بحزمة من التفاؤل والتحديات.. لبنان يواجه اختبارات العهد الجديد
بحزمة من التفاؤل والتحديات.. لبنان يواجه اختبارات العهد الجديد
في وقت لم يخرج لبنان من عثراته التي تفاقمت مع بدء الأزمة الاقتصادية أواخر عام 2019، وصولًا إلى الحرب التي خلّفت الكثير من الخسائر والضحايا، تنفس اللبنانيون الصعداء مع انتخاب رئيس الجمهورية جوزيف عون بعد ما يقرب من عامين من الفراغ وتشكيل حكومة جديدة يراها كثر إصلاحية.
هذا العهد الجديد، بما حمله من وعود في كلام رئيسَي الجمهورية والحكومة، انعكس تفاؤلًا لدى اللبنانيين الذين يأملون في تحسن ظروف الحياة على مختلف الأصعدة، بما فيها ملف حقوق الإنسان.
أمين، وهو أحد الذين يعانون مشكلة البطالة، يقول "قبل الحرب، كنت أعمل في شركة.. ولكن مع تصاعد المعارك واشتداد الحرب، طُلب منا مغادرة العمل والعودة إلى منازلنا، على أن يتم التواصل معنا بعد انتهاء الحرب، وعندما انتهت الحرب حاولت العودة إلى وظيفتي، فلم يسمح لي بذلك بحجة الخسائر التي تكبدتها الشركة، وتقدمت بطلب رسمي للإدارة، ولكن لم أتلقَّ أي رد".
وأضاف في حديث مع "جسور بوست"، "لم يتم احترام أي قوانين أو التزامات.. واليوم أنا غير قادر على إيجاد فرص عمل أخرى بسبب تداعيات الحرب والجمود الاقتصادي".
وتابع: "لا يوجد قانون ينصف العامل، ولا دولة تحمي حقوقه. الوضع صعب للغاية، ولذا نتمنى أن تعمل الحكومة الجديدة على تحسين الظروف والنظر في أوضاع الناس".
أما نور، وهي من أب فلسطيني وأم لبنانية، فقالت "أعيش في لبنان منذ 25 عامًا، أتكلم اللهجة اللبنانية وأؤدي جميع الواجبات، ومع ذلك، أعاني من كثير العقبات.. فهناك الكثير من التحديات في العمل وفي الحياة اليومية.. إني أشعر بالحزن الشديد لأنني لا أستطيع الحصول على الجنسية اللبنانية، أشعر أنني لبنانية من الداخل.. ومن حقي أن أكون فلسطينية ولبنانية في الوقت نفسه”.
وتضيف في حديث مع "جسور بوست" فتقول "آمل أنه في المستقبل القريب، مع الحكومة الجديدة، يُنظر إلى حقوق الإنسان، لأن هذه الأمور أصبحت بديهية في أي دولة في العالم. فالجنسية لم تعد مجرد مسألة رفاهية، بل هي حق من حقوق الإنسان. خاصة أن القضية الفلسطينية تحتاج إلى وقت طويل لتُحل. أتمنى أن يصل صوتي، وأن تساعدنا الحكومة والدولة في المستقبل”.
أوضاع العمال صعبة
وأعلن رئيس الاتحاد الوطني للنقابات كاسترو عبدالله، أن "تحسين الأجور مطلب أساسي لدينا على الرغم من الواقع الذي نمر به نتيجة الظروف الحرب”.
وأضاف "ولكن لا بد من إعادة التوازن والقوة الشرائية إلى الرواتب خاصة وأننا خسرنا نحو 97% من قيمة القوة الشرائية للأجور.. في وقت لا يزال التجار والكرتلات (تحالف الشركات) يفرضون الزيادات العشوائية على الخبز وبدل النقل والاستشفاء وغير ذلك”.
وتابع عبدالله في حديث مع "جسور بوست": "يجب إشراك جميع القوى والشرائح في النقاش حول موضوع الرواتب.. ونحن، وفق الدراسات، نطالب بأن يكون الحد الادنى ما بين 800 و1200 دولار على حسب الاحتياجات وحجم العائلة”.
وكشف عبدالله عن التوجه الى الجهات الرسمية لطرح مطالب العمال، موضحا أن الاتحاد "يُعد مذكرة حول الأجور والضمان الصحي والحماية الاجتماعية والتقاعد وتعديل قانون العمل والتصديق على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة وغير ذلك.. خاصة أن قانون العمل يتجاوز الـ70 سنة وهو غير مطبق بكل بنوده.. علما أننا كنا نتابع هذه الملفات مع الوزير السابق”.
وفي السياق، أوضح عبدالله أن "الحكومة مطالبة بفتح فرص جديدة في سوق العمل خاصة أنه أصبح لدينا مهن شبه منقرضة ومهن جديدة”، مشيرا إلى أن "المطلوب هو تعديل التشريعات من أجل العمل على إعطاء الفئات الجديدة حقوقها”.
وفي وقت يشدد على ضرورة النظر في قضايا كلفة الإيجارات المرتفعة على العمال وصعوبات تسجيل أبناء العمال في المدارس بسبب ارتفاع التكاليف، ويكشف أن الاتحاد يعمل على شكوى ضد "العدو الإسرائيلي حول التعطيل القسري" لتعويض للعمال الذين فقدوا مصادر رزقهم خلال الحرب.
واختم عبدالله حديثه، قائلا "على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها، خاصة إذا ما ارتكزنا إلى خطاب القسم لرئيس الجمهورية وكلام رئيس الحكومة”.
ونشرت مؤسسة" الدولية للمعلومات" تقريرا في وقت سابق أشارت فيه إلى الراتب الموظف يجب أن يكون ما بين 65 و70 مليون ليرة (780 دولاراً أمريكياً)، مع العلم أن الحد الأدنى للأجور الحالي في لبنان هو 18 مليون ليرة لبنانية شهريًا (نحو 200 دولار أمريكي).
وكان وزير العمل في الحكومة الجديدة محمد حيدر قد أوضح في تصريحات له أن الوزارة "ستعمل على تحسين الأجور وظروف العمل، وتعريف المهن الجديدة لأن غالبية اللبنانيين ليس لديهم فكرة عن فرص العمل الجديدة المطلوبة داخليا وخارجيا”.
وبحسب تقارير صحفية، فإن نحو 250 ألف فرد فقدوا وظائفهم بسبب الحرب الأخيرة التي أدت تدمير عدد من المؤسسات التجارية، وسط معدل بطالة قارب الـ35%.
وذكرت معلومات أن خسائر القطاعات المختلفة في البلاد تجاوزت الـ10 مليارات دولار، مع العلم أن لبنان يعاني من أزمة اقتصادية خانقة منذ عام 2019، حيث وصل سعر الدولار إلى 90 ألف ليرة، في وقت ذكر البنك الدولي أن نحو 44% من الشعب اللبناني يعاني من الفقر.
التطلع لواقع أفضل
وترى المحامية في منظمة "كفى"، التي تُعنى بحقوق المرأة، فاطمة الحاج أنه بوجود عهد جديد وخمس نساء في الحكومة الجديدة فإن "قضايا النساء ستكون أولوية في هذه الحكومة وستأخذ حيزا كبيرا من العمل الوزاري”.
وتابعت في حديث مع "جسور بوست"، «نحن نعتبر أنه في يجب أن يكون هناك "نفضة" في كل وزارة وعلى رأسها تحقيق المساواة على أساس النوع الاجتماعي.. وهذه مطالب يجب أن تترجم بالعمل.. إن آمالنا كبيرة، ونتمنى أن تنطلق الورشة قريبا».
وفي وقت تشيد بتعهد القيادات الجديدة بإرساء المواطنة وبحرص رئيس الجمهورية على المواطن، تقول الحاج "نحن كعاملين في المجتمع المدني نعقد آمالا كبيرة على تحسن ظروف حقوق الإنسان”، مشيرة إلى أن وصول رئيس المحكمة الدولية نواف سلام الى سدة رئاسة الحكومة دفع المجتمع المدني إلى "تحضير سلسلة من المطالب، كون أن سلام هو أحرص الناس على المواثيق الدولية ومن بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية سيداو”.
وترى الحاج أن "أهم ملف يجب أن تعمل عليه الحكومة هو ملف مناهضة العنف ضد المرأة، كونه يشكل واقعا مريرا تعاني منه المرأة.. إذ يصل العنف إلى القتل، وبالتالي، فإن إقرار قانون حماية النساء يعتبر أولوية، كما أن تفعيل قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة والتسريع في المحاكمات خاصة عبر وزارة العدل والإشارة بشكل فعال لمحاكمة القاتل أو المعنف قضايا أساسية، كما نود أن نرى توحيداً لقانون الأحوال الشخصية لإرساء المساواة بين المواطنين”.
يذكر أنه خلال عام 2024 تم الإبلاغ عن 623 شكوى تتعلق بالعنف الأسري في لبنان عبر الخط الساخن، منها 525 حالة عنف جسدي، و90 حالة عنف معنوي، و3 حالات عنف جنسي.
خطوات لضمان حرية الإعلام
أوضح وزير الإعلام الجديد، بول مرقص، أنه لا بد من السعي نحو نهضة وزارة الإعلام والسعي لاستصدار قانون إعلام عصري.
ورأى المحامي والقانوني في مؤسسة "مهارات" التي تعنى بقضايا الإعلام، طوني مخايل، أنه "من حق وزير الإعلام أن يتابع اقتراح قانون الإعلام الجديد الذي يناقش في اللجان النيابية المختصة وأن يضع ملاحظاته حوله وأن يقدم مقترحاته لتعزيز البيئة القانونية والتنظيمية الضامنة لحرية الصحافة والإعلام”، مشيرا إلى أنه "من الملفات الأساسية التي تواجه وزير الإعلام هي تنظيم الإعلام العام ووضع رؤية استراتيجية له”.
ويثير قانون الإعلام المتوقع إقراره في لبنان الكثير من الجدل كونه -بحسب منظمات دولية عديدة- يُشكل "تهديدا خطيرا لحرية التعبير.. ويشمل العديد من الأحكام المثيرة للقلق”.
وردا على سؤال حول كيفية ضمان حرية العمل الصحفي والتعبير عن الرأي، أوضح مخايل أن "الضمانة الأولى لحرية التعبير وحرية الإعلام هي إقرار قانون يراعي أحكام الدستور والمعايير الدولية التي تكفل حق الوصول إلى المعلومات وتمنع وضع قيود لا تتآلف مع حرية التعبير في المجتمع الديمقراطي مثل احتجاز الحرية والحبس وتقييد حق النشر والمحاكمات غير العادلة”.
وتابع مخايل، في حديث مع "جسور بوست"، "أن الضمانة الثانية هي التزام المسؤولين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، والحكومة وأعضائها بمبادئ دولة القانون التي توجب مراقبة أداء الموظفين العامين الموكلين بتطبيق القانون من قضاة وأجهزة أمنية، إضافة الى المسؤولين الحكوميين وأصحاب النفوذ لمنع إساءة استخدام السلطة والنفوذ بهدف تحقيق مصالح خاصة على حساب حماية الحريات العامة وحرية التعبير وحق الصحافة في النقد والكشف عن الحقائق والهدر في المال العام أو استخدامه لمصالح خاصة”.
يذكر أن لبنان حل في المرتبة الـ140 على مؤشر حرية العمل الصحفي لعام 2024.
تعويل على القضاء والقانون
وحول المسار القانوني لملف انفجار مرفأ بيروت والذي وقع عام 2020، ترى المنسقة في منظمة العفو الدولية رينا وهبي أن "استئناف القاضي طارق بيطار للتحقيق المحلي في انفجار مرفأ بيروت يقدم بصيص أمل حذراً ولكنه حيوي في إمكانية تقديم المسؤولين عن أكبر انفجار غير نووي في التاريخ إلى العدالة أخيرًا”.
وأضافت وهبي في حديث مع "جسور بوست": "لقد تعهد الرئيس المنتخب حديثًا جوزيف عون ورئيس الوزراء المكلف نواف سلام بدعم العدالة والمساءلة واستقلال القضاء، ومن الضروري الآن أن يحترما هذه الالتزامات من خلال ضمان اتخاذ الحكومة الجديدة والبرلمان تدابير فعالة تمنع المزيد من التدخل أو العرقلة أو محاولات حماية كبار المسؤولين السياسيين من المساءلة”.
وردا على سؤال حول كيفية تحقيق العدالة ضد الانتهاكات الإسرائيلية التي وقعت خلال الحرب الأخيرة على لبنان، قالت وهبي، إن "السعي إلى تحقيق العدالة والمساءلة عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي في لبنان يجب أن يكون على رأس أولويات الحكومة الجديدة، فخلال الأعمال العدائية وثّقت منظمة العفو الدولية انتهاكات صارخة لقوانين الحرب، بعضها يرقى إلى جرائم حرب، بما في ذلك الهجمات المباشرة أو العشوائية على ما يبدو على الصحفيين والمدنيين والمسعفين والمؤسسات المالية، بالإضافة إلى الاستخدام غير القانوني للفوسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكان”.
وتابعت: "يجب على الحكومة اللبنانية أن تمنح المحكمة الجنائية الدولية بشكل عاجل السلطة القضائية لتمكين المدعي العام للمحكمة من التحقيق في هذه الجرائم”.
يذكر أن الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان أدت إلى استشهاد ما لا يقل عن 4040 شخص وتسببت بجرح أكثر من 16600 آخرين.
ترحيب أممي ومطالب دولية
ورحب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بتشكيل حكومة جديدة في لبنان، مشيرا إلى أن "الأمم المتحدة تتطلع إلى العمل في شراكة وثيقة مع الحكومة الجديدة بشأن أولوياتها، بما في ذلك تعزيز وقف الأعمال العدائية والتنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 1701، مع دعم جميع الجهود الرامية إلى معالجة الاحتياجات والتطلعات الملحة لسكان لبنان، بما في ذلك من خلال التعافي وإعادة الإعمار وتنفيذ أجندة إصلاح شاملة وجامعة ومستدامة”.
ومن جانبها، طالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الحكومة اللبنانية الجديدة بالنظر في عدة ملفات حقوقية بما فيها إصلاح السجون والحفاظ على حقوق العمال الأجانب العاملين في لبنان واللاجئين، إلى جانب تعزيز المؤسسات الصحية والتعليمية، مشيرة إلى أنه "ينبغي للحكومة القادمة العمل على تبني برنامج يركز على حقوق الإنسان ويضمن حقوق جميع الناس في لبنان دون تمييز”.
وعلى الصعيد الرسمي، أوضح رئيس الهيئة الوطنية حقوق الانسان، الدكتور فادي جرجس، أن دخول لبنان في عهد جديد يشكل "فرصة حقيقية لتحسين الوضع الحقوقي، خاصة إذا تم اتخاذ خطوات فعلية نحو تفعيل المؤسسات المعنية، وضمان استقلاليتها، وتعزيز آليات المساءلة والشفافية”.
وتابع جرجس، في حديث مع "جسور بوست"، أن "التقدم في هذا الملف يعتمد بشكل أساسي على الإرادة السياسية وقدرة الدولة على تنفيذ التزاماتها الدولية، خاصة في ما يتعلق بمناهضة التعذيب، وتأمين بيئة آمنة للمدافعين عن حقوق الإنسان، وضمان الحريات الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع السلمي”، مشيرا إلى أن "التعاون مع المنظمات الدولية والمحلية يمكن أن يسهم في توفير الدعم الفني والتقني اللازم لدفع عجلة الإصلاحات”.
ويرى جرجس أنه "لا يمكن تجاهل التحديات التي قد تعوق هذا التحسن، وأبرزها الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد، والتي قد تؤثر على الأولويات الحكومية”، موضحا أن "ضمان استمرار الضغط الحقوقي والدولي، إلى جانب وعي المجتمع المدني بأهمية هذه القضايا، سيكون عاملاً حاسماً في مدى تحقيق أي تقدم ملموس في ملف حقوق الإنسان في لبنان خلال المرحلة المقبلة”.
وقال جرجس، "تقع على الحكومة مسؤولية كبرى في تمكين القضاء المستقل وتعزيز الشفافية والمساءلة، خاصة في ظل الحاجة الملحّة لاستعادة ثقة المجتمع الدولي”، معتبرا أن "تنفيذ إصلاحات جوهرية في القضاءين العدلي الإداري خطوة أساسية لضمان سيادة القانون وتعزيز حقوق الإنسان، بالتزامن مع تعزيز وتفعيل الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان”.
وفي وقت يركز على ضرورة ضمان حقوق المواطنين في أية محاكمات قضائية عبر إقرار إصلاحات مختلفة في هذا الإطار، أوضح جرجس أن "تنفيذ هذه الإصلاحات يعزز من استقلال القضاء وفاعليته، ما يشكّل رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن لبنان جاد في تعزيز سيادة القانون، كما أن وجود قضاء مستقل وقادر على معالجة القضايا بكفاءة يعزز ثقة المستثمرين والشركاء الدوليين، ويضع البلاد على مسار الإصلاح الحقيقي، وهو ما يحتاج إليه لبنان اليوم أكثر من أي وقت مضى”.
وكان كل من رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام قد وعدا اللبنانيين بعدة نقاط، من أبرزها تعزيز الحريات وتحقيق العدالة والسعي لتوفير الخدمات الأساسية.