علي أبو دهن.. «عائد من جهنم» يسرد مأساة المعتقلين اللبنانيين داخل سجون سوريا (حوار)

في حواره لـ «جسور بوست»: الحكومة اللبنانية التزمت الصمت حيال المعتقلين.. وتقدمنا بشكوى للمحاكم الدولية

علي أبو دهن.. «عائد من جهنم» يسرد مأساة المعتقلين اللبنانيين داخل سجون سوريا (حوار)
علي أبو دهن، رئيس جمعية المعتقلين في السجون السورية

مع انتهاء نظام حكم الرئيس السوري السابق، بشار الأسد، برحيله عن البلاد وسيطرة المعارضة السورية على مقاليد الأمور، برزت قضية المعتقلين اللبنانيين كواحدة من المعضلات الكبرى التي لم تجد طريقاً للحل. 

وعلى الرغم من الإفراج عن بعض السجناء اللبنانيين بعد سنوات طويلة من الاعتقال، يعيش أهالي المفقودين والمعتقلين الذين لم يطلق سراحهم على أمل لقاء أحبائهم يوماً ما، وسط صمت رسمي وتجاهل دولي.

ووصف رئيس جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، علي أبو دهن، في حوار مع "جسور بوست"، معاناة السجناء اللبنانيين في المعتقلات السورية بأنها "جهنم لا يتصورها أحد". 

وكشف أبو دهن عن قسوة الظروف التي عاشها السجناء ولا تزال تلاحقهم، حتى بعد الإفراج عن عدد قليل منهم عقب التغييرات السياسية في سوريا.

ووصف أبو دهن تفاصيل من داخل السجون السورية، حيث يتعرض السجناء اللبنانيون لممارسات قاسية ومهينة تنتهك كل حقوقهم الإنسانية. 

وأشار إلى أنه على الرغم من الألم الذي يعتصر قلوب عائلات المفقودين، يبقى الأمل قائماً في أن تتمكن الجهود الحقوقية والدولية من كشف مصيرهم.

فإلى نص الحوار:

-هل لديكم تقديرات دقيقة حول عدد المعتقلين اللبنانيين الذين كانوا في السجون السورية؟

بلغ عدد المعتقلين المفرج عنهم حتى الآن 725 شخصاً تم توثيقهم بشكل رسمي؛ ومؤخرا خرج 13 لبنانياً وضعهم الصحي والنفس سيئ جدا، وهم بحاجة لرعاية، ويبقى لدينا أمل أن الباقين أحياء رغم تضاؤل تلك الاحتمالية، مع علمنا بأن كثر توفوا بسبب المجازر التي ارتكبت خلال السنوات الماضية بحق المعتقلين. 

-هل يمكن أن تصف لنا ظروف الاعتقال في سجون سوريا؟ وما أبرز الانتهاكات التي كان يتعرض لها المعتقلون؟ 

لدي كتاب اسمه "عائد من جهنم" وكتاب آخر بعنوان "الخارجون من القبور السورية"، كما صورنا فيلما بعنوان "تدمر"، وبذلك وثقنا بقدر الإمكان ما حصل معنا، علما أن الناس لم تصدق ما رأت وقرأت، إذ اعتبروا أن النظام لا يمكن أن يقوم بذلك التعذيب، واليوم برهنت الوقائع أننا لم نتكلم بكل ما نعرفه، أي إنه كان يجب علي أن أتكلم أكثر عمّا جرى. مثلا، عندما كنت في سجن تدمر، كان كل 5 مساجين يتناولون بيضة واحدة، كما كان السجّانون يعطونا حبة زيتون واحدة مع رغيف خبز، فكنا نمسح حبة الزيتون بالرغيف لكي نشعر بطعم الزيتون عند تناوله. 

وكان السجانون يتبولون على طعامنا، وبصقوا فوق إبريق الشاي الذي كنا نشرب منه، فضلا عن التعذيب الجسدي الذي يشمل الضرب المبرح وقلع الأعين وتكسير الأيدي والأقدام. 

شخصياً، أجلسوني على كرسي حديد وحرقوا لي خصيتي وأطعموني عصفوراً ميتا، ما كان يحدث في السجون السورية لا توجد كلمة تصفه لأنه يظلم الناس بطرق لا تخطر في بال أحد.

- إلى أي حد كانت هناك صعوبات تواجهها الجمعية في توثيق الحالات أو الضغط للإفراج عن المعتقلين قبل وصول المعارضة السورية للحكم؟

كان على السلطات السورية أن تجيب عن استفساراتنا، إذ كانوا يقولون لنا لا يوجد لدينا معتقلون، علما أنه كان من وقت إلى آخر يخرج عدد من المعتقلين، كما أن المجلس الأعلى اللبناني السوري لم يقدم شيئاً للملف، في حين لم يتحدث الساسة اللبنانيون والمسؤولون في القضية إلّا بعد سقوط النظام، إذ يريدون أن يظهروا كأشخاص وطنيين على حسابنا. 

والحكومة اللبنانية لم تقدم لنا لا رعاية صحية ولا دعماً تعليمياً ولا أي شيء آخر، في وقت تم تقديم كل الدعم للمعتقلين الذين خرجوا من سجن الخيام الاسرائيلي، وهذا حقهم طبعا، ولهذا، نحن لدينا عتب كبير على الدولة والمسؤولين.

-كيف تقيمون دور الحكومة اللبنانية في متابعة ملف المعتقلين؟ وهل الخطوات التي أقدمت عليها الحكومة مؤخرا جيدة؟

الجميع كان صامتا عن قضية المعتقلين، وبالتالي، هم من تقع الملامة عليهم وليس الأهالي الذين ليس لديهم أي وسيلة اتصال مع سوريا، ونحن كجمعية تواصلنا مع تلك الجهات اللبنانية، واجتمعنا بوزير العدل وعدد من رؤساء الوزراء منذ سنوات، ومن بينهم رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أخبرناهم بالموضوع وقدمنا لهم لائحة بأسماء المعتقلين. 

ومؤخرا لم نلتقِ أي مسؤول بالحكومة، ونحن نعلم أن الجهات المعنية حاولت تشكيل لجنة مسؤوليتها البحث عن المخفيين في لبنان ونبش المقابر الجماعية في البلاد، ولكن لا نعرف كيف سيتحول عمل تلك اللجنة للبحث عن المفقودين في سوريا.

-هل تنوون التوجه إلى القضاء السوري أو الدولي والمؤسسات الحقوقية لملاحقة السجانين السوريين ومحاكمتهم؟

نحن كجمعية وبالتعاون مع الجهات التي لديها معتقلون سياسيون في سوريا مثل القوات اللبنانية وحزب الكتائب والتوحيد الإسلامي والبعث العراقي، تقدمنا بشكوى دولية وأرسلناها (إلى الجهات الدولية) منذ نحو سنة، ولكن المحاكم الدولية تحتاج إلى وقت لتأخذ مسارها وإلى دعم مادي كبير. 

وقد تقدمنا في المحاكم اللبنانية، بالتعاون مع حزب القوات اللبنانية بشكوى أمام القضاء اللبناني لملاحقة كل من له يد في اعتقال لبناني في سوريا أو حتى ضد السياسيين اللبنانيين ومسؤولي الميليشيات الذين سلموا الكثير من المعتقلين للمخابرات السورية في فترة حكم النظام السوري السابق.

-كشفت وسائل إعلام لبنانية عن وجود عدد من سجّاني صيدنايا في بيروت.. فهل تتحضرون لرفع دعاوى بحقهم لدى القضاء اللبناني؟

نحن نقف إلى جانب كل شخص أو طرف يقدم شكوى ضد أي مجرم له يد في سجن أو قتل أو تعذيب أي سجين لبناني، وفي نهاية الأمر نحن نريد إظهار الحقيقة، وأن يظهر النظام على حقيقته، ولكي يعرف العالم كم عذب وظلم وقتل من الناس، وكم أبكى من عائلات وكم لا تزال هناك عائلات تبكي حتى الآن بحرقة على أبنائها المخطوفين المعتقلين. 

وقد تقدمنا بدعوى بهذا الملف أمام القضاء اللبناني قبل 25 يوما من سقوط النظام السوري، ولكننا لم نتقدم بدعوى بعد سقوط النظام.

-ألم تكن هناك مبالغات في بعض قصص المعتقلين، بحيث إن هناك لبنانيين قضوا عشرات السنوات في سجون سوريا لأسباب جنائية وليس بسبب قضايا سياسية؟

أغلب الذين تم أخذهم من لبنان إلى سوريا أُخذوا لأسباب سياسية، فنحن مثلا كنا من الذين يحاربون الوجود السوري في لبنان، فكان الرد السوري باعتقال آلاف اللبنانيين الرافضين وجوده في لبنان.                                                                                                  

-إلى أي مدى أثرت وسائل الإعلام على قضية المعتقلين والمختفين؟ 

الإعلام أفاد قضيتنا جدا، فحتى الإعلاميين الذين كتبوا ضدنا، واتهمونا بأننا مخبرين وعملاء لإسرائيل، أفادونا، حيث إن من كتب بشكل إيجابي أو سلبي أسهم بالإضاءة على قضية المعتقلين في السجون السورية، لذا نشكرهم جميعا. 

-مع كل ما تحقق من تقدم في ملف المعتقلين هل تعتقدون أنكم ستتمكنون من محاكمة الجناة؟

العملية ستأخذ وقتا لكي تصل إلى نهاية، ولكن أعتقد أنه في حال لم تتحقق عدالة الأرض فإن عدالة السماء لا مفر منها، ونحن نأمل أن يأخذ المعتقلون حقهم في الأرض، لأن ما تعرض له المعتقلون في سوريا جريمة بحق البشرية، ويجب على العالم أن يحاكم هذا النظام وكل من أسهم في قتل الإنسانية في قلوب عشرات آلاف المعتقلين وحرقوا الناس وفرموا الأجساد بالآلات، لكي لا تتكرر تلك المعاناة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية