ترمب... لا بديل عن «الإعلام البديل»
ترمب... لا بديل عن «الإعلام البديل»
في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، كان «الكونغرس» الأميركي مجتمعاً للتصديق على فوز الرئيس جو بايدن بالانتخابات الرئاسية 2020، عندما اندلعت أحداث عنف وفوضى نادرة في تاريخ الولايات المتحدة؛ إذ اقتحم أنصار المرشح الخاسر آنذاك دونالد ترمب مبنى «الكابيتول»، حيث يُعقد الاجتماع، ما أدى إلى مقتل خمسة أشخاص وإصابة العشرات، فضلاً عن إلقاء ظلال قاتمة على عملية انتقال السلطة، ومن ورائها الديمقراطية الأميركية نفسها.
وعندما حاولت لجنة شكَّلَها «الكونغرس» تقصي الأسباب التي أدت إلى اندلاع هذه الفوضى النادرة، وجدت أن «الإعلام البديل» لعب دوراً بارزاً في ذلك الصدد، عبر نشره الكثير من «المنشورات المُحرضة» من قِبَل المرشح الخاسر وداعميه، وسماحه برواج الكثير من المعلومات المُضللة، التي «حرضت الغوغاء» على اقتحام هذا المبنى السيادي، والعبث بمحتوياته.
سيأتي فريق مكوّن من 18 خبيراً وأستاذاً متخصصين في الإعلام والاتصال لاحقاً، لينضموا إلى مشروع مُمول من الاتحاد الأوروبي، تحت عنوان «الأصوات غير التقليدية: اتجاهات وسائل الإعلام البديلة في أوروبا وأميركا»، لمحاولة البحث في الدور الذي لعبه هذا «الإعلام البديل» على هامش الانتخابات الأميركية.
تقول البروفسورة كارولينا ميخاليسكا، الأستاذة في كلية أودينسيا لإدارة الأعمال، وأحد أعضاء هذا الفريق إن نتائج الدراسة، التي أُجريت ضمن هذا المشروع، كانت لافتة وشديدة الأهمية في آن؛ ومفادها أن «دور وسائل الإعلام البديلة كان حاسماً في مساندة دونالد ترمب»، عبر التأثير في المترددين خصوصاً، وحملهم على التصويت لصالحه، وتأييده وتبني رواياته.
فقد أظهرت الدراسة التي أجراها هذا الفريق، بعد استطلاع آراء 26 ألف شخص في 18 دولة غربية، أن 41 في المائة من الأميركيين، بمتوسط عمر 38.7 سنة، كانوا يعتمدون على «الإعلام البديل» في التزوّد بالمعلومات والتحليلات الخاصة بالشؤون العامة، وعلى رأسها ما يتعلق بالانتخابات، والمنافسات بين الحزبين الرئيسيَين: الجمهوري والديمقراطي.
وبسبب هذا الارتفاع الملحوظ في معدل اعتماد البالغين على الوظيفة الإخبارية والتحليلية لمنصات «الإعلام البديل»، إضافة إلى نفور البعض مما عُدّ «انحيازاً تقليدياً لوسائل الإعلام التقليدية للمرشح الديمقراطي وللأفكار اليسارية عموماً»، راح تأثير منصات «التواصل الاجتماعي» الرائجة؛ مثل «فيسبوك» و«تيك توك» و«إكس» وغيرها، يتزايد، ومعه القدرة على الحسم كذلك.
وعندما عاد ترمب للمنافسة مجدداً على منصب الرئيس، وخاض الانتخابات في 2024، كان «الإعلام التقليدي» موزّعاً على ثلاثة اتجاهات رئيسة إزاءه: أولها يداوم على النقد والمُفارقة، وربما العداء المُعلن. وثانيها يُفرط في الموالاة والتأييد والإعجاب، رغم ضيق مساحته، ومحدودية انتشاره. وثالثها جاء من يسار ترمب إلى يمينه، يسعى للسلام ويطلب السلامة، ويحاول إدراك الحلول الوسط التي تحافظ على المصالح، وتضمن الاستدامة، في ظل «ولاية ترمبية» بدت تلوح في الأفق، مع هزال المنافس، ثم انسحابه، واستبدال مرشحة بحظوظ وكاريزما ضعيفة به.
تلك كانت بيئة «الإعلام التقليدي»، التي سبق أن وصمها المرشح الفائز لاحقاً دونالد ترمب، بأنها بيئة «معادية للشعب»، لكن في المقابل كانت بيئة «الإعلام البديل» أكثر تجاوباً مع أفكار ترمب ونزعاته وأفكاره ورواياته.
لقد أحسن ترمب قراءة الواقع الاتصالي والإعلامي المُحيط بالعمليات الانتخابية والمنافسات الحزبية في بلاده. وهو الأمر الذي ظهر مبكراً منذ فوزه بولايته الأولى على المرشحة العنيدة هيلاري كلينتون، بينما كانت تحظى بأكبر قدر مُمكن من التأييد في «الإعلام التقليدي».
وحتى عندما سعى بعض أقطاب «الإعلام البديل» إلى حظره وتقييد منشوراته وتفاعلات مؤيديه، فإنه عمد إلى تطوير منصته «البديلة» الخاصة، «تروث سوشيال»؛ وهو الأمر الذي عزز فكرته في أنه «لا بديل عن الإعلام البديل».
كان هذا هو ما جرى في المنازلات الانتخابية الحادة السابقة، وكانت تلك نتيجته: المزيد من التأثير والنفوذ للإعلام «البديل»، والكثير من محاولات تطويع المجال الإعلامي «التقليدي»، للتكيف مع المُستجدات.
فأين يكمن الإشكال إذن؟
صحيح أن هذا الإعلام «البديل» ينطوي على الكثير من التعددية الصحية، وتمثيل المجتمع، والتفكير النقدي، لكنه أيضاً يشكل أكبر بيئة حاضنة للتضليل والأكاذيب والأفكار الغوغائية.
وصحيح أن الإعلام «التقليدي» بدأ، وسيواصل، محاولة التكيف مع مُقتضيات مرحلة ترمب الجديدة، وسيسعى إلى توفيق أوضاعه لتحقيق «السلامة» والاستدامة بقدر الإمكان، لكن ذلك ربما يكون على حساب أدواره الرقابية وقدراته النقدية، وبعض «الثوابت» التي طالما أمعن في الدفاع عنها، على مدى عقود طويلة، وفي ظل رئاسات متباينة المشارب والتوجهات.
نقلاً عن الشرق الأوسط