بإقرار اتفاقية «تسليم المطلوبين».. مخاوف تحاصر الأوضاع الحقوقية في تونس

بإقرار اتفاقية «تسليم المطلوبين».. مخاوف تحاصر الأوضاع الحقوقية في تونس
قصر العدالة في تونس

مخاوف جديدة تحاصر الوضع الحقوقي في تونس مع احتمال أن تتوسع أجهزة الأمن في ملاحقة المعارضين داخل البلاد، لتمتد سلسلة الملاحقات المحتملة إلى الخارج، عبر إبرام اتفاقية جديدة لتسليم المطلوبين.

وقبل نحو شهر، صادق مجلس نواب الشعب التونسي بالإجماع على اتفاقية لتبادل تسليم المطلوبين مع الجزائر، وقالت وزيرة العدل التونسية، ليلى جفال، آنذاك إن إبرام الاتفاقية يأتي لتجاوز بعض الإشكاليات في ما يتعلق بالتواصل بين البلدين وإدراج مفاهيم مثل جرائم الإرهاب، واسترداد الأموال، والتجميد، والمصادرة.

وتم توقيع اتفاقية تسليم المجرمين بين تونس والجزائر في إطار إعادة النظر في اتفاقية تبادل المساعدة والتعاون القضائي، الموقعة بين البلدين في عام 1963.

وبينت وزيرة العدل التونسية أن عدد الجزائريين المسجونين في تونس يبلغ 199 سجيناً، مشيرة إلى أن عدد مطالب التسليم الصادرة من تونس إلى الجزائر يبلغ ثمانية، بينما يبلغ عدد مطالب التسليم الواردة من الجزائر إلى تونس ستة مطالب.

وكشفت وزيرة العدل أن الجزائريين القابعين في السجون التونسية، بينهم 6 إناث، متورطون في تهم مختلفة، من بينها قضايا مخدرات، والهجرة غير النظامية، والإرهاب.

وأضافت جفال أن الأسباب التي دفعت إلى إبرام اتفاقية ثنائية مع الجزائر هي استخدام طرق التواصل الحديثة في تنفيذ الاتفاقيات، إضافة إلى إدراج الجرائم المستحدثة، وبعض الآليات الجديدة مثل التجريم والمصادرة.

ونشرت الجريدة الرسمية الجزائرية، في 12 فبراير الجاري تصديق بلادها على اتفاقية تسليم المطلوبين مع تونس، بعد أن وقعها الجانبان في ديسمبر 2021، بهدف تعزيز التعاون الأمني والقضائي بين البلدين وذلك ما نشرته الجريدة الرسمية الجزائرية.

ويتعهد الطرفان بموجب الاتفاقية بأن يسلم كل منهما للآخر الأشخاص المحكوم عليهم من طرف سلطاتهما القضائية، وفق القواعد والشروط المحددة في هذه المعاهدة، بحسب المصدر ذاته.

تسليم المجرمين المدانين

وتنص الاتفاقية على تسليم المجرمين المدانين في الجرائم المعاقب عليها بمقتضى قوانين البلدين، والمحكوم عليهم بالسجن لمدة لا تقل عن سنة واحدة، على ألّا تقل المدة المتبقية من العقوبة عن 6 أشهر عند تقديم طلب التسليم.

وحدّدت المادة الثانية من الاتفاقية الموقعة بين الطرفين الشروط الواجب توفرها، فالجرائم المعنية هي تلك المعاقب عليها بمقتضى قوانين كل من الطرفين بعقوبة سالبة للحرية لا تقل عن سنة أو بعقوبة أشد، وإذا تم تقديم طلب التسليم بغرض تنفيذ عقوبة سالبة للحرية فيجب ألا تقل المدة المتبقية من العقوبة عن سنة 6 أشهر، وتطبق هذه الأحكام حتى لو كانت تشريعات الطرفين لا تصنف الجرائم في نفس الفئة أو لا تمنحها وصفا مماثلا.

وفي الاتجاه نفسه، ذكرت المادة الرابعة من الاتفاقية حالات رفض التسليم الذي يكون وجوبا إذا صدر حكم نهائي لدى الطرف المطلوب منه التسليم أو في دولة أخرى من أجل الأفعال التي يطلب بسببها تسليم الشخص، أو إذا تقادمت الدعوى العمومية أو العقوبة عند التوصل بطلب التسليم وفقا لتشريع أحد الطرفين، أو في حالة صدور عفو شامل لدى أحد الطرفين، كذلك في حالة اعتبار الطرف المطلوب منه التسليم الجريمة المعنية سياسية أو مرتبطة بها.

وفي المقابل، يجوز رفض التسليم إذا كانت هناك أسباب جوهرية تدعو إلى الاعتقاد بأن محاكمة أو إدانة الشخص المطلوب تسليمه هي على أساس عرقه أو جنسه أو جنسيته أو آرائه السياسية، أو أن موقف ذلك الشخص قد يتضرر لهذه الأسباب، أو إذا اعتبر الطرف المطلوب منه التسليم في حالات استثنائية مع مراعاة خطورة الجريمة ومصالح الطرف الطالب، ويمكن رفض التسليم أيضا إذا تأسس طلب التسليم على حكم غيابي وكان تشريع الطرف الطالب لا يسمح بالطعن فيه، بالإضافة إلى حالة ارتكاب الجريمة خارج إقليم الطرف الطالب وكان تشريع الطرف المطلوب منه التسليم لا يسمح بمتابعة نفس الجريمة.

وقائع مقلقة 

وسبق للسلطات الأمنية الجزائرية أن أوقفت في سبتمبر 2021 المرشح السابق للانتخابات الرئاسية رئيس حزب "قلب تونس" (معارض)، نبيل القروي، وشقيقه في مدينة تبسة الجزائرية بعد دخوله البلاد بشكل غير شرعي.

ويلاحق القروي وشقيقه في قضايا تتعلق بـ"غسل الأموال والتهرب الضريبي" قبل أن يصدر القضاء التونسي في فبراير 2024 في شأنه حكما بالسجن 3 سنوات بتهمة “تلقّي تمويلات أجنبيّة” في الحملة الانتخابيّة للانتخابات الرّئاسية 2019.

وفي 26 سبتمبر 2022، قالت منظمة "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" إنّ على السلطات الجزائرية الإفراج فورا عن سليمان بوحفص، الناشط الجزائري الذي اختفى قبل عام في تونس، والمحتجز الآن قيد التحقيق من قبل محكمة جزائرية، مع ضمان حريته في مغادرة البلاد.

وكان بوحفص يعيش في تونس كلاجئ، ثم ظهر وهو محتجز لدى الشرطة الجزائرية في ظروف غامضة، ودعت المنظمة السلطات التونسية للتحقيق في ما بدا أنه اختطاف وإعادة قسرية إلى الجزائر، ومحاسبة كل من تورط في ذلك، بحسب المنظمتين.

وبوحفص (55 عاما) ناشط أمازيغي ومعتنق للمسيحية.. في 2016، حكمت عليه محكمة جزائرية بالسجن ثلاث سنوات بموجب المادة 144 مكرر من قانون العقوبات، التي تجرّم الإساءة العلنية للنبي محمد والاستهزاء بالإسلام. وقالت عائلته إنه تعرّض إلى سوء المعاملة في السجن. 

وفي 2018، أطلق سراحه بعفو رئاسي، وانتقل إلى تونس، وتقدّم بطلب لجوء لدى "مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" قبل أن يتم توقيفه

وفي يوليو 2024، تناولت وسائل إعلام محلية أخبارا مفادها إيقاف النائب السابق في البرلمان المنحل سيف الدين مخلوف داخل التراب الجزائري وإحالته إلى التحقيق. 

مخاوف وتطلعات

قال الكاتب السياسي والمرشح الرئاسي التونسي السابق، عماد الدائمي، إن الاتفاقية التي صادق عليها البرلمان التونسي هي في ظاهرها اتفاقية عادية كالاتفاقيات التي تربط بين تونس وعدد من كبير  من الدول العربية والأوروبية أيضا في نفس المجال، لا سيما أنه بين تونس والجزائر اتفاقيات سابقة في نفس الإطار لذا هي في الأصل لا تستهدف الحريات والحقوق والمعارضين السياسيين إنما تبدو مواصلة لمسار تعاون قضائي وتعاون بين البلدين.

وأضاف الدائمي، في تصريح لـ"جسور بوست": "نحن كسياسيين تونسيين ندعم التعاون مع الجزائر في مختلف المجالات التي تهم البلدين الشقيقين، ولكن هناك بعض الحالات الاستثنائيات التي تحدث من وقت لآخر من إيقاف بعض التونسيين في الجزائر أو بالعكس، وهذا يتطلب تدخلا خاصا ويتطلب الحل في إطار رفع الاحتقان وعدم المشاركة في أي اضطهاد سياسي للمواطنين".

وأشار إلى حالة البرلماني التونسي السابق سيف الدين مخلوف، قائلا: "مثلا هناك حالة مخلوف وهو موقف بالجزائر نتمنى حله باعتباره سابقة لهذه الاتفاقية وألا تدخل ضمن مجال هذه الاتفاقية باعتبار أن الاتهام هو سياسي".

وأعرب الدائمي عن أمله أن تبقى الاتفاقية كما هو منصوص عليها لتبادل المجرمين وليس لها علاقة بالسياسيين لتكون خطوة إضافية في الاندماج القضائي مع الجيران.

تعاون أمني

من جانبه، أوضح المحامي البارز والحقوقي التونسي عبد الرؤوف العيادي، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن تلك الاتفاقية عادة ما تتم بين الدول، بظاهرها التعاون القضائي، ولكن تحمل في باطنها تعاون أمني، معربا عن مخاوفه أن يكون تفكير السلطات التونسية لإقرارها حاليا مرتبط بأنها وسيلة للتعاون ضد المعارضين التونسيين.

وباعتقاد العيادي، فإن الأولوية يجب أن تكون دائما في تونس لسيادة القانون وعدم اللجوء لإجراءات تزيد المخاوف، لافتا إلى أن هناك قانونا موجودا بالأساس لمكافحة الإرهاب وتحت عنوانه يتم التسليم وغيره.

وقال العيادي، إن تلك الاتفاقية تأتي في أجواء العمل الخيري والحزبي والمستقل، مضيفا: "الكل بات محاصراً الآن في تونس، وهناك تراجع في مستوى الحقوق والحريات".

وأعرب عن تطلعه ألّا يحدث استغلال سياسي تونسي لتلك الاتفاقية التي يجب أن تكون في إطار قضائي فقط لا يمس المعارضين، مشيرا إلى أن تطبيقها من جانب الجزائر مرهون بالظرف السياسي وعلاقات البلدين والتوازنات القائمة.

وتواجه تونس منذ 25 يوليو 2021 أزمة سياسية خانقة على وقع الإجراءات الاستثنائية التي أقرها الرئيس قيس سعيد، والتي ترتب عليها تداعيات اقتصادية حيث تتصاعد الديون وتتزايد الضغوط الدولية ويستمر نقص بعض المواد الغذائية الأساسية في الأسواق.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية