بالتزامن مع تنصيب ترامب.. 6 ملفات حقوقية تثير الجدل في الولايات المتحدة
بالتزامن مع تنصيب ترامب.. 6 ملفات حقوقية تثير الجدل في الولايات المتحدة
بملفات حقوقية تشغل الرأي العام وتثير الجدل والنقاش السياسي والاجتماعي بالولايات المتحدة الأمريكية، يستقبل البيت الأبيض الرئيس المنتخب دونالد ترامب لولاية ثانية (2025-2029) وسط توقعات باستمرار حضور هذه الملفات الشائكة، والتي كان لها كلمة الحسم في السباق الرئاسي الأخير بين ترامب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس.
ورصدت "جسور بوست" أبرز هذه الملفات، وهي: التضخم والعدالة الاجتماعية، وحقوق المثليين، وحقوق المهاجرين، وحقوق المرأة والإجهاض، والرعاية الصحية، والديمقراطية وحرية الإعلام.
التضخم والعدالة الاجتماعية
يعد التضخم والعدالة الاجتماعية من أبرز محاور الحقوق الاقتصادية في الولايات المتحدة خاصة ويحتل تحقيق التعافي الاقتصادي صدارة اهتمامات المواطنين الأمريكيين، إذ يشكو مواطنون من قضية ارتفاع نسبة التضخم في الولايات المتحدة، والتي تزيد من تكاليف المعيشة وتضاعف النفقات اليومية في المأكل والمسكن وغيره.
ويستمر الجدل بشأن العدالة الاجتماعية، بين من يرى أن الأثرياء والشركات الكبرى يجب أن يدفعوا نصيبهم العادل من الضرائب، حماية للطبقة المتوسطة والشعبية، وسط تصاعد الانتقادات ضد أصحاب المليارات والشركات الكبرى، والجدل بشأن سياسات السوق الحر، وتخفيض الضرائب على الشركات، وتوسيع المجال للقطاع الخاص.
من وقت لآخر تطرح خطط إصلاح نظام العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة، والتوازن في الفرص الاجتماعية وغيرها للنقاش، وسط أحاديث عن أهمية تتبنى سياسات بزيادة الضرائب على الأثرياء لتمويل البرامج الاجتماعية، وتعزيز حقوق العمال والدفاع عن حقوق الأقليات وغيرها.
الهجرة وحقوق المهاجرين
تعد الهجرة من القضايا الشائكة في الولايات المتحدة، لا سيما في المحاور التي تتعلق بالتعامل مع أزمة اللاجئين وتدفق المهاجرين غير الشرعيين، وكانت كلمة سر فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية وفق تقارير أمريكية، إذ اتخذ الأخير موقفا أكثر صرامة وحزما مع قضايا الهجرة، وانتقد تسامح إدارة الرئيس الحالي جو بايدن مع مستويات الهجرة غير الشرعية، لا سيما عبر الحدود الجنوبية مع المكسيك وزيادة معدلات الجريمة.
وتشير تقديرات حديثة إلى أن عدد المهاجرين غير الشرعيين في الولايات المتحدة يتراوح بين 10.5 مليون و11.7 مليون شخص، وفق تقديرات مركز بيو للأبحاث، لا تشمل الأعداد الكبيرة من المهاجرين الذين يتم توقيفهم وترحيلهم على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، حيث شهدت هذه الأعداد زيادة ملحوظة منذ مارس 2021، لتصل إلى مستويات تاريخية.
وخلال الولاية الرئاسية لترامب (2017-2021) انتقدت منظمة العفو الدولية (غير حكومية، مقرها لندن) ما سمّته بـ"ممارسات مسيئة نفذتها واشنطن على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، من خلال المعاملة العنيفة للاجئين وكأنهم مجرمون، والقيود المشددة التي فرضت على فرص النساء في الحصول على الرعاية الصحية الإنجابية وغيرها".
وشهدت عمليات ترحيل المهاجرين في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن زيادة ملحوظة، حيث أصدرت هيئة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك الأمريكية تقريرًا يشير إلى ترحيل أكثر من 271 ألف شخص في عام واحد، وهو أعلى رقم منذ نحو 10 سنوات بالولايات المتحدة.
ويعاني اللاجئون والمهاجرون غير الشرعيين في الولايات المتحدة من ازدحام مراكز الاحتجاز على الحدود الجنوبية، وسوء الأوضاع الصحية والغذائية، إذ تعاني برامج توطين اللاجئين من نقص في التمويل والموارد، إلى جانب تأخير في البت بطلبات اللجوء؛ حيث تستغرق بعض القضايا سنوات طويلة.
الرعاية الصحية
أظهرت دراسة أجرتها منظمة "Commonwealth Fund" غير الربحية أن نظام الرعاية الصحية الأمريكي يأتي في المرتبة الأخيرة بين أنظمة الرعاية الصحية في الدول المتقدمة.
ونظام الرعاية الصحية مثار جدل كبير، لا سيما في سباق الانتخابات الأمريكية، في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر الذي أصاب الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الماضية.
وواجه ترامب خلال فترة ولايته الأولى لرئاسة الولايات المتحدة (2017-2021) برنامج "أوباما كير" وتعهد بإلغائه، لكن جهوده في هذا الشأن تعثرت في الكونغرس وأغضبت ملايين الأمريكيين.
وأُقر قانون الرعاية الصحية الأمريكي، المعروف باسم "أوباما كير" في عام 2010 ويمثل إصلاحا لنظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، وكذلك توسيع لنطاق التغطية منذ تأسيس ميديكير وميديكيد في عام 1965.
ويشهد قطاع الرعاية الصحية إضرابات، وشهد في 2023 إضراب أكثر من 75 ألف موظف في "كايزر برمنانت"، أحد أكبر الإضرابات للعاملين في قطاع الرعاية الصحية في التاريخ الأمريكي الحديث، للمطالبة بحقوق مالية.
وبحسب مقال رأي نشره موقع القمة العالمية للحكومات في 2017، تتفق جميع الأطراف تقريباً على أن نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة، الذي يسهم بنحو 17% من الناتج المحلي الإجمالي، يعاني من مشكلات عدة؛ فالتكاليف المرتفعة، والجودة المتدنية، وتعويضات التأمين والمدفوعات المشتركة المربكة حتى بالنسبة للخبراء، والفجوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء، ما هي إلا جزء يسير من تلك المشكلات.
ورغم الإجراءات التنظيمية والدعم المالي، فإن أكثر من نصف الأمريكيين غير مشمولين بالتأمين المقدم من قبل أرباب العمل، ما يتطلب أشكالاً أخرى أكثر فاعلية من المشاركة الحكومية، حيث تظل هوامش الأرباح الخاصة بأنظمة الرعاية الصحية والناتجة عن أدائها المالي متأخرة، مقارنةً بالمستويات التي حققتها قبل تفشي جائحة كورونا.
وسجلت الرعاية الصحية 17.6 بالمئة من حجم الاقتصاد الأمريكي في عام 2023، وهي زيادة طفيفة على 17.4 بالمئة في عام 2022، أقل مما كانت عليه في ذروة جائحة كورونا.
الديمقراطية وحرية الإعلام
رغم أن ملف ركائز الديمقراطية طالما كان مضربا للمثل في الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها قلعة الحريات في العالم، فإن الحزبين الجمهوري والديمقراطي لا يتوقفان عن تبادل الاتهامات بشأن ذلك.
ويتهم الحزب الديمقراطي ترامب بأنه سيفرض أجندة تهدد أسس وثوابت الديمقراطية الأمريكية وقد ينتقم من خصومه السياسيين، خاصة بعد اتهامات بالتآمر لقلب هزيمته في انتخابات 2020 أمام جو بايدن.
وفي مايو 2024 تراجعت مرتبة الولايات المتحدة بشكل كبير في المؤشر الذي تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود" لحرية العمل الإعلامي حول العالم، وتراجع تصنيف الولايات المتحدة 10 مراكز دفعة واحدة، من المرتبة الـ45 من بين 180 دولة في تصنيف 2023، لتصبح في المرتبة الـ55.
ويشير تقرير "مراسلون بلا حدود" إلى أن انتهاكات حرية الصحافة في الولايات المتحدة التي تنامت منذ 2020، شهدت تراجعا كبيرا في وتيرتها، ولكن "هناك عقبات هيكلية في هذا المجال" خاصة في دولة تعتبر "نموذجا في حرية التعبير".
وأعلنت شركة "ميتا" مؤخرا عن إنهاء برنامج تقصي الأخبار في سياق حساس، قبل أيام على تنصيب دونالد ترامب رسميا لرئاسة الولايات المتحدة، إذ طالما انتقد الجمهوريون، بمن فيهم ترامب، "ميتا"، واتهموها بالتحيز ضد التيار المحافظ، حيث أشار محللون إلى أن هذه الخطوات قد تكون محاولة من الشركة لاسترضاء الأوساط السياسية المحافظة في أمريكا.
حقوق المرأة والإجهاض
وعادة ما تمثل قضية الإجهاض بؤرة شائكة في المعادلة الرئاسية الأمريكية، إذ وقف ترامب بجانب الحزب الجمهوري في مربع عدائي من القضية، حيث يدعم قرار المحكمة العليا الأمريكية لعام 2020 الذي تسبب في إلغاء حق الإجهاض على المستوى الفيدرالي.
ويدافع الحزب الجمهوري عن القيود المفروضة على حق النساء في الإجهاض، متهما الحزب الديمقراطي بدعم قتل الأطفال، لجذب قاعدة الناخبين المحافظين وأصحاب الميول الدينية، بينما وصف الحزب الأخير إنهاء الحماية الفيدرالية للإجهاض بأنه "فظيع"، ويؤكد أهمية دعم حق المرأة في الإجهاض ومنع القيود الفيدرالية أو المحلية على هذا الحق.
في عام 2023، قررت المحكمة العليا الأمريكية إلغاء الحماية الفيدرالية على حق الإجهاض، وسجل نظام الرعاية الصحية نحو مليون حالة إجهاض في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، في أعلى معدل منذ أكثر من عقد، وفق بيانات إحصائية لمعهد غوتماكر (غير حكومي، يدعم الحق في الإجهاض).
المثلية الجنسية
ويمثل ملف المثلية الجنسية وازدواجية الميول الجنسانية أولوية ضمن ملفات الاهتمام الأمريكي في الانتخابات الرئاسية، إذ عادة ما يتبنى الحزب الديمقراطي المذكرة الرئاسية بشأن النهوض بحقوق الإنسان للمثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية والمثليين وثنائيي الجنس والعابرين جنسياً (مجتمع الميم) في جميع أنحاء العالم.
وغالبا ما يركز الحزب الديمقراطي على العمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان لمجتمع الميم، بما يتماشى مع المجالات المختلفة، وذلك لمناهضة رهاب المثلية الجنسية ورهاب العابرين جنسياً وثنائيي الميل الجنسي، في المقابل يهاجم الحزب الجمهوري الجهات التي تدعم المثلية الجنسية، والمتحولين جنسيا، ويتعهد مرارا بمحاربة بعض أفكار الحزب الديمقراطي والأيديولوجيات التي يتبناها في هذا الملف الشائك.
ملفات مثيرة للجدل
وقال أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشؤون الأمريكية، سعيد صادق، إن تلك الملفات تلقى حضورا مستمرا وليست مرتبطة بوجود ترامب أو غيره، مشيرا إلى أنها دائما تلقي بظلال من الجدل خاصة بين المحافظين والليبراليين وأصحاب البنزنس والمطالبين بالعدالة الاجتماعية ومنتقدي الأوضاع الاقتصادية.
وأشار صادق في تصريح لـ"جسور بوست" إلى أن قضايا مثل الإجهاض وحقوق المثليين وحقوق النساء تشهد انقسامات في الولايات المتحدة بين محافظين في الولايات الجنوبية، وتيار آخر منفتح في ولاية كاليفورنيا، والساحل الشرقي والغربي للولايات المتحدة.
ويتوقع أن يستمر الجدل بشأن تلك القضايا في الولايات المتحدة دون حسم، مؤكدا أن ملفات كالرعاية الصحية والحقوق الاقتصادية لها مساحة كبيرة في الولايات المتحدة ويصاحبها جدل واسع أيضا، وبالتالي يصعب وضع كلمة النهاية لها سواء على يد الجمهوريين أو الديمقراطيين.
ويرجح سعيد صادق أن يستمر ملف الهجرة وهو الأكثر ضجة وحضورا في كل العهود خاصة أن الولايات المتحدة بلد المهاجرين، متوقعا اهتمام إدارة ترامب بملف المهاجرين غير الشرعيين بصورة كبيرة ستظهر بوضوح في تناول وسائل الإعلام والبيانات الحقوقية.
وبحسب قوله فإن "الديمقراطية، وحرية الإعلام دائما ما ستكون في قلب معترك الحياة السياسية في الولايات المتحدة، وسنرى حضورا متواصلا للاتهامات بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن تلك الملفات وسيبقى المواطن الأمريكي أسير بين التيارين".
ويعتقد المحلل السياسي أن تراجع شركة "ميتا" الأخير عن سياساتها بشأن النشر السياسي يعود لمخاوف لها من توجه الإدارة الجديدة وسعيها لأن تكون منسجمة مع أي تطورات لا تعوق وجودها، متوقعا أن يبقى ملف الحريات الإعلامية -كما هو معروف في الولايات المتحدة- تقدمياً ولا يخلو من معارك مستمرة.