عودة الطيور المهاجرة.. حلم يراود اللاجئين السوريين بعد سقوط نظام الأسد
وسط مخاوف من غلبة الانتقامية والتوترات الأمنية
تعيش سوريا لحظات من الضبابية إثر سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد الذي حكم سوريا لنحو 25 عاما، وسيطرة فصائل المعارضة، إذ شهدت البلاد منذ عام 2011 نزاعًا مستمرًا أدى إلى انهيار البنية التحتية ونزوح الملايين في الداخل والخارج، كما دخل الجيش السوري في معارك امتدت لسنوات مع تنظيم داعش الإرهابي قبل إعلان هزيمة التنظيم المتطرف في سوريا.
وتأتي هذه التطورات لتضع البلاد على أعتاب مرحلة جديدة، وسط تساؤلات حول مستقبل سوريا وتوازن القوى فيها بعد رحيل بشار الأسد وسيطرة الفصائل المعارضة على الحكم، ما قد ينعكس على احتمالات عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.
ولا تزال فرص عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم تعتمد على مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والأمنية، والتي قد تؤثر على اتخاذ اللاجئين قرار العودة، أبرزها الأوضاع الأمنية وإعادة الإعمار والبنية التحتية، وتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، والضمانات القانونية، وتحسن الأوضاع الاقتصادية.
ويعد الاستقرار الأمني أحد الشروط الأساسية لعودة اللاجئين، إذا استمرت النزاعات بين الفصائل أو ظهرت صراعات جديدة، فقد تكون العودة غير ممكنة، إلى جانب أن استمرار وجود ميليشيات موالية للنظام أو جماعات مسلحة أخرى قد يجعل الوضع غير آمن، فضلا عن أن المناطق التي شهدت معارك قد تكون خطرة على المدنيين.
وتتوقف مسألة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم على إعادة الإعمار والبنية التحتية، حيث تم تدمير المنازل والمنشآت الحيوية والخدمية، ما يجعل معظم اللاجئين لا يمكنهم العودة إلا إذا تم إعادة بناء منازلهم ومدنهم، حيث تحتاج مناطق العودة إلى توفير الخدمات مثل المياه والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية، الأمر الذي يتطلب دعمًا دوليًا هائلا لتمويل إعادة الإعمار.
العدالة والمصالحة
ومن أبرز أسباب تشجيع اللاجئين على العودة هو تحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، حيث يتم محاسبة المسؤولين على الجرائم التي ارتكبها النظام، مثل التعذيب والقتل الجماعي، إلى جانب المخاوف من العودة خشية الانتقام أو الاعتقال، ويترتب على ذلك ضرورة تحقيق ضمانات قانونية لحماية اللاجئين عند العودة.
وتتطلب عودة اللاجئين توافر وظائف تعيد لهم مصدر دخل مستدام، لا سيما في ظل تدمير الاقتصاد السوري والذي يحد من قدرة البلاد على استيعاب اللاجئين العائدين، ما لم يتم تقديم حزم اقتصادية من المجتمع الدولي لتشجيع العودة قد يكون عاملًا مؤثرًا.
وقد تلعب الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية دورًا في تنظيم عودة اللاجئين السوريين بشكل آمن، بحيث تضمن لهم حقوق الملكية والتعويض عن الخسائر التي تكبدوها خلال الحرب، بهدف إعادة الثقة في استقرار البلاد على المديين المتوسط والبعيد.
وتظل عودة اللاجئين السوريين بعد سقوط النظام تعتمد على التوازن بين الاستقرار السياسي، وإعادة الإعمار، والضمانات القانونية والاقتصادية، وبدون معالجة الأسباب العميقة للنزوح وتوفير ظروف ملائمة، قد تظل العودة صعبة أو مستحيلة بالنسبة للكثير من اللاجئين.
خريطة اللاجئين
وانتقل اللاجئون السوريون للعديد من الدول العربية، حيث يقدر عددهم في لبنان بأكثر من 800 ألف لاجئ مسجل لدى الأمم المتحدة، بينما الأرقام الحقيقية قد تتجاوز 1.5 مليون لاجئ، بحسب تصريحات لمسؤولين لبنانيين.
ويعاني اللاجئون من ظروف معيشية صعبة بسبب الأزمة الاقتصادية في لبنان، إذ يعيش العديد منهم في مخيمات غير رسمية، ويمارس عليهم تضييقات متزايدة، بما في ذلك صعوبة الحصول على الإقامة القانونية.
وفي الأردن، يقدر عدد اللاجئين السوريين بنحو 730 ألف لاجئ مسجل لدى الأمم المتحدة، وهناك آلاف آخرين غير مسجلين، إذ يعيش معظمهم في مخيمات مثل الزعتري والأزرق، بينما يعيش الباقون في المجتمعات المضيفة، وتقدم لهم الحكومة الأردنية تسهيلات محدودة بالتعاون مع المنظمات الدولية.
وفي العراق، يتجاوز عدد اللاجئين السوريين نحو 260 ألف لاجئ، أغلبهم في إقليم كردستان (شمالي البلاد)، حيث يعيش العديد منهم في مخيمات مخصصة للاجئين، مع توافر بعض الخدمات الأساسية، إذ يوفر إقليم كردستان بيئة أفضل مقارنة ببقية العراق بسبب الاستقرار النسبي.
وفي مصر، يقدر عدد اللاجئين السوريين أكثر من 150 ألف لاجئ مسجل، مع تقديرات أعلى في الواقع، حيث يعيش أغلبهم في المناطق الحضرية بمحافظتي القاهرة والإسكندرية ويعمل العديد منهم في وظائف غير رسمية.
وفي دول الخليج، يعيش مئات الآلاف من السوريين كعمال أو مقيمين، حيث يحصلون على إقامات للعمل أو الزيارة بدلاً من وضع اللجوء الرسمي، فيما تستضيف دول تونس والجزائر والمغرب أعدادا صغيرة من اللاجئين مقارنة بالدول العربية الأخرى.
ويحصل اللاجئون على دعم محدود من المنظمات الدولية لمواجهة الاحتياجات والتحديات المشتركة، والتي يأتي أبرزها الغذاء والإيواء والتعليم والرعاية الصحية، لكنهم يواجهون تحديات تتعلق بتضييق السياسات الحكومية في بعض الدول، ونقص التمويل الدولي، والتمييز وصعوبة الاندماج الاجتماعي، وتفاقم الأزمات الاقتصادية في بعض دول اللجوء.
تفاؤل حذر
وقال الكاتب الصحفي وعضو رابطة حماية اللاجئين السوريين، عبد الرحمن ربوع، إن ملايين اللاجئين السوريين يتطلعون اليوم للعودة إلى بلادهم، وهو ما ظهر جليا في قوافل العائدين من تركيا بسبب فتح المعابر الحدودية، كما أن هناك دعوات أطلقناها للسلطات اللبنانية والأردنية والعراقية لفتح المعابر البرية مع سوريا لعودة اللاجئين.
وأوضح ربوع، في تصريح لـ"جسور بوست"، أنه بالنسبة للدول غير الحدودية فالموضوع ما زال أكثر صعوبة بسبب إغلاق المطارات وتوقف حركة الطيران إلى سوريا وإغلاق المجال الجوي، متوقعا مع بداية فتح المطارات والأجواء سيكون هناك عودة كبيرة للسوريين خصوصًا المقيمين في الدول العربية كمصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وغيرها.
وأضاف: "نتوقع تأخر عودة العائلات التي لديها أولاد في المدارس مع نهاية العام الدراسي الحالي، وربما تتأخر عودة أصحاب العقارات ورؤوس الأموال والمستثمرين لأن عودتهم تحتاج إلى ترتيبات تستغرق وقتًا أطول لتصفية أملاكهم وأعمالهم في البلدان التي لجؤوا إليها".
ومضى الخبير السوري، قائلا: "ترتبط عودة اللاجئين من الدول الأوروبية باستقرار الأمور تمامًا في سوريا وربما مع نهاية عام 2026 نتوقع عودة أكثر من 30 بالمئة من اللاجئين، لأن عودتهم مرتبطة أيضًا بتوافر وسهولة خدمات السفر الجوي ومرتبطة أيضًا بطبيعة القوانين الأوروبية التي تحميهم من العودة القسرية".
واختتم عبد الرحمن ربوع حديثه، قائلا: "الكثير من اللاجئين السوريين اندمجوا في الدول الأوروبية التي يعيشون فيها على مدى السنوات الماضية، كما لا يمكن للدول الاستغناء عنهم أيضا لما لديهم من كفاءات وقدرات علمية وعملية أسهمت في حدوث قيمة مضافة لتلك الدول".
ومن جانبه، قال محمد إقبال بن رجب، الناشط الحقوقي التونسي والمتخصص في قضايا الهجرة والمهاجرين، إن الفصائل السورية المعارضة تسعى حاليا إلى طمأنة السوريين المقيمين في البلاد أو اللاجئين خارج سوريا، بتصريحات خاصة بتوافر السلع الاستراتيجية وتأمين البنك المركزي، وهي رسائل إيجابية للاجئين السوريين.
وأوضح بن رجب في تصريح لـ"جسور بوست"، أن اللاجئين السوريين يحتشدون الآن أمام المعابر الحدودية في الأردن ولبنان للعودة إلى بلادهم، متوقعا مواصلة تصريحات الطمأنة لمد جسور الثقة بين السلطة الجديدة في سوريا واللاجئين لعودتهم طواعية.
وأضاف: "الإفراج عن المعارضين السجناء كانت رسالة أيضا قوية لإقناع المهاجرين واللاجئين بالعودة، خاصة أن هناك عوامل أخرى ستكون مساعدة على ذلك أبرزها تعرض العديد من اللاجئين السوريين لمعاملة قاسية وغير آدمية في البلدان التي لجؤوا إليها، بما في ذلك دولة لبنان، وهو ما سيشجع العديد منهم إلى العودة الطوعية".