الأخوة الإنسانية في مواجهة خطاب الكراهية.. معركة عالمية من أجل التعايش
الأخوة الإنسانية في مواجهة خطاب الكراهية.. معركة عالمية من أجل التعايش
في الوقت الذي يتزايد فيه الحديث عن الأخوة الإنسانية كقيمة عالمية يجب أن تسود، نشهد في المقابل تزايدًا غير مسبوق في خطاب الكراهية، الذي أصبح يشكل تهديدًا خطيرًا على أسس التعايش السلمي بين الشعوب.
في السنوات الأخيرة، أصبح هذا الخطاب جزءًا من الخطاب السياسي السائد في بعض الدول، مما يضع العالم أمام تحدٍ بالغ الصعوبة.. كيف يمكن مواجهة هذا التصعيد المروع من مشاعر الكراهية والانقسام التي تهدد النسيج الاجتماعي؟
وفي ضوء هذا التحدي، تبرز أهمية مبادئ الأخوة الإنسانية، التي تهدف إلى تعزيز الاحترام المتبادل والتفاهم بين الأفراد والجماعات عبر مختلف الأديان والثقافات، بعيدًا عن الانقسامات الدينية والعرقية.
منذ أن أقرّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2020 اليوم الدولي للأخوة الإنسانية، الذي يُحتفل به في الرابع من فبراير من كل عام، أصبح هذا اليوم بمثابة فرصة لإعادة التأكيد على القيم التي تجمع الإنسانية بأسرها في ظل ظروف صعبة يعيشها العالم اليوم، حيث تتزايد التوترات العرقية والدينية والصراعات السياسية، فإن هذا اليوم يمثل دعوة للأمل والعمل من أجل غدٍ أفضل وأكثر شمولية، وما يعزز من أهمية هذه المبادرة هو أنها تركز على تحقيق التفاهم بين الأديان والثقافات، وتجسيد مبادئ التسامح واحترام حقوق الإنسان في مواجهة التحديات التي تزداد تعقيدًا.
مع تنامي الشعبوية والتطرف، أصبح خطاب الكراهية سمةً من سمات الخطاب السياسي والإعلامي في بعض الأوساط، خاصة في الغرب وفي بعض دول الشرق الأوسط، وتشير البيانات الصادرة عن منظمة "مؤشر الكراهية العالمي" إلى أن خطابات الكراهية ارتفعت بنسبة 35% في السنوات الخمس الأخيرة، مما يعكس تزايد العنف اللفظي والتحريض على العنصرية والتعصب الديني.
ووفقًا لتقرير "المجلس الأوروبي" لعام 2023، زادت الهجمات المرتبطة بخطاب الكراهية في دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بنسبة 25% في العامين الماضيين، وفي هذا السياق، لم تعد هذه الظاهرة محصورة في الفضاءات الرقمية فحسب، بل تسللت إلى الشوارع والساحات العامة في العديد من البلدان، وأصبحت تؤثر بشكل مباشر على علاقات الأفراد داخل المجتمعات نفسها.
تعليم القيم الإنسانية
تُظهر الدراسات أن المدارس التي تعزز من التعليم النقدي وتهتم بتعليم القيم الإنسانية المشتركة بين الأديان والثقافات تساهم بشكل كبير في بناء جيل قادر على مواجهة خطاب الكراهية، حيث أظهرت دراسة أجراها "معهد دراسات الشرق الأوسط" في 2021 أن المدارس التي تروج لفهم الثقافات المختلفة ونشر التسامح بين الطلاب تؤدي إلى خفض نسبة التصرفات العدوانية والعنصرية بنسبة تصل إلى 40% وهذه النتائج تشير إلى أهمية التعليم في بناء أسس التعايش السلمي وتعزيز الأخوة الإنسانية بين الأفراد من مختلف الأعراق والديانات.
ولا تقتصر مسؤولية مواجهة خطاب الكراهية على المؤسسات الدينية والسياسية والثقافية فحسب، بل على الأفراد أيضًا، في العصر الرقمي الذي نعيشه، أصبح كل فرد قادرًا على المساهمة في نشر الوعي والتصدي لخطاب الكراهية من خلال منصات التواصل الاجتماعي.
وأظهرت بعض المبادرات المجتمعية في دول مثل الهند وكندا كيف يمكن لجموع المواطنين، عبر حملات تضامنية على الإنترنت، أن تروج لخطاب إيجابي يعزز من الأخوة الإنسانية ويحارب التفرقة والعنف، وتظهر البيانات الصادرة عن "منظمة العفو الدولية" أن حملات التضامن عبر الإنترنت ساعدت في تقليص خطاب الكراهية في بعض المواقع الإلكترونية بنسبة 30% في الدول التي شهدت مشاركات شعبية واسعة.
الأخوة الإنسانية في مواجهة الكراهية
وقالت خبيرة حقوق الإنسان اليمنية، حورية مشهور، إن الحديث عن "الأخوة الإنسانية" أكثر من مجرد دعوة نظرية، وباتت هذه القيمة بمثابة عنصر حيوي في محاولة معالجة التحديات الكبرى التي تواجه الإنسانية، وفي مقدمتها تصاعد خطاب الكراهية الذي يشكل تهديدًا جسيمًا على العلاقات الإنسانية والتعايش السلمي بين الشعوب، وهناك نقطة حرجة في هذا السياق وهي أن تصاعد الكراهية ليس فقط ظاهرة سياسية أو اجتماعية، بل هو انتهاك صريح لمبادئ حقوق الإنسان الأساسية التي تضمن لكل فرد حقه في العيش بسلام وكرامة دون تمييز أو تحريض ضده.
وتابعت “مشهور”، في تصريحات لـ"جسور بوست"، يُعتبر خطاب الكراهية انتهاكًا لتلك الحقوق، إذ يهدد الأمن الاجتماعي ويؤدي إلى تمزيق نسيج المجتمعات من خلال خلق انقسامات عميقة بين الأفراد والجماعات على أسس دينية أو عرقية أو ثقافية، وتتعارض مثل هذه الممارسات مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبشكل خاص مع المادة 1 التي تنص على أن "جميع الناس يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق"، ولا يمكن للفرد أو الجماعة أن تكون محط استهداف لمجرد هويتها الدينية أو العرقية، بل إن حقها في أن تعيش بسلام وبكرامة يجب أن يكون محميًا من كافة أشكال الكراهية والعنف.
واسترسلت، ينبغي النظر في دور المؤسسات الدينية. في العديد من الأوقات، فقد أسهمت بعض الخطابات الدينية المتشددة في تعزيز الانقسامات بين مختلف الأديان والمجتمعات، لذلك، ينبغي أن تكون المؤسسات الدينية في طليعة الدعوة للأخوة الإنسانية، كونها قادرة على التأثير بشكل مباشر في توجيه السلوك الفردي والجماعي نحو قيم التسامح والتعايش السلمي. للأسف، في بعض الحالات، كانت المنابر الدينية هي نفسها مصدرًا للتأجيج والتحريض، وهو ما يجعل المهمة أصعب، ويمكن لهذه المؤسسات أن تلعب دورًا محوريًا في التصدي لخطاب الكراهية.
وأوضحت، أن المؤسسات التعليمية تعتبر واحدة من أهم الأدوات في مواجهة خطاب الكراهية، وأنه لا يمكن بناء مجتمع خالٍ من الكراهية إلا إذا تم استثمار الموارد في تعزيز القيم الإنسانية من خلال التعليم، بدءًا من المراحل الأولى وحتى التعليم الجامعي. إن تعزيز التربية الإعلامية والتفكير النقدي من أهم الأساليب التي يمكن أن تحول دون نشر خطابات الكراهية في المجتمعات، لذا من الضروري تعليم الشباب كيفية التمييز بين المعلومات الحقيقية والمعلومات المضللة، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مصدرًا رئيسيًا لنشر خطاب الكراهية الذي يُبث تحت غطاء "حرية التعبير". انعدام التعليم الإعلامي يترك مساحة واسعة للأخبار الزائفة والمعلومات المضللة، مما يجعل الأفراد عرضة للاستجابة العاطفية والاندفاعية التي تعزز من الانقسامات.
وفي ما يتعلق بالدور السياسي، قالت: يجب على الحكومات أن تتحمل مسؤوليتها في فرض قوانين تجرم خطاب الكراهية، وأن تضمن تطبيق هذه القوانين بشكل فعّال، ليس من المقبول أن تظل بعض الحكومات تتغاضى عن هذه الظاهرة، بل إن تلك الحكومات تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية في حماية أفراد المجتمع من أي شكل من أشكال التمييز أو العنف، لكن، من الضروري أيضًا أن يتم احترام حرية التعبير كحق أساسي، فالقوانين يجب أن توازن بين حماية المجتمع من خطاب الكراهية وبين حماية حقوق الأفراد في التعبير عن آرائهم بشكل قانوني وآمن.
وشددت “مشهور”، على أنه ورغم كل هذه الجهود، فإن الأمل يكمن في الشعوب نفسها، وفي قدرة الأفراد على التأثير في تغيير المجتمعات نحو الأفضل. قوة المجتمع في تنوعه، وهذه هي القيمة التي لا يجب التفريط فيها، وفي مواجهة خطابات الكراهية، لا بد من تعزيز مشاعر التضامن والتآزر بين الأفراد، ورفض أي خطاب يسعى إلى زرع بذور الكراهية أو التفرقة. في هذا السياق، يمكننا أن نتذكر تلك المبادئ الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تضمن "حق كل شخص في التمتع بالحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز".
وأتمت، يمكن القول إن التصدي لخطاب الكراهية يتطلب تغييرًا جذريًا في العقلية الاجتماعية والثقافية، ليس فقط من خلال التشريعات والقوانين، بل من خلال تكريس ثقافة السلام والاحترام المتبادل. إن الأخوة الإنسانية هي جوهر حقوق الإنسان، وهي القاعدة التي يجب أن تنبني عليها كافة الجهود لمكافحة الكراهية، ولتحقيق عالم يسوده العدل والمساواة بين جميع الناس.
الأخوة ضد خطاب الكراهية
وقالت الحقوقية اليمنية، سونيا صلاح، إن هذا الخطاب أصبح سمة بارزة في كثير من المجتمعات، ما يهدد ليس فقط استقرار هذه المجتمعات، بل أيضًا يعيق أي محاولة لتحقيق التعايش السلمي بين الأفراد والجماعات، ومع تصاعد هذا الخطاب، ينشأ توتر اجتماعي يؤدي إلى تقسيم المجتمعات، بل وخلق بيئة من العنف الاجتماعي الذي يعكس في تأثيراته بعيدة الأمد تهديدًا للأخوة الإنسانية كقيمة رئيسية في الحياة المجتمعية. خطاب الكراهية ليس مجرد كلمات أو شعارات تثار في لحظات معينة، بل هو أيديولوجية تقود إلى تصعيد العنف والتمييز، وتنشر سمومًا من الإقصاء ضد الآخر.
وتابعت سونيا صلاح، في تصريحات لـ"جسور بوست"، التأثيرات النفسية لهذه الظاهرة تبدأ من الفرد وتنتهي إلى المجتمع بأسره، فعلى المستوى الفردي، يؤدي هذا الخطاب إلى تشويه صورة الذات والمجتمع، حيث يعزز مشاعر الخوف والعزلة في نفوس الأفراد الذين يصبحون ضحايا له، ويشعرون بتهديد دائم لوجودهم وهويتهم، وهذا التهديد يولد ردود فعل نفسية قد تتمثل في الحزن العميق، أو القلق المستمر، أو حتى الهروب من الحياة الاجتماعية لتفادي الصراع، مما يخلق دوائر مفرغة من التوتر والخوف تساهم في خلق أفراد أقل قدرة على التفاعل الاجتماعي السليم.
وأشارت إلى أن خطاب الكراهية يؤدي إلى انتشار الفجوات الثقافية والاجتماعية بين الأفراد والجماعات، ويتولد من هذا الفصل تصورات مشوهة ومتطرفة حول الهويات المختلفة، ما يعمق الانقسام المجتمعي ويعزز حواجز العنصرية والتمييز بين الأفراد، ويعكس هذا في النهاية انعدام الثقة بين فئات المجتمع ويؤدي إلى تآكل النسيج الاجتماعي، بينما يُفترض أن تكون المجتمعات مكانًا للحوار المشترك والاحترام المتبادل، فإن خطاب الكراهية يعصف بهذه المبادئ ويقيد أي فرصة لبناء مجتمعات تسود فيها العدالة والمساواة، ومن جانب آخر، لا يمكن تجاهل الدور الخطير الذي يلعبه هذا الخطاب في التأثير على استقرار المجتمعات، فعندما يتم تدمير الروابط الاجتماعية والتواصل بين الأفراد، يصبح المجتمع عرضة لانهيار قيم التفاهم والتسامح.
وأوضحت، أن خطاب الكراهية غالبًا ما يُستخدم في الحياة السياسية لأغراض دعائية، مما يساهم في تعزيز شعبويات خطيرة تضعف من فاعلية الأنظمة الديمقراطية، وتزيد من شدة الاستقطاب في المجتمع، ومواجهة هذه التحديات تتطلب عملًا جماعيًا ومؤسسيًا على مستويات متعددة. من الضروري تبني سياسات تعليمية وإعلامية تشجع على الحوار والتفاهم بدلاً من نشر الكراهية، فالتربية الإعلامية التي تعزز التفكير النقدي وتعلم الأفراد كيفية التعامل مع المعلومات المغلوطة قد تكون من الأدوات الفعالة في تفكيك هذا الخطاب.
وأكدت أنه لا بد من أن يكون هناك دور فعال للمجتمع المدني في التصدي لهذا الخطاب، من خلال مبادرات مجتمعية تروج لثقافة السلام، وتنشر وعيًا حول آثار الكراهية على التماسك الاجتماعي، ومع تعزيز دور الأفراد والجماعات في نشر الوعي والعمل المجتمعي، يصبح بإمكاننا بناء مجتمعات أكثر شمولًا وأقل عرضة للتطرف، وتصاعد خطاب الكراهية لا يعد تهديدًا للسلام المجتمعي فحسب، بل هو أيضًا اختبار حقيقي لمدى قدرة المجتمعات على التعايش والتفاهم في عالم متعدد الثقافات والهويات.