ترمب وتحول الطاقة: تضييق أم نهاية طريق؟
ترمب وتحول الطاقة: تضييق أم نهاية طريق؟
يرى بعضهم أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيقتل التحول الطاقي، بينما يرى آخرون أنه لا يستطيع ذلك وأن التحول الطاقي اتجاه تاريخي لا يمكن له أن يوقفه، بينما يرى طرف ثالث أنه سيضيق الخناق عليه ويبطؤه، ولكل طرف أدلته.
ومهما كان الأثر فإنه يؤثر في دول الخليج ومستقبلها، فأصحاب الرأي الأول من أنصار ترمب المخلصين، وهو رأي متطرف وهناك أدلة كثيرة وقوية ضده، من أهمها أن عدداً من كبار مؤيديه يستفيدون من مشاريع الطاقة المتجددة، وأكبر نصير له هو صاحب شركة "تيسلا"، أما أصحاب الرأي الثاني فيرون أن تحول الطاقة أكبر بكثير من ترمب، ومن ثم فإن أثره بسيط وموقت على رغم كل محاربته لسياسات التغير المناخي وانسحابه من اتفاقات المناخ العالمية، كما يرى هؤلاء العالم من منظور التغير المناخي، ويذكرون أن يناير (كانون الثاني) الماضي كان أحرّ شهر يناير في التاريخ، وأن عام 2024 كان أول عام يشهد فيه العالم ارتفاع درجة الحرارة فوق درجة ونصف الدرجة منذ فترة ما قبل الثورة الصناعية، ومن الواضح أن أنصار هذا الرأي من اليسار الديموقراطي، ويستدلون على رأيهم بأن التقدم التقني وانخفاض كُلف الطاقة المتجددة جعلا الطاقة الشمسية والرياح أرخص من "الوقود الأحفوري"، وأن هناك ثورة في هذا المجال لا يمكن إيقافها لأنها مدفوعة بقوى السوق وليس بالإعانات الحكومية كما في الماضي، ويستدلون أيضاً بأن أكبر طاقة إنتاجية للكهرباء موجودة في تكساس وهي ولاية جمهورية محافظة، كما أن قدرة الرئيس ترمب على زيادة إنتاج النفط والغاز محدودة، وأن الطلب على الطاقة في تزايد مستمر وشركات الكهرباء ستستمر في الاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية والهوائية، بخاصة أن كُلف الطاقة الشمسية في انخفاض مستمر.
ويعترف هؤلاء بأن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقات المناخ ضربة قوية في هذا المجال، ولكن التقدم في مجال الطاقة المتجددة والتحول الطاقي مستمر على كل الحالات، ومصانع الصين ستستمر في إنتاج ما يلزم للطاقة المتجددة ولن تهتم بما يحصل في الولايات المتحدة، وباختصار فهم يرون أن قوى السوق والتقنية هما اللتان تقودان التحول الطاقي الآن، وأي معارضة من ترمب ستكون محدودة وموقتة.
ويُرد على ذلك بأن ما يعتبرونه حقيقة هو ادعاء غير صحيح، لأن مشاريع التغير الطاقي كلها تحتاج إلى دعم حكومي ولم تنجح حتى الآن في منافسة الوقود الأحفوري داخل الأسواق الحرة، كما أن كل البيانات من الولايات المتحدة وأوروبا تشير إلى ارتفاع الكُلف خلال الأعوام الأخيرة وإلى أن جزءاً كبيراً من انخفاض كُلف الطاقة الشمسية يعود لقيام الحكومة الصينية بدعم المصانع الصينية والصادرات، وفي أماكن أخرى جرى تقديم الأرض مجاناً وتكفلت الحكومات عوضاً عن الشركات بربط المشاريع بالشبكة، وهذا أمر مكلف.
أما الاستدلال بطاقة الرياح في تكساس فهو دليل عليهم لا لهم لسببين، الأول أن هذه الصناعة حصلت على إعانات مليارية، والثاني أنه جرى تغيير القوانين لإعطاء الكهرباء المولدة من الرياح أولوية مهما كانت الكمية وبغض النظر عن خسائر الكهرباء المولدة من مصادر أخرى، وإذا أخفقت محطات الرياح في توفير الكمية التي وعدت بها فليست هناك عقوبة، بينما هناك غرامات وكُلف كبيرة إذا فشلت المحطات العاملة بالغاز مثلاً في توليد الكميات التي وعدت بها.
كما أن الزيادة المطردة في الطلب على الطاقة دليل عليهم، فهذه الزيادة لن تُمكن من إحلال الطاقة الشمسية والرياح محل الفحم والغاز حتى لو استمرت الحكومات في تقديم الدعم للطاقة الشمسية والرياح، والأهم من هذا كله أن انخفاض الكُلف الذي يتكلم عنه أصحاب الرأي الأول لا يشمل كُلف محطات الغاز الاحتياطية التي تبنى لتغطية فترات انقطاع الكهرباء من الطاقة الشمسية والهوائية.
دور ترمب
ترمب سيضيق الخناق على التحول الطاقي، ليس في الولايات المتحدة وحسب، وإنما حول العالم، فهو لا يستطيع أن يوقف التغير الطاقي على الإطلاق لأن التغير نوعان، نوع طبيعي يحصل مع التطور العلمي والتقني والتغير في أذواق المستهلكين، ونوع تتبناه الحكومات فتدعمه مادياً وتتبنى القوانين التي تكفل في نظرها نجاح سياسات التغير المناخي، وسبب التدخل الحكومي هو أن السوق لا تدعم هذه المشاريع لأنها خاسرة، وترمب لا يستطيع التأثير في النوع الأول، فهو مثلاً لا يستطيع وقف تحسن كفاءة الطاقة الناتج من استخدام الذكاء الاصطناعي، ولكنه يستطيع أن يؤثر بصورة كبيرة في النوع الثاني من طريق وقف الإعانات الحكومية لمشاريع الطاقة الشمسية والهوائية والسيارات الكهربائية ومشاريع البطاريات وشواحن السيارات، كما أنه استطاع بسبب الحروب التجارية حتى خلال فترته الأولى رفع كُلف الطاقة الشمسية والهوائية والسيارات الكهربائية بسبب الضرائب الجمركية التي فرضها على هذه الواردات.
عالمياً استطاع ترمب أن يؤثر في الدول الأخرى من طريق الحروب التجارية من جهة والانسحاب من مفاوضات المناخ من جهة أخرى، فانسحاب الولايات المتحدة يعطي دعماً كبيراً للصين والهند والدول النفطية خلال مفاوضات المناخ، كما يجعل بعض الدول، وبينها دول أوروبية، تتغاضى عن التزام شركاتها بالمتطلبات المناخية.
وهناك زاوية أخرى لها علاقة بالسياسات الأميركية بعامة وليس ترمب فقط، وتتعلق بالعقوبات المفروضة على روسيا وإيران وفنزويلا والتي تشمل الحظر النفطي، فقد كان من ضمن النتائج غير المقصودة للحظر أن مئات الناقلات النفطية التي تهرب النفط من هذه الدول لا تخضع لأي قوانين بيئية، وبعضها قديم لا يمكن أن يسمح لها بنقل النفط لو لم تكن هناك عقوبات، كما أن فرض العقوبات خفّض أسعار النفط المحظور ومن ثم زاد الطلب عليه مقارنة بعدم وجود عقوبات، والمقصود هنا أن الحظر النفطي على هذه الدول أدى إلى نتائج عكس ما ترمي إليه سياسات التغير الطاقي.
حقيقة الأمر أن هناك تراجعاً عن الأهداف المناخية في كل أنحاء العالم وعلى كل المستويات والمجالات، بما في ذلك البنوك والصناديق الاستثمارية، وهذا التراجع يعود لعدم منطقية الأهداف والخطط المناخية التي تهدف إلى تصحيح ما جرى خلال 350 عاماً في 20 عاماً، وهذا لا يمكن، كما أن هذه السياسات أدت إلى نتائج عكسية حين انخفضت معدلات النمو الاقتصادي وارتفع التضخم ولجأ الناس إلى استخدام الوقود الأرخص، فلم تنخفض الانبعاثات بالصورة المطلوبة، وهنا لابد من التأكيد على أن الانخفاض الكبير في الانبعاثات خلال الفترات الأخيرة في بعض الدول الأوروبية يعود لحالات الركود الاقتصادي فيها وليس لتبنيها سياسات مناخية ناجحة.
وفي ضوء هذا التراجع العام عن الأهداف المناخية جاء ترمب ليعزز هذا الاتجاه بقوة القرارات الرئاسية التي أثرت وستؤثر محلياً وعالمياً، ولعل من أهم نتائجها أن الطلب على المنتجات النفطية والغاز سيكون أعلى من المتوقع، والشركات والبنوك والصناديق ستعود للاستثمار في صناعة النفط والغاز من دون خوف من رد فعل حكومي أو من بعض المستثمرين أو حتى من وسائل الإعلام، وباختصار فللرئيس ترمب دور كبير في تضييق الخناق على سياسات التغير الطاقي والتغير المناخي، وهذا دعم غير مباشر لدول الخليج.
نقلاً عن إندبندنت عربية