«فايننشال تايمز»: العالم على حافة فوضى اقتصادية في ظل سياسة «أمريكا أولاً»
«فايننشال تايمز»: العالم على حافة فوضى اقتصادية في ظل سياسة «أمريكا أولاً»
حذر خبراء اقتصاد من أن العالم يواجه تهديدات اقتصادية متزايدة نتيجة لسياسة "أمريكا أولاً" التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث قد تؤدي هذه السياسة إلى فوضى اقتصادية عالمية في حال استمرت في فرض التوترات التجارية والاقتصادية بين الولايات المتحدة وبقية القوى الكبرى وفق صحيفة "فايننشال تايمز".
وأشار تقرير نشرته "فايننشال تايمز"، أمس الجمعة، إلى أن السياسة التي تركز على حماية الاقتصاد الأمريكي من خلال فرض رسوم جمركية وعزل بعض الحلفاء، تهدد بتقويض النظام الاقتصادي العالمي القائم على التجارة الحرة والتعاون بين الدول.
وبينما يسعى ترامب إلى تحقيق مصالح وطنية قصيرة الأمد، يشير التقرير إلى أن تأثيرات هذه القرارات قد تطال جميع الأسواق العالمية، ما يخلق حالة من عدم اليقين تهدد استقرار الاقتصاد العالمي.
ومن المقرر أن يتزامن تنصيب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في 20 يناير مع افتتاح منتدى دافوس الاقتصادي العالمي، ومنذ نهاية الحرب الباردة، أصبح اجتماع دافوس السنوي، الذي يجمع قادة الأعمال والسياسيين من جميع أنحاء العالم، رمزًا للهيمنة الاقتصادية المدفوعة من قبل النخب.
ومع ذلك، يعتبر ترامب من أشد معارضي ما يسميه "العولمة"، حيث يعارض النموذج الذي يعزز من التعاون الدولي والمصالح المشتركة، والتي يروج لها منتدى دافوس.
ترامب ضد العولمة
أعلن ترامب مرارًا عن تأييده سياسة الحماية التجارية، في الوقت الذي يعتبر فيه "الرسوم الجمركية" كلمته المفضلة، في المقابل، يعزز منتدى دافوس التبادل الحر والتعاون بين الدول.
ويكشف هذا التباين عن صراع بين القيم التي يمثلها ترامب وبين الاتجاهات العالمية السائدة، حيث يروج دافوس للتعاون متعدد الأطراف بينما يعتقد ترامب بأن "أمريكا أولاً" يجب أن تكون هي الأولوية.
وخلال العقود الثلاثة الماضية، تبنى معظم القوى الكبرى في العالم الرؤية الاقتصادية التي طرحها دافوس، حيث كان الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل متزايد على الترابط الاقتصادي، ما قلل من تأثير النزاعات الجيوسياسية.
وفقا لـ"فايننشال تايمز" اختلف الوضع الآن، حيث تحولت كل من الولايات المتحدة، الصين وروسيا إلى قوى تسعى إلى تغيير النظام العالمي القائم، عندما غزا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا في 2022، ضحى بالعلاقات الاقتصادية مع الغرب من أجل تعزيز طموحاته الروسية.
وفي الوقت ذاته، أصبح سلوك الصين تحت قيادة الرئيس شي جين بينغ أكثر قومية وتحديدًا في ما يتعلق بتايوان، أما ترامب، فهو يطالب بتغيير جذري في النظام التجاري الدولي وعلاقة الولايات المتحدة بحلفائها.
التحول الأمريكي
ويعتبر تحول السياسة الأمريكية في عهد ترامب الأكثر إثارة للدهشة من بين القوى الكبرى، فلا يزال الاقتصاد الأمريكي هو الأكبر في العالم والدولار هو العملة الاحتياطية العالمية، وفي حال أصر ترامب على إعادة النظر في التزامات الولايات المتحدة الدولية، فإن هذا سيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي برمته.
يعتقد جون آيكنبيري، وهو أحد أبرز المفكرين في العلاقات الدولية، أن الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب أصبحت تسعى إلى تغيير معظم عناصر النظام الدولي الليبرالي مثل التجارة، والتحالفات، والهجرة، والتعاون متعدد الأطراف، وحقوق الإنسان.
من جهة أخرى، يشعر حلفاء الولايات المتحدة التقليديون، مثل المملكة المتحدة واليابان وكندا وألمانيا وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، بالقلق إزاء التغييرات التي قد تطرأ على كيفية ممارسة أمريكا سلطتها، لطالما اعتاد هؤلاء الحلفاء على عالم تتمتع فيه أسواق أمريكا بالانفتاح، بينما توفر أمريكا الضمانات الأمنية ضد القوى الاستبدادية.
لكن ترامب وعد بفرض رسوم جمركية على أقرب حلفائه وأثار الشكوك بشأن ضمانات الأمن الأمريكية، بما في ذلك المادة 5 من معاهدة حلف شمال الأطلسي (الناتو).
أوروبا وآسيا
تستعد بعض الدول الأوروبية لتحديد ردود فعلها على تهديدات ترامب التجارية، ويتوقع البعض أن تكون هذه التهديدات مجرد تكتيك تفاوضي، في حين يعتقد آخرون أن ترامب قد يواصل فرض الرسوم لفترات طويلة، مما قد يدفع بروكسل للرد.
وبالنسبة للمملكة المتحدة، فقد يعتقد البعض أن واشنطن قد تستثنيها من الرسوم نظرًا للفائض التجاري الأمريكي الصغير مع بريطانيا، لكن القلق يبقى من أن تؤثر التوترات التجارية على العلاقة الأمنية الوثيقة بين البلدين.
وفي ما يتعلق بالأمن، تشكل روسيا والصين التحديات الأكبر حيث يطالبان بتغييرات في الحدود الدولية وترتيبات الأمن الإقليمي، ويرى بوتين وشي جين بينغ في الوضع الحالي فرصًا لتغيير النظام العالمي، حيث يرى بوتين أن الغرب يحتفظ باحتكار القوة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، بينما يعتبر شي أن "الشرق في صعود بينما الغرب في انحسار".
آفاق مستقبلية
واختتمت الصحيفة بالتنويه على أن التداعيات المحتملة لهذه السياسات ليست واضحة تمامًا، مع استمرار تصاعد التوترات الاقتصادية والتهديدات الأمنية، قد يدخل العالم في مرحلة من الفوضى دون قيادة واضحة.
ومن جهة أخرى، إذا نجحت سياسة "أمريكا أولًا" وحقق ترامب أهدافه الاقتصادية، فقد يؤدي ذلك إلى تصاعد دور الولايات المتحدة في مجالات التكنولوجيا والمالية، وفي المقابل، إذا فشلت هذه السياسات، فقد يعم الركود الاقتصادي ويتصاعد العنف في بعض المناطق.
ولفتت الصحيفة إلى أنه في عالم يسوده الفوضى، سيظل التنافس الإقليمي على الموارد والأرض يتصاعد، في ظل غياب تام للقيادة العالمية الموحدة، وستكون الدول التي تعتمد على النظام العالمي الليبرالي، مثل الدول الغربية، في مواجهة تحديات غير مسبوقة، خاصة في ظل غياب الدعم الأممي الكافي للتعامل مع الأزمات الدولية.