مع اقتراب الـ100 يوم.. مخاوف من تراجع حقوق الإنسان في سوريا بعد صعود الشرع
مع اقتراب الـ100 يوم.. مخاوف من تراجع حقوق الإنسان في سوريا بعد صعود الشرع
يقترب صعود رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع، من إتمام 100 يوم، شهد خلالها ملف حقوق الإنسان أحاديث متوالية عن إيجابيات مقابل مخاوف واسعة بين السوريين، بعد عقود من الاستبداد والاختفاء القسري والقتل والتدهور الاقتصادي.
وبحسب حقوقيين ونشطاء تحدثوا لـ"جسور بوست"، فإن هناك إيجابيات محددة في الملف الحقوقي منذ وصول الشرع، وهي حق التجمع والتواجد الإعلامي والخطاب، مقابل مخاوف واسعة تتمثل في استمرار انتهاكات بعض الفصائل واستمرار جرائم الخطف وعدم الاستقرار الأمني وعدم قدرة مواطنين على الوفاء باحتياجاتهم المعيشية اليومية، وتواصل هيمنة لون واحد على مؤسسات عديدة خاصة القضاء، وعدم القدرة على تحقيق عدالة بشأن حقوق المختفين قسريا أو المظلومين.
وعلى مستوى المعيشية، تتحدث تقارير صحفية غير رسمية عن تحسن سعر صرف الليرة السورية بصورة لافتة منذ سقوط نظام بشار الأسد، من مستوى 28 ألفا في أواخر عمر نظام البعث إلى ما دون 10 آلاف ليرة في السوق الموازية، غير أن الواقع يحمل شكاوى من عدم استطاعة الوفاء بالاحتياجات المعيشية اليومية.
وعقب إسقاط نظام حكم بشار الأسد، أكدت “القيادة العامة”، التي كان يترأسها الشرع حماية الحريات وتعزيز الشفافية، ضمن إطار التوجه نحو بناء “سوريا جديدة” تسع الجميع، معلنة منعًا باتًا التعرض للإعلاميين العاملين في وسائل الإعلام الرسمية أو على منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدة أن توجيه أي تهديد لهم يعاقب بالحبس لمدة سنة كاملة.
وأكدت القيادة على احترام الحرية الشخصية، مشيرة إلى منع التدخل في لباس النساء أو فرض أي طلب يتعلق بمظهرهن.
وفي مؤتمر صحفي في دمشق، منتصف يناير الماضي، قال المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، إن زيارته إلى سوريا تعد سابقة تاريخية إذ لم يسبق أن قام بالزيارة أي مفوض سامٍ لحقوق الإنسان، حيث ناقش مع الشرع الفرص والتحديات أمام سوريا الجديدة.
وشدد المفوض السامي على ضرورة ترسيخ حقوق الإنسان في كل العمليات، كي يتمكن الجميع من العيش أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، بحسب بيان أممي وقتها.
نقلة محددة
قال المحامي والناشط السوري، أنس جودة: إن هناك 4 مداخل أساسية يمكن أن نرصد بها واقع الوضع الحقوقي بسوريا عبر ملفات الأمن الاجتماعي والعدالة والقضاء والحريات العامة وحق العمل والاقتصاد.
وأوضح جودة في تصريحات لـ"جسور بوست" أنه "في ملف الأمن المجتمعي والمحلي هناك مساحة كبيرة من الانتهاكات، لا سيما من الفصائل المنفلتة أو التصرفات الفردية كما يقول في الساحل والوسطى وأحياء حول دمشق وترد السلطات بأنها إجراءات فردية وتعتذر لكن هذا كاشف عن عدم وجود إطار أمني واضح يحقق احتياجات الناس وهناك رغبة بإجراءات سريعة في هذا الصدد".
وأشار إلى أن "الانتهاكات التي طالت العديد سابقا بعهد الأسد تعد ملفا معقدا وهناك خطر أن تطيع الوثائق نتيجة التخريب وعدم استقرار الوضع الأمن، بخلاف سيطرة لون واحد على مؤسسات القضاء وتساؤلات حول قدرة هذا اللون على التوثيق لكل الانتهاكات التي لم يكن النظام فيها المدان وحده ولكن هناك مجموعات مسلحة أيضا".
وتطرق المحامي السوري، أنس جودة، إلى نقطة إيجابية في الملف الحقوقي، قائلا: "هناك مساحة كبيرة هائلة في ملف الحريات لم يكن يعرفها السوريون سابقا مثل حرية التجمع والخطاب وتواجد الإعلامي الدولي وهذا نقلة تاريخية وإيجابية في هذا الموضوع، وهناك تبادل أحاديث في الشأن العام واحتجاجات".
وأضاف: "هذه إحدى أكبر إيجابيات اليوم والتي نعول على تعظيمها من جانب المجتمع المدني خاصة وهناك تجاوب من السلطات لملفات يطرحها الشارع وهذه مساحة إيجابية يجب الحفاظ عليها".
ويعود جودة لبعض المخاوف، قائلا: "الحديث عن ارتفاع العملة السورية بحسب خبراء اقتصاد هو وهمي ومرحلي لكن الواقع يذكر أن هناك موظفين لا يستطيعون قبض رواتبهم ولا سحب أموالهم، بخلاف تسريح أعداد كبيرة منهم وهذا يحتاج إلى معالجة سريعة لعدم تهديد الوضع الاجتماعي بالبلاد".
مخاوف تزداد
وعن الوضع الحالي بسوريا، قالت الناشطة المدنية السورية، ومديرة العمليات في حركة البناء الوطني تيماء عيسى، إن بلادها "تعاني الآن من وضع معيشي صعب لأغلب السورين وخطير لبعضهم الآخر، على عكس الواقع الاقتصادي الذي يرصد ارتفاعا كبيرا في قيمة الليرة السورية، والسبب الرئيسي في ذلك هو العجز الكبير جداً في السيولة النقدية أدت إلى أزمات كبيرة في التعاملات اليومية، هناك رواتب متأخرة لم تصل إلى مستحقيها من العاملين حتى الآن، وهناك أيضاً استعصاء شديد في عمليات السحب لأي إيداع نقدي بالبنوك الحكومية والخاصة مما ولد موجة عطالة مالية عالية".
وقالت الناشطة السورية تيماء عيسى، لـ"جسور بوست"، إنه "رغم انخفاض أسعار معظم السلع والذي ترافق مع ارتفاع تكاليف المواصلات العامة وسعر الخبز الذي ارتفع أكثر من 400% وخفض وزنها ما يقارب 180 غرام لربطة الوحدة لا تزال أكثر من نصف العائلات غير قادرة على تأمين قوت يومها وتتجه بالانحدار إلى تحت خط الفقر، خاصة بعد التسريح التعسفي الذي قامت به الحكومة الجديدة وأسفر عن آلاف العائلات السورية فاقدة للدخل بشكل كامل"، مشيرة إلى أنه "مهما كان حجم انخفاض قيمة الشرائية للسلع اليومية فهناك عجز عن شرائها".
وبالنسبة لملف الحقوق والحريات، ترى “عيسى” أن "ما يحدث اليوم في الشارع السوري من إقصاء عنفي للأصوات المغايرة وكتم المطالب وفقاً لهوية المطالبين بها وعدم وجود آلية حماية حكومية لمساحات التعبير عن الرأي وصيانة الحريات هو انتهاك عالٍ جدا لحدود الحرية الدنيا التي طمح لها السوريون عقب إسقاط النظام الطاغي".
وأوضحت أنه "حتى الآن لا تزال هناك مناطق في سوريا غير آمنة وخطيرة لم يتم ضبط إطارها الأمني فعلاً"، مؤكدة أن "انتشار حوادث الخطف والابتزاز في الشهر المنصرم هو مؤشر عالٍ لفلتان أمني ما لم يتم بسط سيطرة المؤسسات الأمنية الرسمية".
وترصد مديرة العمليات في حركة البناء الوطني أنه "خلال أيام قليلة ماضية تم اختطاف العديد من السوريين في مناطق مختلفة نصفهم من النساء ليتم ابتزاز العائلات وطلب مبالغ خيالية للفدية، وقد تم العثور على عدد عالٍ من جثث سوريين تم اختطافهم من قبل مجهولين وقتلهم بوحشية".
وأشارت إلى وقائع منها "العثور على جثث سيدتين مقتولتين في محافظة حمص عقب اختطاف إحداهما وطلب فدية من ذويها وتصويرها وهي تعنف والتي لم يشفع لها كونها امرأة حاملاً ليتم تصفيتها هي وسيدة أخرى ورميهما في عرض الطريق"، لافتة إلى أن "آخر الحوادث ومن أشدها إجراماً هو العثور على جثث عائلة مكونة من أب بسيط وأم مدرسة وشاب في بداية العشرينيات من عمرهم مذبوحين في أحد مناطق مصياف في محافظة حماة".
واستنكرت "عدم وجود أي توّجه حكومي حتى الآن لتحري عن هذه القضايا ومحاسبة المجرمين للحد من هذا الانتشار لهذه الظاهرة الدموية".
وتعتقد الناشطة السورية، تيماء عيسى أن "الحديث اليوم عن الحريات لا يزال مبكر في ظل الواقع الأمني المتردد الذي تمر فيه المناطق السورية البعيدة عن مركز المدينة دمشق، بالإضافة إلى واقع معيشي لن يفضي إلا إلى توليد موجات عنف وإجراء جديدة لعدم تقديم البدائل الاقتصادية لعوائل فقدت الدخل".
وقالت إن "آثار عملية تبيض السجون العشوائية التي أسفرت عن إطلاق سراح مجموعة من تجار الممنوعات ومؤسسي شبكات الاستغلال الجنسي وخارجين عن القانون المدني، أي ليس معتقدين رأيي أو معتقدين سياسيين إنما مجرمين جاهزين للانتقام في ظل غياب منظومة قانونية تؤمن الحماية المجتمعية وتضمن الحقوق تحاسب المنتهكين".
وأوضحت أن ذلك "يترافق أيضا مع عدم وضوح لقانون الإعلام الذي يتعاظم دوره في ظل المرحلة الحساسة التي تمر فيها البلاد ويعيق إعلاء الاحتياجات المحلية أولاً وتسليط الضوء على ما يعيق بناء دولة ومؤسسات خدمية يطمح إليها السوريون في سوريا الجديدة".