من «مقاعد الكوتا» إلى مراكز النفوذ.. متى تصبح المرأة قائدة لا مجرد رقم؟

من «مقاعد الكوتا» إلى مراكز النفوذ.. متى تصبح المرأة قائدة لا مجرد رقم؟
اليوم الدولي للمرأة - أرشيف

في عالم يزداد وعيًا بأهمية المساواة بين الجنسين، ما يزال التمثيل السياسي للمرأة في البرلمانات والحكومات حول العالم يشهد فجوة كبيرة، رغم الجهود الدولية والمحلية لتعزيز مشاركة النساء في صنع القرار. 

وفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن الاتحاد البرلماني الدولي، فإن نسبة النساء في البرلمانات العالمية لا تتجاوز 26.5%، وهي نسبة تعكس بطء التقدم نحو تحقيق التوازن بين الجنسين في المجال السياسي. هذه النسبة، رغم أنها تمثل تحسنًا طفيفًا مقارنة بالعقود الماضية، إلا أنها تظل بعيدة عن تحقيق المساواة الفعلية، خاصة في ظل وجود دول لا تزال نسبة تمثيل النساء فيها أقل من 10%. 

ويأتي اليوم الدولي للمرأة، هذا العام في ظل هذه الأرقام التي تذكرنا بأن الطريق نحو المساواة ما يزال طويلًا هذا اليوم، الذي بدأ كحركة عمالية في أوائل القرن العشرين، تحول إلى منصة عالمية للدفاع عن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، ومع ذلك فإن التقدم في تمثيل النساء في المجال السياسي يظل بطيئًا، ما يطرح تساؤلات حول فعالية الآليات المتبعة لتعزيز مشاركة المرأة، مثل نظام الكوتا النسائية، وما إذا كانت هذه الآليات كافية لتحقيق التمثيل العادل. 

ويعد نظام الكوتا النسائية، الذي تم تطبيقه في العديد من الدول لضمان حصول النساء على نسبة معينة من المقاعد البرلمانية أو المناصب القيادية، أحد أبرز الأدوات التي تم استخدامها لتعزيز المشاركة السياسية للمرأة، وفقًا لتقرير صادر عن هيئة الأمم المتحدة للمرأة، فإن الدول التي تطبق نظام الكوتا تشهد ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة تمثيل النساء في البرلمانات. 

وفي بعض الدول، مثل فرنسا وإسبانيا، أدت الكوتا إلى زيادة كبيرة في عدد النساء في البرلمانات والحكومات في فرنسا، على سبيل المثال، وصلت نسبة النساء في البرلمان إلى 39% بعد تطبيق قانون يفرض على الأحزاب السياسية ترشيح نسبة متساوية من الرجال والنساء، ومع ذلك فإن تطبيق الكوتا لا يخلو من التحديات، حيث يواجه مقاومة من بعض الأطراف السياسية والاجتماعية التي ترى في هذه الآلية انتهاكًا لمبدأ المساواة في الفرص. 

الثقافة السياسية السائدة

من أبرز التحديات التي تواجهها النساء في الوصول إلى مناصب قيادية هو الثقافة السياسية السائدة التي ما تزال تميل إلى تفضيل الرجال في المناصب القيادية. وفقًا لدراسة أجراها المنتدى الاقتصادي العالمي، فإن النساء يواجهن صعوبات كبيرة في الوصول إلى المناصب العليا بسبب التحيز الجنسي، وعدم توفر الفرص المتكافئة، ووجود عوائق اجتماعية وثقافية تعوق تقدمهن، بالإضافة إلى ذلك فإن النساء غالبًا ما يواجهن صعوبات في التوفيق بين العمل السياسي والمسؤوليات الأسرية، ما يحد من قدرتهن على التفرغ الكامل للعمل السياسي. 

وفي الدول العربية، تظل نسبة تمثيل النساء في البرلمانات والحكومات منخفضة مقارنة بالمتوسط العالمي، وفقًا لتقرير صادر عن الاتحاد البرلماني الدولي، فإن نسبة النساء في البرلمانات العربية لا تتجاوز 18%، وهي نسبة تعكس التحديات الكبيرة التي تواجهها النساء في المنطقة، ومع ذلك فإن بعض الدول العربية، مثل: تونس، والإمارات، شهدت تحسنًا ملحوظًا في تمثيل النساء. 

وعلى الرغم من هذه الجهود، فإن التحديات التي تواجهها النساء في الوصول إلى المناصب القيادية ما تزال كبيرة، وفقًا لتقرير صادر عن البنك الدولي، فإن النساء في العديد من الدول يواجهن صعوبات في الوصول إلى التمويل اللازم لخوض الحملات الانتخابية، كما أنهن غالبًا ما يتعرضن للتحرش الجنسي أو التمييز في العمل السياسي بالإضافة إلى ذلك، فإن النساء غالبًا ما يواجهن صعوبات في الحصول على الدعم من الأحزاب السياسية، حيث يتم تفضيل الرجال في الترشيحات للانتخابات. 

ويرى خبراء أن تحقيق المساواة في التمثيل السياسي وصنع القرار يتطلب جهودًا متضافرة من الحكومات والمجتمع المدني والأحزاب السياسية. إن نظام الكوتا النسائية -رغم أنه أداة فعالة لتعزيز مشاركة النساء- لا يكفي وحده لتحقيق التمثيل العادل. إننا بحاجة إلى تغيير الثقافة السياسية السائدة، وتوفير الدعم اللازم للنساء لمواجهة التحديات التي تعوق وصولهن إلى المناصب القيادية. فقط من خلال العمل الجماعي والمستمر يمكننا تحقيق عالم تكون فيه المرأة ممثلة بشكل عادل في جميع المجالات، بما في ذلك المجال السياسي. 

الكوتا النسائية والتمثيل السياسي

وقال الخبير الحقوقي، والبرلماني البحريني السابق، عبد الله بن زيد، إن التمثيل السياسي للمرأة يعد أحد المعايير الأساسية التي يقاس بها مدى تحقيق المجتمعات للمساواة والعدالة، لكنه يظل مشوبًا بالكثير من التحديات التي تكشف عن استمرار التمييز وعدم تكافؤ الفرص رغم التقدم التشريعي، فمن الناحية القانونية، باتت معظم الدساتير والمواثيق الدولية تقر بحق المرأة في المشاركة السياسية، بدءًا من التصويت وحتى الوصول إلى المناصب العليا في الحكم، ولكن الواقع يعكس فجوة واضحة بين النصوص القانونية والممارسة الفعلية.

وتابع عبد الله بن زيد، في تصريحات لـ"جسور بوست"، في المجتمعات التي توصف بالديمقراطية، يظل تمثيل النساء في البرلمانات والحكومات أقل بكثير من نسبة وجودهن في المجتمع، هذا الخلل لا يرتبط فقط بعدد النساء اللواتي يتم انتخابهن أو تعيينهن، بل يتعلق أيضًا بطبيعة الأدوار التي يُسمح لهن بممارستها داخل هذه المؤسسات، فغالبًا ما يتم الدفع بالنساء إلى وزارات ذات طابع اجتماعي أو خدمي، في حين يتم يُستبعدن من الوزارات السيادية والمؤسسات التي تمتلك سلطة حقيقية في رسم السياسات الكبرى.

واسترسل، في ظل هذه التحديات، برزت آلية الكوتا النسائية كونها أحد الحلول التي تهدف إلى ضمان تمثيل أكبر للنساء في الحياة السياسية. ورغم أن الكوتا نجحت في رفع نسب النساء في البرلمانات والمجالس المنتخبة في بعض الدول، فإنها ما تزال تخضع لنقاشات واسعة حول فعاليتها في تحقيق المساواة الفعلية؛ فالكوتا -وإن كانت توفر للمرأة مقاعد محجوزة- فإنها لا تضمن بالضرورة تغييرًا جوهريًا في الثقافة السياسية التي ما تزال ذكورية في بنيتها العميقة، بل إنها قد تُستخدم في بعض السياقات كوسيلة لتلميع صورة الأنظمة السياسية أمام المجتمع الدولي دون أن تُترجم إلى تمكين حقيقي.

وقال إن الكوتا في بعض الأحيان قد تؤدي إلى نتائج عكسية، إذ إنها تُستخدم ذريعةً لعدم اتخاذ تدابير أخرى أكثر شمولًا لتمكين النساء سياسيًا. فبدلًا من العمل على إزالة الحواجز البنيوية التي تعوق مشاركة المرأة، يتم الاكتفاء بالكوتا كإجراء شكلي دون تطوير سياسات تعزز حضور النساء في الأحزاب السياسية أو تسهل وصولهن إلى المناصب القيادية كما أن اعتماد الكوتا قد يؤدي إلى شعور زائف بأن قضية المساواة قد تم حلها بمجرد تحقيق نسبة معينة من التمثيل، في حين تظل المشكلات الجوهرية التي تواجه النساء في المجال السياسي قائمة دون معالجة.

وأتم، بناء ديمقراطية حقيقية يتطلب مشاركة متساوية لجميع المواطنين، بغض النظر عن النوع الاجتماعي. والمشاركة السياسية للمرأة ليست فقط حقًا من حقوق الإنسان، بل هي ضرورة لبناء مجتمعات أكثر عدالة وتوازنًا؛ لذا فإن أي سياسة تهدف إلى تعزيز تمثيل النساء يجب أن تتجاوز الحلول الشكلية لتصل إلى معالجة جذرية تضمن حضورًا فعليًا وقويًا للمرأة في مواقع صنع القرار، بحيث تكون شريكة حقيقية في رسم مستقبل مجتمعاتها وليس مجرد عنصر مكمل للصورة الديمقراطية.

القيود الاجتماعية وأمل المساواة 

وفي السياق، قال الخبير الاجتماعي والأكاديمي، طه أبو الحسن: ما تزال قضية التمثيل السياسي للمرأة موضع جدل واسع في مختلف المجتمعات، رغم كل الجهود التشريعية والمؤسساتية التي هدفت إلى تعزيز دورها في صنع القرار فعلى الرغم من إحراز بعض التقدم في العقود الأخيرة، فإن المرأة ما تزال تعاني فجوات كبيرة في الوصول إلى المناصب القيادية داخل الحكومات والبرلمانات، حيث تتجلى هذه الفجوات في أشكال مختلفة من التمييز الممنهج والموروثات الثقافية التي تعوق تمكينها الحقيقي. 

وتابع أبو الحسن، في تصريحات لـ"جسور بوست"، على المستوى العالمي، تختلف معدلات مشاركة النساء في البرلمانات والمناصب العليا بين الدول، حيث توجد فروق واضحة بين الدول التي تبنّت سياسات فعالة لدعم المرأة، وبين تلك التي ما تزال ترى في تمكين المرأة تهديدًا للبنية التقليدية للمجتمع، إلا أن معظم الدراسات تشير إلى أن زيادة تمثيل النساء في صنع القرار ينعكس إيجابيًا على السياسات العامة، إذ تميل النساء إلى دعم التشريعات التي تهتم بالتعليم والصحة والمساواة الاجتماعية، ما يجعل إشراكهن في عملية الحكم ضرورة وليس مجرد ترف سياسي. 

وعن المجتمعات العربية، قال إن النساء تواجه تحديات مضاعفة عندما يتعلق الأمر بالمشاركة السياسية فعلى الرغم من إدراج نظام الكوتا في بعض الدول لضمان تمثيل نسائي أعلى، إلا أن هذه المقاعد لا تعني بالضرورة قدرة النساء على التأثير الحقيقي في صناعة القرار. في كثير من الأحيان يتم اختيار النساء اللواتي يتماشى خطابهن مع مصالح القوى المسيطرة، ما يحد من قدرة المرأة على إحداث تغيير جذري في السياسات التي تمسّ قضاياها، كما أن التمثيل العددي لا يعكس بالضرورة تحولًا ثقافيًا عميقًا في النظرة إلى أدوار النساء في السياسة، حيث ما تزال المرأة تواجه تمييزًا كبيرًا. 

وقال إن المجتمعات العربية ما تزال محكومة بتقاليد وأعراف ترسّخ الصورة النمطية للمرأة كمواطنة من الدرجة الثانية، وتعد مشاركتها السياسية أمرًا ثانويًا وليس حقًا أصيلًا، كما أن التحديات لا تقتصر على العراقيل القانونية فحسب، بل تمتد إلى نظرة المجتمع نفسه، حيث يتم التشكيك في قدرة المرأة على القيادة، وتُواجَه بعقبات اجتماعية تبدأ من الأسرة وتصل إلى بنية النظام السياسي نفسه، وهذا يؤثر سلبًا ليس فقط في النساء، بل على المجتمع بأسره، إذ يؤدي غياب المرأة عن صنع القرار إلى تهميش القضايا المتعلقة بها، ما يعزز عدم المساواة في مختلف المجالات، بما فيها الاقتصاد والتعليم والصحة. 

وأشار إلى أن التغيرات التي تشهدها المجتمعات العربية من أزمات سياسية وصراعات داخلية تلقي بظلالها الثقيلة على واقع المرأة، حيث تكون النساء الأكثر تأثرًا بتبعات هذه الأوضاع. في العديد من الدول التي تعاني النزاعات، تم تهميش مشاركة النساء تمامًا في عمليات السلام وصنع القرار، رغم أنهن الفئة الأكثر تضررًا من النزاعات، والأكثر قدرة على تقديم رؤى وسياسات مستدامة لتحقيق الاستقرار ومع تفاقم الأوضاع الأمنية، تتراجع الأولويات المرتبطة بحقوق المرأة، ويتم استخدام الاستقرار السياسي ذريعةً لتأجيل الإصلاحات المتعلقة بالمساواة. 

وأتم، في ظل هذه الظروف، يصبح من الضروري إعادة النظر في مدى نجاعة السياسات الحالية في تمكين المرأة سياسيًا، فالكوتا وحدها لا تكفي إذا لم يتم تعزيز وصول المرأة إلى مناصب صنع القرار بناءً على الكفاءة والاستحقاق كما يجب أن يصاحب هذا الأمر تغيير ثقافي عميق يبدأ من التعليم، مرورًا بتغيير السياسات الحزبية، وصولًا إلى خلق بيئة سياسية شاملة تستوعب النساء كقياديات وليس رقمًا تكميليًا في النظام السياسي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية