيادة الرواتب.
وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، جون ويليامز، إن سوق العمل كان ساخنًا لدرجة أن الشركات قدمت تنازلات بشأن العمل عن بُعد خوفًا من فقدان موظفيها، إلا أن هذا الوضع بدأ يتغير مع انحسار نقص العمالة، حيث فقد الموظفون قوتهم التفاوضية.
سياسات العمل التقليدية
واتخذت شركات كبرى خطوات جادة لإعادة موظفيها إلى المكاتب، أمرت أمازون موظفيها بالحضور خمسة أيام في الأسبوع بدلًا من ثلاثة، بينما طالبت "ديل" فريق المبيعات بالعودة بشكل كامل مع إشعار مدته يومان فقط، وفرضت "سيتي جروب" على مئات الموظفين الذين كانوا يعملون عن بُعد الحضور يوميًا إلى المكتب، فيما أعادت "ماكينزي" النظر في سياساتها بشأن العمل عن بُعد.
ورأى بعض المحللين أن هذه القرارات تهدف إلى تقليل عدد الموظفين بطرق غير مباشرة، مثل تشجيع "الاستقالات الطوعية"، لتجنب تكاليف التسريح وتعويضات نهاية الخدمة.
وأكد إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي أن العودة إلى المكتب خمسة أيام أسبوعيًا قد تدفع الموظفين غير الراضين إلى الاستقالة دون الحاجة إلى اتخاذ قرارات تسريح مباشرة.
فقدان المواهب المتميزة
وكشفت الدراسات أن العودة إلى المكتب تؤثر سلبًا على الاحتفاظ بالمواهب المتميزة، خاصة بين الموظفين ذوي المهارات العالية والنساء وكبار السن، حيث أظهرت دراسة أجرتها جامعة بيتسبرغ أن الشركات الكبرى المدرجة في مؤشر S&P 500 شهدت "هجرة كفاءات" نتيجة قرارات العودة إلى المكتب.
وقال مارك ما، أحد الباحثين المشاركين في الدراسة، إن حتى الشركات الكبرى التي تُعد حلمًا لكثير من الباحثين عن عمل، فقدت عددًا ملحوظًا من الموظفين المهرة بسبب سياسات العودة إلى المكتب.
تباطؤ اقتصادي محتمل
وإذا كان العمل عن بُعد قد وفّر للموظفين زيادة خفية في الأجور، فإن العودة إلى المكتب تعني خفضًا فعليًا لهذه الأجور، الأمر لا يتعلق بشكاوى الموظفين فقط، بل قد يكون مؤشرًا على دخول الاقتصاد مرحلة من التباطؤ بعد سنوات من النمو القوي.
يشير هذا التحول في سياسات العمل إلى إعادة ترتيب الأولويات داخل الشركات، في وقت يبحث فيه أرباب العمل عن وسائل لتقليل التكاليف والحفاظ على الربحية وسط تغيرات اقتصادية عالمية متسارعة.