سلسلة استقالات بالجيش.. زلزال يجتاح الداخل الإسرائيلي ويهدد بتقويض «هدنة غزة»
أبرزها رئيس الأركان هرتسي هاليفي
تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية زلزالا قد يقود لفتح بوابة الرحيل القسري لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عبر انتخابات مبكرة، أو رحيل تحت ضغوط اليمين الإسرائيلي المتطرف، ما يهدد بالتراجع عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة مع توسع كبير في الضفة الغربية.
وأعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، مؤخرا استقالته من منصبه بادئا سلسلة من الاستقالات في قيادة الجيش الإسرائيلي على خلفية ما اعتبر فشلا في 7 أكتوبر 2023، فضلا عن هجوم اليمين المتطرف وتداعيات عدم القضاء على حركة "حماس" بعد ظهورهم الأخير أثناء تسليم الرهائن.
وقال هاليفي: "مسؤوليتي عن الفشل الذريع ترافقني يوما بعد يوم، وساعة بعد ساعة، وسوف يكون الأمر كذلك بقية حياتي (..) إدراكًا لمسؤوليتي عن فشل الجيش في السابع من أكتوبر، وفي الوقت الذي حقق فيه الجيش إنجازات غير عادية، وأعاد قوة دولة إسرائيل وقدرتها على الردع، فإنني أطلب إنهاء منصبي".
وأضاف: "لقد اتخذت هذا القرار منذ وقت طويل، والآن عندما أصبحت قوات الجيش الإسرائيلية هي المسيطرة على جميع مسارح الحرب، وأصبح هناك اتفاق آخر لإعادة الرهائن قيد التنفيذ، فقد حان الوقت لذلك".
وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية فإن استقالة هاليفي تلاها إبلاغ قائد القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، يارون فينكلمان، الذي أبلغ رئاسة هيئة الأركان الاستقالة من الجيش، بخلاف إعلان المسؤولة عن النيابة العسكرية بالجيش اللواء يفعات يروشلمي، الاستقالة من منصبها.
وسبق ذلك، استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أهارون هاليفا، وسط حديث عن استقالات محتملة من كبار الضباط بالمؤسستين العسكرية والأمنية وأجهزة الاستخبارات، أبرزها قائد سلاح الجو تومر بار، وقائد سلاح البحرية ديفيد ساعر، ورئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" رونين بار، وفق تقارير إعلامية إسرائيلية حديثة.
ورجح مراقبون وخبراء أن هذه الاستقالات لن تكون الأخيرة داخل إسرائيل، وستحدث زلزالا سياسيا قد يطيح بالحكومة إلا في حالة تدخل من إدارة دونالد ترامب بدعم نتنياهو والسماح بعدم هدم اتفاق غزة مقابل توسع في الضفة الغربية.
انقسامات داخل إسرائيل
من جانبه، قال الوزير اليميني المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، إن "إسرائيل سوف تسقط الحكومة إذا لم تعد إلى القتال بطريقة تؤدي بنا إلى الاستيلاء على قطاع غزة بالكامل وحكمه، وأن تنشئ حكومة عسكرية مؤقتة، لأنه لا توجد طريقة أخرى لهزيمة حماس".
وباستقالة هاليفي تدحرج الغضب مثل كرة الثلج داخل المجتمع السياسي الإسرائيلي، إذ انقسمت ردود الفعل بين من يدعو نتنياهو إلى تقديم استقالته تحملا للمسؤولية، ومن يدعو لتشكيل لجنة تحقيق حكومية بشأن أحداث 7 أكتوبر وإجراء انتخابات مبكرة ومن يحرض على التوسع في الحرب الإسرائيلية الحالية.
وهنأ زعيم المعارضة الإسرائيلية داخل الكنيست يائير لابيد هاليفي على قراره بالاستقالة، قائلا: "يجب على رئيس الوزراء وحكومته الكارثية بأكملها تحمل المسؤولية والاستقالة الآن".
أما رئيس حزب المعسكر الوطني بيني غانتس فقد اعتبر أن هاليفي "يتحمل المسؤولية العامة بطريقة تستحق التقدير"، داعيا نتنياهو إلى تشكيل لجنة تحقيق حكومية بشأن أحداث 7 أكتوبر وقيادة إسرائيل نحو انتخابات جديدة حتى يتم تشكيل حكومة قادرة على استعادة ثقة المواطنين.
وسارع المتطرف اليميني إتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي السابق الذي انسحب من حكومة بنيامين نتانياهو، إلى التعليق على الاستقالة، قائلا: "أتوقع تعيين رئيس أركان جديد قوي وعدواني، شخص يقودنا إلى هزيمة حماس".
ووسط تلك التوترات داخل إسرائيل، أعلن ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الأربعاء، أنه سيزور تل أبيب بهدف الاستعداد للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة "إذا سارت الأمور على ما يرام"، وذلك بعد يومين من حديث الرئيس الأمريكي أنه "غير واثق" من أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة سيستمر.
دلالات خطيرة
توقع الخبير العسكري، اللواء محمود زاهر، أن تشهد إسرائيل استقالات متتالية بعد استقالة هاليفي، مرجعا ذلك لأسباب ثلاثة مرتبطة بالصراع السياسي والطموح الذاتي ومناورة إسرائيلية ستستغل بالمفاوضات.
ورأى زاهر في تصريح لـ"جسور بوست"، أن استقالة هاليفي تأتي نوعا من المناكفة لنتنياهو واليمين المتطرف والإحراج لهما، لتعزيز الضغوط على رئيس الوزراء الإسرائيلي، وخطوة استباقية أشبه بالقفز من المركب لعدم المحاسبة مستقبلا والإفلات من عقوبة الفشل في 7 أكتوبر، خاصة وهو يتحدث عن تقديمه لإنجازات وهو غير ملاحق من المحكمة الجنائية الدولية مثل نتنياهو.
وحذر الخبير العسكري من العناوين العريضة التي صاحبت الاستقالة التي يفترض أن تطبق في مارس المقبل، وهو ما يثير تساؤلات لماذا الطرح الآن في ظل مفاوضات وقف إطلاق النار، مؤكدا أن إسرائيل عادة تطلق تلك العناوين لتبعد الأعين عن التحرك الأساسي وإمكانية أن تستغل تلك التحركات للضغوط والمناورة في المفاوضات الحالية بشأن المرحلة الثانية.
وقال سفير فلسطين السابق بمصر بركات الفرا، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن استقالة هاليفي تأتي نتيجة خلافات داخلية بين الأخير وكاتس الذي بلا خبرة عسكرية، فضلا عن هجوم اليمين المتطرف عليه، في ظل جو عام يحملهما مسؤولية الفشل في 7 أكتوبر، متوقعا أن تتوالى الاستقالات خلال الأسابيع المقبلة.
وأضاف الفرا: "اليمين الإسرائيلي المتطرف يقود ما أشبه بعملية تطهير ضد كل من يكون أشد تطرفا مثلهم، خاصة مع مساعٍ منهم لتصعيد الوضع في الضفة الغربية كما حدث في غزة، وهذا لن يتحقق في ظل قيادات تمثل عقيدتهم المتطرفة، مشيرا إلى أن هاليفي مثل غالانت نجحت الضغوط في الإطاحة بهما".
واستبعد الدبلوماسي الفلسطيني أن يقدم نتنياهو استقالته مثل هاليفي، لأنه يعلم أنه سيحاكم ويسجن في اليوم التالي في ظل قضايا الفساد تواجهه، متوقعا أن يجد رئيس وزراء إسرائيل دعما من ترامب لاستمراره، ودعم مسار "نفض يده" من اتفاق غزة بالمرحلة الثانية لتفادي الضغوط التي خلفتها انسحابات اليمين المتطرف من الحكومة واستقالة هاليفي أو اللجوء لمسارات جديدة في الضفة بتأييد أمريكي بديلا عن التراجع عن الاتفاق وترضية خصومه.
ورجح بركات الفرا إمكانية أن تزداد الضغوط والخلافات إثر الاستقالات والانسحابات بسبب الاتفاق، وأن تؤدي لانتخابات مبكرة، وبالتالي الذهاب الحتمي للضفة لإشغال الرأي العام وتهدئة الخصوم أيضا.
وأشار أمين عام مركز الفارابي للدراسات السياسية مختار غباشي، إلى قوة ما سماه بـ"الزلزال أو الصاعقة"، لا سيما في ظل ظهور عناصر "حماس" أثناء تسليم الأسرى بطريقة أثرت سلبا على الداخل الإسرائيلي، مشيرا إلى أن هذا دفع الكثير للاعتقاد أن إسرائيل لم تحقق تعهداتها بالقضاء على حماس وكأنها كانت تقتل الأطفال والنساء والمدنيين فقط، ما أعاد التساؤلات عن الفشل في 7 أكتوبر.
وتوقع غباشي في تصريح لـ"جسور بوست" أن يزداد الحديث عن فشل 7 أكتوبر داخل إسرائيل وألا تطويه تلك الاستقالة أو غيرها، وخاصة أن هذا عزز عند معارضي نتنياهو المطالبة برحيله، معتقدا أن الصورة ستظل تلاحقهم وتكشف عن زيف ما تحدث عنه طيلة الفترة الماضية على مدار أكثر من 15 شهرا.
ولم يستبعد حدوث زلزال داخلي يواجه نتنياهو بالتفاف حول الاتفاق أو تعطيل أو ذهاب لتصعيد في الضفة الغربية، مؤكدا أن تطورات الأحداث لا سيما بالضفة ستكشف مآلات تلك الاستقالات أكثر خاصة مع اقتراب مفاوضات الهدنة بشأن المرحلة الثانية.