الحب في قبضة القانون.. كيف تقيّد التشريعات والتقاليد حق المرأة في الاختيار؟

بمناسبة احتفال العالم بعيد الحب في 14 فبراير من كل عام

الحب في قبضة القانون.. كيف تقيّد التشريعات والتقاليد حق المرأة في الاختيار؟
الاحتفال بعيد الحب - أرشيف

يحتفل العالم بعيد الحب، في 14 فبراير من كل عام، هذا اليوم الذي يفترض أن يكون رمزًا للحرية العاطفية والقدرة على اختيار الشريك الذي يختاره القلب والعقل معًا.. ولكن في العديد من المجتمعات، لا يزال الحب مقيدًا بسلاسل القوانين والتقاليد التي تفرض على النساء قيودًا مشددة في التعبير عن مشاعرهن أو اختيار من يشاركن حياتهن. 

وبينما تطورت الكثير من القوانين في العقود الأخيرة لضمان المساواة بين الجنسين، لا تزال هناك فجوة كبيرة بين التشريعات والواقع المعاش، حيث تلعب العادات والموروثات الثقافية دورًا في تكريس التمييز.

تعتبر القوانين المتعلقة بالأحوال الشخصية والزواج من أبرز العوامل التي تؤثر في قدرة المرأة على اختيار شريكها، ففي بعض البلدان، تفرض القوانين وصاية الذكور على قرار الزواج، حيث يتطلب عقد القران موافقة ولي الأمر، حتى لو كانت المرأة راشدة قانونيًا. 

وتشير الإحصائيات إلى أن حوالي 45% من النساء في بعض الدول النامية لا يمكنهن الزواج دون إذن عائلاتهن، وفقًا لتقرير منظمة الأمم المتحدة للمرأة لعام 2023، وعلى الرغم من التحركات الإصلاحية في بعض الدول، فإن الزواج القسري لا يزال منتشرًا في مناطق عديدة، ما يجعل الحب قرارًا مشتركًا بين الأسرة والمجتمع بدلاً من كونه اختيارًا فرديًا.

ويعد الجانب الاقتصادي عاملاً رئيسيًا في هذه المعادلة، حيث تلعب الظروف المالية دورًا محوريًا في قرارات الزواج لدى النساء، ففي المجتمعات التي تعاني من الفقر، غالبًا ما يُنظر إلى الزواج كوسيلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي بدلاً من كونه علاقة قائمة على المشاعر.

وتشير الإحصائيات إلى أن 60% من حالات الزواج القسري تحدث في الأسر ذات الدخل المنخفض، ووفقًا لبيانات البنك الدولي لعام 2022، فإن عدم الاستقلالية المالية يجعل النساء أكثر عرضة للخضوع لضغوط العائلة والمجتمع، ما يقلل من فرصهن في اختيار الشريك المناسب بناءً على الحب والتفاهم.

تشكيل منظور الحب والزواج

وتلعب التقاليد والعادات دورًا محوريًا في تشكيل منظور الحب والزواج داخل المجتمعات المختلفة، في العديد من الثقافات، يُنظر إلى التعبير العلني عن المشاعر من قبل المرأة على أنه أمر مرفوض اجتماعيًا، ما يحد من قدرتها على الانخراط في علاقات رومانسية بحرية، فعلى سبيل المثال، في بعض المجتمعات الريفية، يُعتبر خروج المرأة مع رجل من دون ارتباط رسمي فعلًا غير مقبول، ما يجعل الحب محصورًا في نطاق الزواج التقليدي الذي غالبًا ما يكون مدبرًا.

ووفقًا لتقرير اليونيسف لعام 2023، فإن 12 مليون فتاة تُجبر على الزواج سنويًا قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة، ما يضعف فرصهن في اختيار شريك حياتهن بناءً على مشاعرهن ورغباتهن الشخصية.

ويمثل التعليم عاملًا أساسيًا في تعزيز حرية المرأة في اتخاذ قراراتها العاطفية، حيث تشير الدراسات إلى أن النساء الحاصلات على تعليم عالٍ يكنَّ أكثر قدرة على اختيار شركائهن بحرية، كما أنهن أكثر وعيًا بحقوقهن القانونية والاجتماعية، ووفقًا لإحصائيات منظمة اليونسكو لعام 2023، فإن نسبة الزواج المبكر في صفوف النساء المتعلمات تقل بمعدل 50% مقارنة بالنساء غير المتعلمات، فالتعليم يمنح المرأة أدوات الرفض والتفاوض، ما يقلل من فرص تعرضها لضغوط الزواج القسري أو العلاقات غير المتكافئة.

الحب في زمن التكنولوجيا

وأحدثت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي تحولًا جذريًا في طريقة تعبير النساء عن مشاعرهن واختيار شركائهن، فقد أصبحت تطبيقات المواعدة منصات توفر بدائل للعلاقات التقليدية، خاصة في المجتمعات التي تحد من فرص اللقاءات بين الجنسين، إلا أن هذه الحرية المكتسبة عبر الإنترنت تأتي مع تحديات كبيرة، مثل التحرش الرقمي والرقابة الاجتماعية. 

ووفقًا لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث عام 2023، فإن 70% من النساء اللاتي يستخدمن تطبيقات المواعدة في المجتمعات المحافظة يتعرضن لضغوط مجتمعية تصل إلى التشهير والتهديد بسبب انخراطهن في علاقات عبر الإنترنت.

ويترك القمع العاطفي الذي تتعرض له النساء تأثيرات نفسية واجتماعية عميقة، فالمرأة التي تُمنع من التعبير عن مشاعرها أو يُفرض عليها الزواج من شخص لا تريده تعاني من آثار نفسية قد تمتد لعقود. 

وتشير الدراسات إلى أن النساء اللاتي تعرضن للزواج القسري أكثر عرضة بنسبة 60% للإصابة بالاكتئاب واضطرابات القلق، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، كما أن العلاقات التي تفتقر إلى الرضا العاطفي تؤدي إلى ارتفاع معدلات العنف المنزلي، ما يخلق حلقة مفرغة من الانتهاكات.

ويرى خبراء، أنه في ظل هذه المعطيات، لا يمكن فصل قضايا الحب عن قضايا العدالة والمساواة بين الجنسين، فالحق في الحب يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من حقوق الإنسان، وهو ما يستدعي ضرورة إصلاح القوانين المجحفة، وتعزيز الوعي الاجتماعي، ودعم استقلالية المرأة اقتصاديًا وتعليميًا.

الأعراف الاجتماعية وتقييد حرية المرأة

قالت الناشطة الحقوقية، آية حسين، إن الحب هو أحد أعمق المشاعر الإنسانية، وهو حق جوهري لا ينبغي أن يخضع للقيود غير العادلة التي تفرضها القوانين أو الأعراف الاجتماعية والثقافية، لكن الواقع يكشف عن صورة مختلفة، حيث تواجه المرأة في كثير من المجتمعات عراقيل عديدة في قدرتها على التعبير عن مشاعرها واختيار شريك حياتها بحرية، هذه العراقيل لا تنبع فقط من سلطة القانون، بل تمتد إلى المنظومة الثقافية التي تحدد للأفراد وخاصة النساء كيف يجب أن يحبوا، ومن يحق لهم أن يحبوا، وتحت أي شروط، وفي الوقت الذي يُنظر فيه إلى الحب كمفهوم رومانسي عالمي، فإن الوصول إليه، بالنسبة للمرأة، يظل محكوماً بقواعد غير متكافئة تفرضها التقاليد.

وتابعت آية حسين، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في مادته السادسة عشرة، ينص على أن الزواج يجب أن يتم "برضا الطرفين الكامل"، وهو مبدأ أساسي يهدف إلى ضمان أن أي علاقة زوجية تنشأ بناءً على اختيار حر وموافقة غير مشروطة، لكن في العديد من الدول، لا يزال هذا الحق مُقيداً إما بقوانين تمييزية تحرم المرأة من حقها في اختيار شريكها، أو بأعراف اجتماعية تفرض عليها الخضوع لإرادة الأسرة والمجتمع.

واسترسلت، كما أن بعض القوانين تُجرّم العلاقات خارج إطار الزواج، لكنها غالباً ما تُطبّق بشكل غير عادل ضد المرأة، ففي بعض الدول، قد تتعرض النساء لعقوبات قانونية أو اجتماعية قاسية إذا تم الاشتباه في أنهن دخلن في علاقة لا تباركها العائلة أو المجتمع، في حين يُنظر إلى تصرفات الرجل في السياق ذاته بتساهل أكبر، هذه القوانين لا تقتصر فقط على العقوبات الجنائية، بل تمتد إلى ما يُعرف بـ"جرائم الشرف"، حيث تُرتكب جرائم بشعة ضد النساء بذريعة الدفاع عن الشرف العائلي، في انتهاك صارخ لحق المرأة في الحياة.

وأشارت آية حسين، إلى أن القوانين التمييزية المتعلقة بالزواج والعلاقات العاطفية تُعتبر امتداداً لمنظومة أبوية راسخة تُقيّد قدرة المرأة على اتخاذ قراراتها المصيرية بحرية، فالعديد من الأنظمة القانونية لا تزال تحرم النساء من الحق المتساوي في منح جنسيتهن لأطفالهن، أو تجعل من الطلاق حقاً أسهل للرجال مقارنة بالنساء، ما يزيد من هشاشة وضع المرأة في العلاقات الزوجية ويضعها تحت ضغط اجتماعي واقتصادي يُجبرها على البقاء في علاقات غير متكافئة أو حتى مسيئة.

وقالت إن ضمان المساواة في الحب والاختيار لا يتطلب فقط إصلاح القوانين التمييزية، بل يحتاج إلى تحول جذري في الثقافة الاجتماعية التي تُقيّد المرأة باسم العادات والتقاليد، فالحقوق العاطفية ليست ترفاً، بل هي جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان الأساسية.

التشريعات وحقوق المرأة

قال الخبير القانوني والأكاديمي، فهمي قناوي، إنه في عالم يُفترض أن تحكمه العدالة والمساواة، لا تزال المرأة تواجه قيودًا قانونية واجتماعية تحدّ من قدرتها على التعبير عن مشاعرها واختيار شريك حياتها بحرية ورغم أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 16، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المادة 23، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “السيداو”، تنصّ على الحق في الزواج بحرية كاملة وبموافقة متبادلة، فإن الواقع التشريعي والاجتماعي في العديد من الدول لا يزال يتناقض مع هذه المبادئ.

وتابع قناوي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن التشريعات في بعض الدول تُقنن التمييز ضد المرأة في مسائل الزواج والاختيار، فتفرض موافقة ولي الأمر على زواجها حتى في سن الرشد، بينما لا يخضع الرجل لنفس الشرط، وهو ما يُعد انتهاكًا صريحًا لمبدأ المساواة أمام القانون، كما أن بعض القوانين تستند إلى أعراف وتقاليد ترى في المرأة كيانًا تابعًا لسلطة الأسرة أو القبيلة، ما يُحرمها من اتخاذ قرارات مستقلة بشأن حياتها العاطفية.

واسترسل، تُستخدم قوانين "جرائم الشرف" في بعض البلدان كأداة لقمع حرية المرأة في اختيار شريكها، حيث تعفي بعض القوانين مرتكبي هذه الجرائم من العقوبة أو تخففها في حال ارتكاب الجريمة بدافع "حماية الشرف"، ما يجعل حياة المرأة وسعادتها مرهونة بتقاليد مجحفة لا تستند إلى أي أسس قانونية تحترم كرامة الإنسان، وهذه القوانين تتناقض مع المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تحظر التمييز القائم على النوع الاجتماعي.

وأشار قناوي، إلى أن القانون الدولي لا يكتفي بمجرد التأكيد على الحقوق النظرية، بل يطالب الدول بتعديل قوانينها المحلية لتتوافق مع المعايير الدولية، ومع ذلك، فإن التحفظات التي أبدتها بعض الدول على اتفاقية السيداو، خاصة في المواد المتعلقة بالمساواة في الزواج والأسرة، تعكس مقاومة متجذرة للإصلاح القانوني، وهذا الجمود التشريعي يُبقي النساء في حالة من التبعية القانونية التي تمنعهن من التمتع بحرياتهن الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير عن المشاعر واختيار الشريك.

وأتم، إصلاح هذه القوانين ضرورة لضمان احترام الكرامة الإنسانية ومبادئ العدالة، ويتطلب ذلك إرادة سياسية حقيقية لتعديل القوانين التمييزية، وإلغاء التشريعات التي تسمح بالتحكم في خيارات النساء العاطفية، ومواءمة التشريعات الوطنية مع الالتزامات الدولية، فالمساواة في الحب والاختيار ليست ترفًا، بل حقًّا أساسيًّا يضمن تحقيق العدالة والحرية للجميع.

 



ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية