أبرزها تراجع النفوذ الأمريكي.. خسائر بالجملة جراء انسحاب ترامب من مجلس حقوق الإنسان
أبرزها تراجع النفوذ الأمريكي.. خسائر بالجملة جراء انسحاب ترامب من مجلس حقوق الإنسان
بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرارا بانسحاب بلاده من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بسبب ما اعتبره "انحياز مواقفه" ليعبث في صورة الولايات المتحدة بوصفها "قلعة الحريات وحقوق الإنسان" بالعالم.
ووقّع ترامب مرسوما رئاسيا، الثلاثاء، يقضي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تزامنا مع وقف الأمر التنفيذي بشأن تمويل الولايات المتحدة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).
وفي يونيو 2009، انضمت الولايات المتحدة رسميا إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (تأسس عام 2006)، فيما تقدم الأونروا مساعدات للاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية، ما يشمل القدس الشرقية منذ عام 1950.
وأعلن ترامب هذا القرار في اليوم نفسه الذي التقى فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي انتقدت بلاده بشكل مستمر كلاً من مجلس حقوق الإنسان والأونروا بسبب التحيز المزعوم ضد إسرائيل، ووصف مجلس حقوق الإنسان الأممي في مؤتمر صحفي معه بأنه "معاد للسامية".
انسحاب سابق من عضوية المجلس
وفي الولاية الأولى لترامب (بين عامي 2017 و2021) انسحبت الولايات المتحدة من عضوية مجلس حقوق الإنسان الأممي في يونيو 2018، بعد انتقادات من المشرعين الجمهوريين لآليات عمل المجلس بمزاعم "التحيز ضد إسرائيل".
واستأنفت الولايات المتحدة مشاركتها في أنشطة المجلس في أكتوبر 2021 في عهد إدارة الرئيس السابق جو بايدن، لتستعيد عضويتها بعد غياب دام 3 سنوات آنذاك.
وتأتي قرارات ترامب الأخيرة في إطار سلسلة انسحابات، اتخذها الرئيس الجمهوري منذ توليه منصبه في 20 يناير الماضي، حيث سبق أن أمر بانسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ.
ومجلس حقوق الإنسان هو هيئة حكومية دولية تابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وتضم في عضويتها 47 دولة، ويقع في صميم مهامه "لتعزيز الاحترام العالمي لحقوق الإنسان وحمايتها في جميع أنحاء العالم".
دعم لإسرائيل
ويرى عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي والباحث والمحلل السياسي الدكتور مهدي عفيفي، إن سياسية الرئيس دونالد ترامب تسعى إلى انسحاب بلاده من أية اتفاقات دولية خاصة ما يتعلق بحقوق الإنسان.
وعزا عفيفي في تصريح لـ"جسور بوست" أسباب ذلك إلى علم ترامب أن سيواجه بانتقادات حقوقية من المجلس بسبب "الدعم الأعمى" لإسرائيل، لافتا إلى أن قرار جاء متزامنا مع دعوته لتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم وخلال زيارة نتنياهو ومساعيه لدعم التمدد الإسرائيلي في فلسطين رغم الرفض العربي والدولي.
ويعتقد الحقوقي والمحامي المصري رضا الدنبوقي، أن "قرار ترامب سيؤثر على مصداقية الولايات المتحدة كداعم لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، كما سيؤثر على قدرة المجلس على التعامل مع القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، خاصة في ما يتعلق بالدول التي تتلقى دعما من الولايات المتحدة".
وأضاف الدنبوقي، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن "انسحاب الولايات المتحدة أثر على توازن القوى داخل المجلس، ما أتاح فرصة للدول الأخرى لزيادة تأثيرها، وقد أدى هذا القرار أيضًا إلى تقليل تأثير الولايات المتحدة في مجال حقوق الإنسان، مما أثر على قدرتها على التأثير على السياسات المتعلقة بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم".
وأشار إلى أنه "من الناحية السياسية، يمكن اعتبار انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان بمثابة إشارة إلى أن الولايات المتحدة لا تعتبر نفسها ملزمة بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وقد يؤدي هذا القرار إلى زيادة الشكوك حول التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان، خاصة في ما يتعلق بقضايا مثل حقوق الفلسطينيين".
ولفت رضا الدنبوقي إلى أن الانسحاب هو الثاني بعد انسحاب مماثل في 2018، بحسب ما نشرته الخارجية الأمريكية في 19 يونيو من العام ذاته، وتأكيد الأمم المتحدة ذلك الأمر في اليوم التالي.
وأكد الحقوقي المصري أنه "يمكن القول إن انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان كان وسيكون له تأثيرات كبيرة على السياسات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأثر على مصداقية الولايات المتحدة كداعم لحقوق الإنسان".
حزمة خسائر
بدوره، قال الباحث والمحلل السياسي اللبناني طارق أبو زينب، إن إعلان الولايات المتحدة انسحابها من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، هو إجراء مبرر بما وصفته بالتحيز المزمن ضد إسرائيل ووجود دول ذات سجل سيئ في حقوق الإنسان داخل المجلس.
وأضاف أبو زينب في تصريح لـ"جسور بوست: "واشنطن ترى أن المجلس يركز بشكل غير متوازن على إسرائيل، حيث يتبنى قرارات متكررة تدين سياساتها، بينما تتجاهل انتهاكات دول أخرى"، كما انتقدت الإدارة الأمريكية عضوية دول مثل إيران والصين وفنزويلا، معتبرة أن "ذلك يقوض مصداقية المجلس ويجعله أداة سياسية بدلاً من كونه منصة حقيقية للدفاع عن حقوق الإنسان".
وبحسب الخبير اللبناني فإن هذا القرار جاء أيضًا في سياق توجه إدارة ترامب إلى تقليص التزامات الولايات المتحدة تجاه المنظمات الدولية التي ترى أنها غير فعالة أو منحازة، وذلك ضمن سياسة "أمريكا أولاً" التي تسعى إلى الحد من القيود الدولية على واشنطن.
ولفت أبو زينب إلى أن انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان، ما يعكس رغبتها في تجنب أي التزامات قد تفرض عليها ضغوطًا سياسية داخلية وخارجية، خاصة في ظل تصاعد الانتقادات الموجهة إليها بشأن قضايا الهجرة والعنصرية.
وتابع: "رغم أن القرار قد يعزز موقف إسرائيل دبلوماسيًا ويحد من تأثير القرارات الأممية ضدها، فإنه يحمل تداعيات سلبية على عدة مستويات، إذ يقلل الانسحاب من قدرة واشنطن على التأثير في القضايا الحقوقية عالميًا، مما يمنح دولًا مثل الصين وروسيا فرصة لملء الفراغ وتعزيز نفوذها داخل المجلس".
كما أن تعليق التمويل الأمريكي للأونروا، الذي جاء بالتوازي مع الانسحاب، قد يؤدي إلى تدهور الخدمات المقدمة لملايين اللاجئين الفلسطينيين، مما يزيد من حدة الأزمة الإنسانية في المنطقة.
التأثير على الشرق الأوسط
وبشأن انعكاسات القرار على الشرق الأوسط، قال طارق أبو زينب إن هذا القرار يؤثر على علاقات الولايات المتحدة بحلفائها الأوروبيين والعرب، حيث يثير تساؤلات حول مدى التزامها بالقضايا الحقوقية، في وقت تعتمد فيه العديد من الدول على الضغط الأمريكي لمواجهة الانتهاكات في العالم.
وإقليمياً، قال: "قد يسهم الانسحاب في زيادة التوترات في الشرق الأوسط، خاصة مع الفلسطينيين، الذين يعتبرون مجلس حقوق الإنسان إحدى السبل الدبلوماسية القليلة لمساءلة إسرائيل دوليًا.. إن قرار ترامب قد يمنح بعض الحكومات في المنطقة مساحة أكبر لممارسة الانتهاكات دون الخوف من رقابة دولية قوية، ما قد يؤدي إلى تراجع الاهتمام العالمي بحقوق الإنسان في الشرق الأوسط".
وعلاوة على ذلك، فإن خروج واشنطن من المجلس قد يسمح لدول أخرى بتعزيز نفوذها في المؤسسات الدولية، ما قد يؤدي إلى تغير موازين القوى داخل المنظمات الحقوقية، ويؤثر على طبيعة القرارات المتخذة مستقبليًا بشأن قضايا حقوق الإنسان في المنطقة والعالم، وفق أبو زينب.
ويرى المحلل السياسي اللبناني أن انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان يعكس استراتيجية إدارة ترامب في تقليص التزاماتها الدولية، مشيرا إلى أنه قرار يحمل رسائل سياسية واضحة لحلفائها وخصومها على حد سواء.
وبينما قد يحقق قرار مكاسب سياسية قصيرة وبعيدة المدى لإسرائيل، فإنه يضعف الدور الأمريكي في الدفاع عن الديمقراطية ويمنح خصومها فرصة لإعادة تشكيل المشهد الحقوقي العالمي وفقًا لمصالحهم.