مطالبات بمعاقبة إسرائيل.. كيف ينظر الفلسطينيون لقرار حظر «الأونروا»؟

مطالبات بمعاقبة إسرائيل.. كيف ينظر الفلسطينيون لقرار حظر «الأونروا»؟
الأونروا في فلسطين

سادت مشاعر من القلق بين الفلسطينيين في قطاع غزة تزامنًا مع دخول قرار حظر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) حيّز التنفيذ، اليوم الخميس، وهو ما يشكل "نكبة جديدة" و"كارثة إنسانية" تضاف إلى قائمة المآسي التي خلّفتها 471 يومًا من الحرب الإسرائيلية الضارية ومن قبلها 18 عامًا من الحصار المُطبق على القطاع.

وينص القرار الإسرائيلي على تطبيق القانونين اللذين صادق عليهما الكنيست الإسرائيلي أواخر أكتوبر الماضي، حيث يقضي بحظر نشاط الوكالة داخل "المناطق الخاضعة للسيادة الإسرائيلية"، بما يشمل تشغيل المكاتب التمثيلية وتقديم الخدمات، بالإضافة إلى منع أي اتصال مع الوكالة الأممية.

شريان الحياة

وسط مخيم خان يونس المدمّر جنوب قطاع غزة، تساور الحاجة أم محمد تنيرة (57 عامًا) مشاعر القلق والريبة من تطبيق هذا القرار؛ كونها تعتمد على الوكالة الدولية في كافة مناحي الحياة، بما يشمل المساعدات الغذائية والرعاية الصحية والاجتماعية وخدمات التعليم لأفراد أسرتها. 

وترجع أصول الحاجة تنيرة لعائلة لجأت جراء النكبة الفلسطينية عام 1948 إلى منطقة المعسكر الغربي في مدينة خان يونس، وتقول لـ"جسور بوست": "نعتمد بشكل أساسي على خدمات الأونروا في الصحة والتعليم والمساعدات الغذائية، وفي حال حظرها ستحل علينا نكبة جديدة، وستزداد مشاكلنا أكثر بكثير خاصة بعد الحرب التي فاقمت من احتياجنا لخدمات الوكالة بشكل كبير".

وتضيف: "تمثل الوكالة شريان الحياة بالنسبة لأي لاجئ في الداخل والشتات وليس لنا بدائل أخرى تقتات منها".

لدى الحاجة تنيرة 3 أبناء و12 حفيدًا، جميعهم تلقوا تعليمهم الأساسي في مدارس الوكالة، وبينما يعمل اثنان من أبنائها في تلك المدارس، تعمل ابنتها الوحيدة ضمن برامج التشغيل المؤقت فيما يعرف محليًا باسم "بطالة الوكالة".

دور حيوي

وتعمل الأونروا في قطاع غزة منذ عدة عقود، داخل مخيماته ومدنه، كما توسّع نطاق عملها خلال العام الماضي ومنذ اندلاع الحرب، نحو مساعدة المدنيين الذين تقطعت بهم السبل جراء الحرب الإسرائيلية على القطاع، حيث يعاني العديد من السكان البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من غياب المأوى والغذاء والرعاية الطبية.

لكن خدمات الأونروا التي تم تأسيسها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1949 لا تقتصر على الخدمات التعليمية والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية فحسب، إنما تشمل -بحسب مدير الإعلام في الأونروا بقطاع غزة إيناس حمدان لـ"جسور بوست"- تقديم خدمات الإغاثة الطارئة والحيوية والحماية لملايين اللاجئين الفلسطينيين المسجلين، بالإضافة إلى أعمال الطرق، ومنح القروض لروّاد الأعمال ودعم الصحة النفسية  وغيرها.

ورغم حيوية دورها، فإنّ الوكالة حذّرت مؤخرًا من أنّ عملها في غزّة والضفة، بما في ذلك القدس الشرقية، قد يتوقف بالكامل، في حال تم تنفيذ القرار الذي أقرّته أغلبية بالكنيست الإسرائيلي، ولقي صدى واسعا من مغبة تجميد دورها، وهو ما اعتبر تقويضًا قد يمس باستمرار التهدئة وجهود وقف إطلاق النار.

قيمة رمزية 

وينظر اللاجئون الفلسطينيون إلى (الأونروا) كقيمة رمزية ترتبط وثيقًا بحق العودة المنصوص عليه في قرار الجمعية العامة رقم 302.

وقال خالد شقورة (42 عامًا) وهو لاجئ من مدينة المجدل الفلسطينية ويقطن في معسكر الشاطئ بمدينة غزة: "إن وقف عمل الأونروا سيحُل كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، لأنها تأخذ قيمتها من ارتباطها بعودتنا لمدننا وقرانا الأصلية، وهو ما لا ترغب إسرائيل بتحقيقه عبر مشاريع التهجير المسمومة وإسقاط حق العودة".

وأضاف شقورة: السكان جميعهم لاجئهم ومواطنهم بعد الحرب باتوا يعتمدون على مساعدات الأونروا في توفير مصادر رزقهم".

شقورة الذي نزح من معسكر الشاطئ لأكثر من عام بسبب أوامر الإخلاء الإسرائيلية خلال حرب الإبادة الجماعية، ثم عاد إليه في 27 يناير الجاري، وجد منزله وقد سُويّ تمامًا بالأرض ويعيش حاليًا داخل خيمة نصبها بجانب أنقاض منزله.

وقال شقورة لـ"جسور بوست"، إن طواقم الأونروا تعمل داخل المخيم ضمن العيادات الطبية، ويقوم موظفوها على توفير الدواء لكل السكان مجانًا، وهي الجهة التي تشرف أيضًا بشكل أساسي على خدمات النظافة وإمدادات المياه  وإزالة الركام لفتح الطرقات، وتوقف هذه الخدمات يعني توقف الحياة دون أدنى شك".

ومع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، لم يعد شقورة يخشى من الموت المفاجئ، لكن أكثر ما يقلقه بحسب ما يقول هو "استعادة الحياة والبدء بإزالة الركام وإعادة الإعمار، وتوفير متطلبات التعافي التي يستند عليها السكان والفئات المهمشة والفقيرة، على المساعدات الأممية وبخاصة الأونروا".

لا بديل عن الأونروا

وفي ما يخص قرار الحظر الإسرائيلي، تقول حمدان لـ"جسور بوست": "إنّ قرار الحظر هو غاية في الخطورة وهو يتعارض مع الالتزامات المتعلقة بالقانون الدولي للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما فيها إسرائيل التي يجب أن تلتزم بهذه الاتفاقيات".

وأضافت حمدان: "مباني الأمم المتحدة تتمتع بالحصانة وبالامتيازات بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وادعاءات الاحتلال بأن الأونروا ليس لها الحق في شَغْل المباني ليس لها أساس من الصحة، وهو خطاب يروّج لمعاداة ضد الأونروا ويُعرّض مرافقها وموظفيها للخطر".

وحول ما يشاع بوجود نوايا لاستبدال (الأونروا)، ذكرت المديرة بالوكالة، أنّ التصريحات التي صدرت عن الأمم المتحدة كلها تنص على عدم وجود نية لاستبدال منظمة بأخرى، وأكدت أهمية ودور الأونروا وأنها العمود الفقري لكل العمليات الإنسانية في مناطق عملها الخمس بما في ذلك القدس الشرقية".

وطالبت حمدان بضرورة اتخاذ الإجراءات والتدابير المناسبة بما يتفق مع الالتزامات الخاصة بالقانون الدولي لضمان احترام وحماية ممتلكات الأونروا ومنشآتها.

عُزلة دولية

بدوره، أكد رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني صلاح عبدالعاطي، أنّ قرار إسرائيل بهذا الخصوص غير مشروع وعنصري، وهو يأتي لتعميق الكارثة الإنسانية للاجئين الفلسطينيين.

وقال عبدالعاطي لـ"جسور بوست": "قرار الحظر يأتي على خلاف القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة التي شكّلت وكالة الغوث وهي من تمنحها صلاحية الاستمرار".

وأضاف الحقوقي الفلسطيني أنّ قرار الحظر كان لا بد من مواجهته عبر تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة وصولاً إلى طردها.

وحذّر رئيس الهيئة من التداعيات الكارثية على الواقع الإنساني في قطاع غزة، بما يشمل حالة التهدئة المرتكزة على تفعيل القطاعات الحيوية وإعادة الإعمار والبدء في مرحلة التعافي.

ولفت عبدالعاطي إلى أنّ تطبيق القرار سيأتي على حقوق اللاجئين في قطاع غزة والضفة الغربية، وسيعمق حالة المأساة الإنسانية ويضاعفها، معتبرًا أن لجم التغوّل الإسرائيلي بحق الأونروا واجبٌ قانوني وأخلاقي.

وطالب الحقوقي الفلسطيني كافة هيئات ومؤسسات المجتمع الدولي بضرورة الضغط لوقف مفاعيل هذا القانون، وفرض عقوبات ومقاطعة لدولة الاحتلال.

ودعا إلى إحالة ملف الجرائم المرتكبة بحق الوكالة الأممية، بما يشمل مقتل 268 من موظفيها وتدمير 315 من مقراتها والادعاءات الكاذبة وحملات الشيطنة للمحاسبة الدولية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية