«الأحوال الشخصية».. إصلاحات تصون حقوق المرأة والأسرة في السعودية

«الأحوال الشخصية».. إصلاحات تصون حقوق المرأة والأسرة في السعودية
إصلاحات تصون حقوق المرأة في السعودية

يحمل النظام الجديد للأحوال الشخصية في السعودية، إصلاحات كبرى تعزز حماية المرأة والأسر، وفق أحدث التوجيهات القانونية والممارسات القضائية، بهدف ترسيخ مبادئ العدالة والشفافية وتحقّق التنمية الشاملة. 

ونشرت وسائل الإعلام السعودية الرسمية، موافقة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، على لائحة نظام الأحوال الشخصية، المكونة من 41 مادة، والتي بدأ العمل بها اعتباراً من يوم الجمعة الماضي.

وبحسب نصوص النظام الجديد، أدخلت لائحته إجراءات واضحة لضبط عقود الزواج وعالجت أبرز المشكلات التي تتعلق بالعضل الذي يعني منع المرأة من الزواج تعسفياً من قبل ولي أمرها، مع تصحيح أوضاع الزواج ومنح المرأة حق الفسخ  وتقديم تقديرات واضحة بشأن الحضانة والنفقة وحقوق الورثة، بسياقات واضحة تصون حقوق المرأة والأسر، كما أكدت وزارة العدل السعودية. 

وأكد خبراء قانون سعوديون أن النظام الجديدة للأحوال الشخصية يمثل إطارا قانونيا متكاملًا يسهم في تعزيز الاستقرار الأسري وتقليل النزاعات، كما تضمن تنفيذ الأحكام بطريقة عادلة تتماشى مع المستجدات القانونية والاجتماعية.

إصلاحات كبرى 

وكان مجلس الوزراء السعودي قد أقرّ في مارس 2022 نظام الأحوال الشخصية، والذي أكد الأمير محمد بن سلمان خلاله أنه مستمَدّ من أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وروعي في إعداده أحدث التوجهات القانونية والممارسات القضائية الدولية الحديثة، ومواكبة مستجدات الواقع ومتغيراته، مضيفاً أنه سيسهم في الحفاظ على الأسرة واستقرارها، بوصفها المكون الأساسي للمجتمع، وسيعمل على تحسين وضع الأسرة والطفل، وضبط السلطة التقديرية للقاضي للحدّ من تباين الأحكام القضائية في هذا الشأن.

يشار إلى أن هذا النظام ضمن منظومة تشريعات متخصصة أربعة أعلن عنها ولي العهد في فبراير 2021، وهي: "الأحوال الشخصية، والمعاملات المدنية، والنظام الجزائي للعقوبات التعزيرية، والإثبات"، وقال إنها "ستُمثِّلُ موجة جديدة من الإصلاحات التي ستُسهم في إمكانية التنبؤ بالأحكام، ورفع مستوى النزاهة وكفاءة أداء الأجهزة العدلية، وزيادة موثوقية الإجراءات وآليات الرقابة؛ كونها ركيزة أساسية لتحقيق مبادئ العدالة التي تفرض وضوح حدود المسؤولية، واستقرار المرجعية النظامية بما يحدّ من الفردية في إصدار الأحكام".

وأكد وزير العدل السعودي الدكتور وليد بن محمد الصمعاني، أن صدور اللائحة التنفيذية لنظام الأحوال الشخصية؛ ترجمةً عملية للجهود التي يقودها ويشرف عليها ولي العهد في استحداث التشريعات التي تحفظ الحقوق وتُرسِّخ مبادئ العدالة والشفافية وتحقّق التنمية الشاملة، مشيرا إلى أن اللائحة تعد خطوة نحو تعزيز استقرار الأسرة والمجتمع، وتنظيم ما يتصل بمسائل العلاقة الأسرية من الناحية القانونية؛ بما يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030.

ضبط عقود الزواج 

وبشأن تنظيم الزواج، أدخلت اللائحة إجراءات واضحة لضبط عقود الزواج، بما في ذلك توثيق زواج غير المسلمين، سواء اتحدت جنسية طرفيه أم اختلفت، بخلاف إمكانية عقد الزواج عبر وسائل التقنية الحديثة، على أن يكون الإيجاب والقبول واضحين في اللغة التي يحسنها الطرفان، وفق  ما تتضمنه اللائحة التنفيذية في الزواج.

ويشترط للإذن بزواج من هو دون سن 18 عاماً، أن يكون طلب الإذن بالزواج مقدماً من الشاب أو الفتاة (الراغبين في الزواج)، أو وليهما الشرعي، أو والدة أي منهما، مع  موافقة الراغب في الزواج بإقراره الصريح أمام المحكمة، وسماع ما لدى الأم بشأن ذلك، فإذا تعذر سماع ما لديها قررت المحكمة ذلك وأذنت بالزواج، وبلوغ الراغب في الزواج واكتماله الجسمي والعقلي، وألا يكون في الزواج خطرٌ عليه، وذلك بموجب تقرير طبي، ويسري ذلك على زواج السعودي بغير سعودية والسعودية بغير سعودي إذا أُبرم العقد داخل المملكة.

وتشمل اللائحة تحقق المحكمة من تعذر حضور الولي في الزواج أو تعذر تبليغه، بواسطة الجهة المختصة، وفقاً لإجراءات التبليغ المقرة نظاماً، وتفويض أحد المرخصين ‏-وفق الأحكام النظامية‏- بإجراء عقد الزواج للمرأة التي لا يُعرف لها أب، على أن يُنص صراحة في العقد على إنابته بتزويج المرأة، إذا كان طلب المرأة التزويج مستنداً إلى انقطاعها من الأولياء، إما لغيبة الولي أو فقده أو موته؛ فينظر في الطلب إنهاءً، ويثبت بالبينة إن وجدت، وإلا يتم التحقق من إحدى حالات الانقطاع بأي وسيلة من وسائل الإثبات أو بالكتابة إلى الجهة المختصة وفقاً للأحكام النظامية، وإذا عينت المرأة وليّاً لها  فيلزم تضمين عقد الزواج ما يثبت ذلك.

ومن أبرز المشكلات التي عالجتها اللائحة الجديدة موضوع العضل (منع المرأة من الزواج تعسفياً من قبل ولي أمرها)، ونصت اللائحة، على أنه يعد في حكم كل ذي مصلحة؛ القريب للمرأة المعضولة، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ولا يتطلب إثبات العضل وجود خاطب، ولا حضوره إذا كان موجوداً، وإذا ثبت عضل المرأة المعضولة ولم يكن سبب العضل خاصاً بها؛ فإن ذلك يسري على باقي موليات العاضل إذا طالبت إحداهن بذلك، وينظر في الطلب إنهاء، ولا يمنع الحكم بثبوت العضل تولي العاضل عقد الزواج إذا رضيت المرأة المعضولة بذلك، وتراعي المحكمة رأي المرأة المعضولة عند نقل ولاية تزويجها إلى أي من الأولياء.

منح حق الفسخ 

وشددت اللائحة على تصحيح أوضاع الزواج غير الموثق، حيث يمكن تصحيح عقد الزواج إذا لم يكن هناك ولي أو شهود، أو إذا تم الزواج في حالة إحرام (حج أو عمرة)، مع إمكانية توثيقه رسميًا بعد تصحيحه، وفق ما يلزم نظاماً.

ومنحت اللائحة المرأة حق طلب فسخ الزواج في عدة حالات، حيث أكدت أنه لا يسقط حق الزوجة في طلب فسخ عقد الزواج لعلة في الزوج تمنع من المعاشرة الزوجية، بمجرد سكوتها عن المطالبة، فضلا عن أنه للمحكمة فسخ عقد الزواج ‏-بعد استيفاء الإجراءات النظامية ذات الصلة‏- متى طالبت الزوجة به، لخشيتها عدم أداء الحقوق الزوجية، وامتناع الزوج عن طلاقها أو مخالعتها، على أن تعيد ما قبضته من مهر إذا نشب خلاف بين الزوجين وتعذر الصلح، حيث تقوم المحكمة بتقدير التعويض الذي يدفعه أي من الطرفين وفقًا لنسبة مسؤوليته في الخلاف.

وبشأن الحضانة والنفقة، نصت اللائحة على أنه إذا لم يتجاوز المحضون سن العامين؛ فتكون حضانته للأم ولو تزوجت من رجل أجنبي عنه.

يُلزم الأب أو الأم بالحضانة وذلك بناء على دعوى ترفع من أحدهما أو من أي من الجهات ذات العلاقة لا يستحق الحاضن نفقة سكن للمحضون إذا كان أيٌّ منهما يقيم في سكنٍ مملوك أو مخصص له أو يسكن الحاضن تبعاً لغيره ويراعى في ذلك مصلحة المحضون، وليس للحاضن المطالبة بأجرة السكن إذا هيأ من وجبت عليه النفقة سكناً مناسباً للمحضون.

ويتولى الحاضن القيام على مصالح المحضون، وله على وجه الخصوص متابعة ما يخصه لدى الجهات العامة والخاصة وإنهاء الإجراءات اللازمة بما فيها الدخول لهذا الغرض على التطبيقات والمنصات الرقمية الخاصة به، وتسلّم الإعانات والمكافآت التي تصرف له من الجهات العامة والخاصة، والاحتفاظ بنسخ من الوثائق والمستندات الثبوتية المتعلقة به أو أصول أي منها عند الحاجة لذلك.

وفي حال حصول الفرقة بين الزوجين، يمكن لأي منهما التقدم إلكترونيًا بطلب الحضانة أو النفقة أو الزيارة، وتصدر وثيقة تنفيذية معتمدة من المحكمة.

وتحدد النفقة الزوجية وفق اللائحة بناءً على مستوى المعيشة، ومراعاة النفقة المؤقتة التي سبق الحكم بها، يستمر الأب أو من تجب عليه النفقة بدفعها للبنت المتزوجة في حال لم تكن تستحق نفقة زوجها، بينما لهم الحق في معرفة الأموال المملوكة للمتوفى، وتقديم طلبات رسمية للحصول على بياناتها.

إطار قانوني شامل

وقال المستشار القانوني السعودي، محمد بن عبدالله النقيدان، إن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يقود جهود تطوير الأنظمة العدلية بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030 لضمان حماية الحقوق وتعزيز الاستقرار الأسري، وبمتابعة وزير العدل الدكتور وليد الصمعاني صدرت اللائحة التنفيذية لنظام الأحوال الشخصية، والتي تهدف إلى تفسير أحكام النظام ووضع آليات واضحة لتنفيذه.

وتُعد اللائحة التنفيذية الإطار التطبيقي لنظام الأحوال الشخصية، حيث تفسر مواده وتحدد آليات تنفيذه، بما يضمن تحقيق العدالة وضمان حقوق جميع الأطراف، وهي مرجع قانوني للجهات المستفيدة وتسهم في تنظيم العلاقات الأسرية وحل النزاعات وفق إجراءات واضحة.

وأوضح النقيدان، في بيان، أن اللائحة تعكس اهتمام القيادة الرشيدة بتطوير التشريعات الأسرية، حيث توفر إطارًا قانونيًا متكاملًا يسهم في تعزيز الاستقرار الأسري وتقليل النزاعات، كما تضمن تنفيذ الأحكام بطريقة عادلة تتماشى مع المستجدات القانونية والاجتماعية.

وأضاف: “تضمنت اللائحة مجموعة من الأحكام التي تنظم العلاقات الأسرية وتحدد الحقوق والواجبات، ومنها، تنظيم الزواج والطلاق وحددت شروط الزواج، وإجراءات التوثيق، وآليات الطلاق والخلع والفسخ لضمان الحقوق، وكذلك حددت حقوق وواجبات الزوجين ومنها تعزيز مبدأ التعاون بين الزوجين، وتوضيح معايير النفقة والسكن بما يتناسب مع الحالة المادية للزوج”.

وتابع: “حددت اللائحة أحكام الحضانة والنفقة ووضعت معايير واضحة للحضانة، وتحديد حقوق الطرف الحاضن وواجباته، وضمان تنفيذ أحكام النفقة للأطفال والزوجة والمطلقة، وعززت إجراءات التقاضي عبر  تسريع الفصل في النزاعات الأسرية، وتوضيح آليات الترافع وتقديم الأدلة لحفظ الحقوق، وفي شأن التوثيق والسجلات أكدت إلزامية تسجيل الوقائع الأسرية (كالزواج، والطلاق، والحضانة، والنفقة) وفق أنظمة تحفظ الحقوق القانونية للأطراف المعنية”. 

وتمثل اللائحة التنفيذية لنظام الأحوال الشخصية خطوة نوعية في تطوير التشريعات الأسرية بالمملكة، حيث توفر إطارًا قانونيًا واضحًا يسهم في تحقيق العدالة الأسرية، وتقليل النزاعات، وتسريع إجراءات التقاضي، وتحقق الاستقرار الأسري وتحفظ الحقوق، وتضمن بيئة قانونية عادلة ومنصفة بما ينعكس إيجابًا على المجتمع ككل.

   



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية