"لن نترك غزة".. ابنة أنس الشريف تسجل رسالة للعالم قبل استشهاد والدها
"لن نترك غزة".. ابنة أنس الشريف تسجل رسالة للعالم قبل استشهاد والدها
لم يكن مقطع الفيديو الذي جمع الصحفي الفلسطيني أنس الشريف بابنته شام سوى لحظة عائلية دافئة وسط جحيم الحرب، لكنه تحوّل اليوم إلى شهادة على إرادة الصمود التي ورثها الأب لابنته.
ظهر الشريف في الفيديو الذي انتشر، اليوم الاثنين، على “إكس”، مبتسمًا وهو يمازح ابنته الصغيرة: "ترامب بيقول إنو بدو يطلعنا من غزة، إنتي بدك نطلع من غزة؟"، فأجابته شام بعفوية وإصرار: "لا، بضلني في غزة"، ثم أضافت بصوت طفولي واثق: "أنا بضلني في الدار هذه، مش طالعة بالمرة.. إحنا مش طالعين، صامدين هان".
لكن مساء الأحد، غابت تلك الابتسامة، بعدما استهدفت غارة إسرائيلية خيمة للصحفيين قرب مستشفى الشفاء في مدينة غزة، لتغتال الشريف وزميله محمد قريقع، وتكتب فصلًا جديدًا في سجل الانتهاكات الإسرائيلية بحق الصحفيين.
استهداف مباشر
جيش الاحتلال أقرّ باستهداف أنس الشريف، زاعمًا أنه "إرهابي تنكر بزي صحفي"، وادّعى أنه قائد خلية في حركة حماس، وهي اتهامات نفاها الشريف مرارًا في حياته، مؤكدًا أنه يعمل صحفياً مهمته نقل الحقيقة دون تحيز.
في يوليو الماضي، كتب عبر منصة "إكس": "قول الحقيقة في وقت تعاني فيه غزة مجاعة قاتلة، أصبح بنظر الاحتلال تهديدًا".
عرف المشاهدون أنس الشريف بصفته مراسلاً ميدانياً في شبكة الجزيرة، لم يغادر قطاع غزة رغم تهديدات الاحتلال المباشرة له، وواصل تغطيته مشاهد القصف والتجويع، كاشفًا للعالم ما يجري في الأزقة والمستشفيات ومخيمات النزوح.
كان صوته حادًا أمام الكاميرا، لكنه في بيته كان أبًا حنونًا يزرع في ابنته الصغيرة حب الأرض والانتماء.
جريمة ضد الصحافة
اغتيال الشريف وقريقع يضيف اسميهما إلى قائمة طويلة من الصحفيين الفلسطينيين الذين قُتلوا منذ بدء الحرب على غزة، في حين وصفته منظمات دولية بأنه "هجوم ممنهج على الإعلام" يهدف لإسكات الشهود.
وفق تقارير حقوقية، فإن استهداف الصحفيين في مناطق النزاع يشكل انتهاكًا صارخًا لاتفاقيات جنيف التي تحمي المدنيين والعاملين في المجال الإعلامي.
اليوم، تبقى كلمات شام الصغيرة “إحنا مش طالعين، صامدين هان” رمزًا لصوت غزة الذي لا ينكسر، قد ترحل الأجساد، لكن الرسالة التي حملها أنس الشريف في تقاريره، وفي حديثه مع ابنته، ستظل وثيقة إنسانية شاهدة على أن الكاميرا كانت سلاحه، والحقيقة كانت موقفه الأخير.