تعليق المساعدات الخارجية.. «كابوس أمريكي» يخيّم على الضحايا واللاجئين

يثير المخاوف ويهدد الملايين بالشرق الأوسط

تعليق المساعدات الخارجية.. «كابوس أمريكي» يخيّم على الضحايا واللاجئين
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب

أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، تعليق المساعدات الخارجية لتقييم يمتد إلى 90 يوما، قلقا دوليا كبيرا، حيث إنه يهدد ملايين المواطنين في العديد من الدول، إلى جانب تراجع تمويل المنظمات واللاجئين بالمنطقة وبمختلف أنحاء العالم.

ويأتي ذلك في ظل إعلان الولايات المتحدة سياسات خارجية ترفع شعار "أمريكا أولاً"، وتجاوز الديون الأمريكية سقف 35 تريليون دولار جراء تمويل واشنطن حلفاءها في حروب بالمنطقة منها أوكرانيا وغزة، غير أنه سيؤدي إلى تأثيرات عميقة على الوضع الإنساني في منطقة الشرق الأوسط جراء زيادة الضغوط الاقتصادية على الدول المستفيدة من المساعدات. 

ومؤخرا أظهرت مذكرة لوزارة الخارجية الأمريكية، أن قرار تعليق المساعدات الخارجية، الذي أمر به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمدة 90 يوماً، ينطبق على المساعدات الجديدة والقائمة، لكنه يشمل إعفاءات للتمويل العسكري لإسرائيل ومصر.

وبعد ساعات من تولِّي منصبه في 20 يناير الجاري، قرر ترامب تعليق برامج المساعدات الخارجية في المجال التنموي لحين تقييم مدى كفاءة هذه المساعدات، واتساقها مع سياسته الخارجية. 

الكونغرس يحدد الميزانية

لم يتضح حتى الآن نطاق هذا القرار ولا التمويل الذي يمكن خفضه، لأن الكونغرس هو الذي يحدد ميزانية الحكومة الاتحادية في الولايات المتحدة.

ولم يتم استثناء البرامج المنقذة للحياة ضمن التجميد واسع النطاق للمساعدات الخارجية الأمريكية، ما أثار استياء المنظمات الإنسانية، بحسب شبكة سي إن بي سي الأمريكية.

ولفتت الشبكة إلى أن المرسوم هدد بوقف سريع للعديد من المشاريع التي تمولها الولايات المتحدة بمليارات الدولارات عالميًا لدعم الصحة والتعليم والتنمية وتدريب العمالة ومكافحة الفساد والمساعدة الأمنية وغيرها من الجهود.

وتقدم الولايات المتحدة مساعدات خارجية أكثر من أي دولة أخرى في العالم، حيث خصصت حوالي 60 مليار دولار في عام 2023، أي حوالي 1% من ميزانية الولايات المتحدة.

وقالت رئيسة أوكسفام أمريكا، آبي ماكسمان، في بيان: "من خلال تعليق المساعدات التنموية الخارجية، تهدد إدارة ترامب حياة ومستقبل المجتمعات في الأزمات، وتتخلى عن النهج الثنائي الحزبي طويل الأمد للولايات المتحدة في المساعدات الخارجية الذي يدعم الناس بناءً على الحاجة، بغض النظر عن السياسة".

الأفغان في خطر

وأدى قرار ترامب أيضاً إلى تعليق وزارة الخارجية للأموال المخصصة للمنظمات التي تساعد الأفغان الحاصلين على تأشيرات الهجرة الخاصة في العثور على مساكن ومدارس ووظائف داخل الولايات المتحدة، إذ دفع القرار إلى تعليق رحلات جوية لأكثر من 40 ألف أفغاني وافقت السلطات الأمريكية على منحهم تأشيرات هجرة خاصة، وهم عرضة لاحتمال انتقام حركة "طالبان" منهم.

وأوضح شون فاندايفر رئيس تحالف أفغان إيفاك للمحاربين القدامى وجماعات حقوقية تعمل مع الحكومة الأمريكية لإجلاء وتوطين الحاصلين على التأشيرات الخاصة، أنه لا يعتقد أن تعليق الرحلات الجوية كان متعمداً، مضيفاً "نعتقد أن الأمر كان على سبيل الخطأ".

وأضاف أنه يأمل أن تمنح الإدارة الأمريكية إعفاءات للأفغان الذين تمت الموافقة على منحهم التأشيرة الخاصة، لأنهم عملوا لمصلحة الحكومة الأمريكية خلال الحرب في أفغانستان التي استمرت 20 عاماً وانتهت بالانسحاب الأمريكي النهائي في أغسطس 2021.

وقال فاندايفر، إن تعليق الرحلات الجوية تسبب في تقطع السبل بأكثر من 40 ألف أفغاني، بمن في ذلك حاملو تأشيرة الهجرة الخاصة الذين كانوا ينتظرون السفر إلى الولايات المتحدة من مراكز معالجة التأشيرات في قطر وألبانيا.

خطوة مفاجئة

ووصف الباحث والمحلل السياسي اللبناني، طارق أبو زينب، قرار ترامب بأنه "خطوة مفاجئة وذات تأثيرات عميقة على الوضع الإنساني في منطقة الشرق الأوسط والعلاقات الدولية بشكل عام، لا سيما وأنه يعكس تحولًا في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، وقد يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية، وتهديد حقوق اللاجئين، وزيادة الضغوط الاقتصادية على الدول المستفيدة من المساعدات".

وقال أبو زينب في تصريح لـ"جسور بوست"، إن "القرار يشمل دولاً عدة في منطقة الشرق الأوسط، مثل الأردن وفلسطين، إضافة إلى منظمات دولية تعمل في مجالات الإغاثة الإنسانية، ويحمل تداعيات خطيرة على حقوق الإنسان والوضع الإنساني في هذه البلدان، ويؤثر بشكل خاص على اللاجئين، ومن بينهم اللاجئون الأفغان الذين يعيشون تحت تهديدات متعددة بعد سيطرة طالبان على أفغانستان". 

وأضاف: "يعد هذا القرار ضربة قوية لاقتصاديات البلدين، اللذين يواجهان أصلاً تحديات اقتصادية كبيرة، إذ يعتمد الأردن بشكل كبير على المساعدات الأمريكية في مجالات حيوية مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والبنية التحتية، كما تُخصص المساعدات أيضًا لدعم استضافة اللاجئين السوريين والفلسطينيين، الذين يمثلون ضغطًا كبيرًا على الموارد المحدودة للمملكة".

وتابع: "إذا تم تعليق هذه المساعدات، فإن الأردن سيواجه صعوبة في توفير هذه الخدمات الأساسية، ما قد يؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي، أما بالنسبة لفلسطين، فالمساعدات الأمريكية تمثل مصدرًا حيويًا لدعم الأونروا وبرامج التعليم والصحة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتعليق المساعدات سيعمق معاناة الفلسطينيين، ويزيد من حجم التحديات الاقتصادية، بما في ذلك نقص الغذاء، والرعاية الصحية، والتعليم، وهو ما قد يؤدي إلى مزيد من العنف وعدم الاستقرار في المنطقة". 

تأثير على العلاقات العربية الأمريكية

وأوضح طارق أبو زينب أن قرار تعليق المساعدات سيؤثر بشكل مباشر على حقوق الإنسان في المنطقة، وأن الولايات المتحدة تعد من أكبر الممولين للمنظمات الإنسانية العاملة في العديد من الدول النامية، خاصة في مناطق النزاع، وهذه المنظمات مثل الصليب الأحمر الدولي وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأمريكية لتمويل برامجها في مجالات الصحة، والتعليم، والمساعدات الغذائية.

وتابع: "قد يؤدي تعليق هذه المساعدات إلى تقليص نطاق عمليات هذه المنظمات، ما يعني أن ملايين الأشخاص في المنطقة قد يفقدون الوصول إلى المساعدة الأساسية، وفي ما يخص اللاجئين الأفغان، يشكل هذا القرار تهديدًا إضافيًا لهم، خاصة في ظل الوضع المتأزم في أفغانستان بعد سيطرة طالبان على البلاد، وسيؤدي تعليق المساعدات الأمريكية إلى نقص الدعم المقدم لهذه الفئة، سواء كان في شكل مساعدات غذائية أو رعاية صحية أو توفير فرص تعليمية، وكما أن تقليص الدعم المالي قد يعزز من فرص الفوضى ويؤدي إلى تدهور الوضع الأمني والإنساني".

ويرى طارق أبو زينب أنه سيكون لهذا القرار تبعات كبيرة على العلاقات الأمريكية مع الدول العربية، خاصة تلك التي تعتمد على المساعدات الأمريكية، في الوقت الذي تمر فيه المنطقة بتحديات اقتصادية جمة، لافتا إلى أنه إذا توقفت هذه المساعدات، قد تجد هذه الحكومات نفسها تحت ضغط أكبر لتلبية احتياجات مواطنيها واللاجئين.

وقال إن هذا القرار قد يؤدي إلى زيادة النفوذ الإقليمي لدول أخرى مثل الصين وروسيا، التي قد تسعى إلى استغلال الفراغ الذي سيخلفه تعليق المساعدات الأمريكية، موضحا أن الصين على وجه الخصوص قد تجد فرصًا لتعزيز وجودها الاقتصادي والسياسي في المنطقة من خلال تقديم المساعدات أو الاستثمارات، ما قد يغير من ديناميكيات العلاقات الدولية في الشرق الأوسط.

وأضاف، سيكون لتجميد المساعدات تأثيرات مباشرة على حياة الملايين من الناس في المنطقة، حيث سيزيد من تفاقم الأزمات الإنسانية، وستكون المؤسسات الإنسانية مضطرة إلى تقليص أنشطتها أو إغلاق بعض البرامج الحيوية، ما سيؤدي إلى زيادة المعاناة وتدهور الأوضاع الصحية والتعليمية في المناطق المتأثرة.

وقال إنه على المدى الطويل، فإن هذا القرار، بحسب أبو زينب، قد يؤدي إلى تغييرات في السياسات الدولية تجاه المنطقة، وقد تبحث الدول المتضررة من تعليق المساعدات عن بدائل تمويلية من دول أخرى، وتبحث عن دعم سياسي واقتصادي من قوى إقليمية ودولية أخرى، لافتا إلى أنه مع استمرار هذا النهج في السياسة الأمريكية قد يساهم في مزيد من تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، ما يعزز من دور القوى الإقليمية الأخرى مثل روسيا والصين.

رسالة مبكرة

يرى أستاذ العلوم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة القدس، الدكتور أمجد شهاب، أن قرار ترامب رسالة للمنطقة، لا سيما وأن الأردن وفلسطين تتحصلان على مساعدات للاجئين والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بخلاف دعم منظمة "الأونروا"، وهذا قد يأتي في إطار إعادة كتابة تفاهمات كبيرة، وفرض سيناريوهات مرفوضة عربيا مرتبطة بالتهجير.

وأكد شهاب لـ"جسور بوست"، أن ترامب يتعامل مع المنطقة والعالم، كأنه شركة ورجل أعمال ولا يربط قراراته بحقوق الإنسان والبعد القانوني الدولي، ولذا رأينا حديثا عن احتلال بنما وضم كندا وغيرها في إعادة لكتابة توازنات جيوسياسية حسب ما تقتضيه مصلحة واشنطن، لافتا إلى أن قرار ترامب سبق انسحابات من منظمة الصحة واتفاقية المناخ، في إطار نظرة اقتصادية لا تنظر لمصالح العالم أيضا.

ويعتقد الدكتور أمجد شهاب، أن اللاجئين الأفغان أو في أي مكان لا سيما بالشرق الأوسط سيكونون ضحايا جدداً، لحقوق يتم إهدارها من جانب الإدارة الأمريكية الجديدة، محذرا من أي هذه السياسية تهدد النفوذ الأمريكي مستقبلا، خاصة أنها تمس أكثر من دولة ومنظمة وجهة وأقليات وطالبي لجوء وغيرهم. 

هذا التحول الجذري في النظرة الأمريكية مع قرارات ترامب، يراه أستاذ العلوم السياسة والعلاقات الدولية بجامعة القدس، ترسيخ لشعار “أمريكا أولا” وهيمنة أمريكية اقتصادية وعسكرية ونظرة ضيقة للمصالح الأمريكية.

وتوقع ألا تتوقف دائرة القرارات عند حد الشرق الأوسط، مع احتمال توسع أوروبي، في ظل مخاوف من التوجه الأمريكي ليكون أخطبوطا اقتصاديا يأخذ ولا يمنح.



ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية