تحيز ترامب لإسرائيل.. دوافع خفية وتداعيات خطرة على حقوق الفلسطينيين

تحيز ترامب لإسرائيل.. دوافع خفية وتداعيات خطرة على حقوق الفلسطينيين
نتنياهو يلتقي بترامب في البيت الأبيض

يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إثارة الجدل بقرارات غير مسبوقة، رغم مرور نحو شهرين على ولايته الثانية، منحازًا بشكل واضح لتحقيق استقرار وأمن إسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين، ومُصرًا على خطط تهجير واسعة تتعارض مع القانون الدولي.

ويرى خبراء في الشؤون الأمريكية، تحدثوا في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن هذا الانحياز الصارخ لإسرائيل يعود إلى عدة عوامل، من بينها اعتبارها قاعدة أمريكية استراتيجية في المنطقة، والتأثيرات الدينية المتشددة، والسعي لاستقطاب دعم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة. وأكد الخبراء أن هذه السياسات تحمل تداعيات خطرة على حقوق الفلسطينيين، ولن تؤدي إلى تحقيق سلام حقيقي في المنطقة.

من جهته، يرى أكاديمي أمريكي من الحزب الجمهوري، أن إسرائيل تحظى بأفضلية واضحة خلال الأشهر الأولى من ولاية ترامب، مشددًا على أن الرئيس يسعى للحفاظ على الاستقرار ومنع اندلاع حرب في المنطقة، بما يتماشى مع استراتيجيته وشعاره "أمريكا أولًا".

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد صرح عقب تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة في 20 يناير الماضي، قائلًا: "أعتقد أن عملنا معًا من جديد سيرتقي بالتحالف الأمريكي-الإسرائيلي إلى مستويات غير مسبوقة".

التسلسل الزمني 

21 يناير: ألغى ترامب العقوبات التي فرضتها إدارة سلفه جو بايدن على جماعات وأفراد من المستوطنين الإسرائيليين من اليمين المتطرف، المتورطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.

في اليوم ذاته، أطلقت إسرائيل عملية عسكرية ضد الضفة الغربية تحت اسم "السور الحديدي"، دون أي اعتراض أمريكي أو مطالبات بوقفها حتى الآن، وسط تكرار الخطاب الإسرائيلي الذي يحمل أبعادًا دينية حول أهمية السيطرة على الضفة كجزء من مشروع "إسرائيل الكبرى".

25 يناير: دعا الرئيس الأمريكي إلى تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، مشيرًا إلى ضرورة استقبال الدولتين للفلسطينيين ضمن خطة طويلة الأجل، بحسب ما نقلته وكالة "رويترر".

وأضاف ترامب: "إنه موقع هدم بكل ما تعنيه الكلمة، لذا من الأفضل التعاون مع بعض الدول العربية لبناء مساكن جديدة حيث يمكن للفلسطينيين العيش بسلام"، مؤكدًا: "سنقوم فقط بتنظيف هذا المكان بالكامل".

وفي 27، 30، و31 يناير، كرر ترامب توقعه بأن توافق مصر والأردن على الخطة، رغم رفضهما لها رسميًا.

4 فبراير: قبيل اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، اقترح ترامب مجددًا نقل الفلسطينيين من غزة بشكل دائم.

وأوضح: "السكان هناك لا يملكون أي خيار سوى المغادرة، بعد الدمار الذي خلفه الهجوم العسكري الإسرائيلي، والذي أدى إلى تدهور الوضع الإنساني وسقوط عشرات الآلاف من القتلى".

وأكد للصحفيين: "أعتقد أنهم بحاجة إلى قطعة أرض جديدة وجميلة، وسنطلب من بعض الدول التبرع بالأموال اللازمة لبنائها"، متسائلًا: "لا أعرف كيف يمكنهم البقاء في غزة بعد الآن".

4 فبراير: خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو، صرح ترامب: "ستسيطر الولايات المتحدة على قطاع غزة... سنمتلكه وسنكون مسؤولين عن تفكيك جميع القنابل غير المنفجرة والأسلحة الخطرة في المنطقة".

وأضاف أن واشنطن ستطلب من الدول المجاورة، التي وصفها بأنها "ذات قلوب إنسانية وثروات كبيرة"، استقبال الفلسطينيين، مشيرًا إلى أن هذه الدول ستتحمل تكاليف إعادة إعمار غزة وإيواء الفلسطينيين بعد نقلهم، وعندما سُئل عن إمكانية إرسال قوات أمريكية إلى غزة، أجاب ترامب: "إذا كان ذلك ضروريًا، فسنفعل".

5 فبراير: أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، أن الفلسطينيين يجب أن "يُنقلوا مؤقتًا" لحين إعادة إعمار غزة. بدوره، صرح وزير الخارجية ماركو روبيو بأن التهجير سيكون "مؤقتًا". كما أوضحت ليفيت أن ترامب لم يتعهد بنشر "قوات على الأرض".

6 فبراير: كتب ترامب على مواقع التواصل الاجتماعي: "ستسلم إسرائيل قطاع غزة للولايات المتحدة عند انتهاء القتال، وسيكون الفلسطينيون قد أعيد توطينهم في مجتمعات أكثر أمانًا وحداثة، مع منازل جديدة"، مضيفًا أنه "لن تكون هناك حاجة إلى جنود أمريكيين".

6 فبراير: بالتزامن مع زيارة نتنياهو إلى واشنطن، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، مُعدًّا مواقفه "منحازة" و"معادية للسامية"، وفق ما صرح به خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو.

10 فبراير: في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، سُئل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن موقفه من حق الفلسطينيين في العودة وفق خطته، فأجاب: "لا، لن يكون لهم ذلك، لأنهم سيحصلون على مساكن أفضل بكثير". وأضاف: "أنا أتحدث عن بناء مكان دائم لهم".

11 فبراير: خلال لقائه بالعاهل الأردني في واشنطن، صرّح ترامب قائلًا: "ستكون غزة لنا. لا مبرر للشراء، لا يوجد شيء لنشتريه. إنها غزة، منطقة مزقتها الحرب. سنأخذها، سنحتفظ بها، وسنعتني بها"، فيما جدد العاهل الأردني معارضته لهذه التصريحات.

16 فبراير: أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية، الأحد، عن وصول شحنة قنابل ثقيلة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، بعد أن رفعت إدارة ترامب تعليقها الشهر الماضي.

تحالف إسرائيل والولايات المتحدة

وأوضح وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان رسمي أن "شحنة ذخائر MK-84 تمثل إضافة مهمة للقوات الجوية والجيش الإسرائيلي، وهي دليل إضافي على التحالف القوي بين إسرائيل والولايات المتحدة"، كما وجّه كاتس شكره للرئيس ترامب وإدارته على "دعمهم الثابت".

ويأتي إطلاق الإدارة الجديدة لشحنات القنابل الثقيلة بعد التراجع عن إحدى سياسات الرئيس السابق جو بايدن، الذي كان قد قيّد تسليم هذه القنابل البالغ وزنها 2000 رطل، خوفًا من استخدامها بشكل عشوائي في المناطق المكتظة بالسكان في غزة.

وفي 5 مارس، كرر دونالد ترامب تهديده لحركة "حماس"، مؤكدًا أنها ستواجه "الجحيم" إذا لم تقم بإطلاق سراح الأسرى وجثث الجنود الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة.

يُعد هذا التهديد الرابع الذي يوجهه ترامب ضد حماس، بعدما أطلق تهديدات مماثلة في ديسمبر، ويناير، وفبراير.

تحليل الأسباب والدوافع

ورأى عضو الحزب الديمقراطي الأمريكي، والباحث والمحلل السياسي، الدكتور مهدي عفيفي، أن "ترامب كان دائمًا منحازًا لإسرائيل منذ ولايته الأولى، حيث نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتعهد خلال حملته الانتخابية بإطلاق يد إسرائيل في الضفة الغربية ورفع العقوبات عن المستوطنين، وهو ما نفذه بالفعل".

وأكد عفيفي في تصريح لـ"جسور بوست"، أن "ترامب لا يعترف بحقوق الفلسطينيين، ولا يمكن أن يكون داعمًا لهم بأي شكل من الأشكال، إذ إنه لا يؤمن بفكرة الدولة الفلسطينية من الأساس، وبالتالي فإن قراراته تأتي في هذا السياق بشكل طبيعي".

وفي تفسيره لهذا الانحياز، يرى عفيفي، أن "ترامب ليس جادًا بشأن تحقيق السلام، فهو يركز على شعبيته السياسية بالدرجة الأولى، فضلًا عن أنه محاط بأكبر مجموعة صهيونية في تاريخ الإدارات الأمريكية، ولا يؤمن بحقوق الفلسطينيين. بل يسعى لتحقيق الطموحات الإسرائيلية الكبرى، في محاولة لإرضاء اليمين المتطرف".

ومضى مهدي عفيفي، قائلًا: "إن أي اتفاقات سلام قد يسعى إليها ستكون مشروطة بضمان مصلحة إسرائيل، حتى لو كان ذلك على حساب الفلسطينيين".

من جانبه، أوضح الأكاديمي المتخصص في الشؤون الأمريكية، الدكتور سعيد صادق، أن أسباب تحيز ترامب لإسرائيل متعددة، وأبرزها اعتبار الولايات المتحدة لإسرائيل قاعدة استراتيجية في المنطقة، وليس مجرد حليف استراتيجي، مشيرًا إلى أنه "لولا الدعم الأمريكي، لكانت إسرائيل قد انهارت بعد هجوم 7 أكتوبر 2023".

وأضاف صادق لـ"جسور بوست"، أن ثاني هذه الأسباب هو خضوع ترامب لضغوط اللوبي الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة، واتخاذ قرارات تخدم مصالحه السياسية، إلى جانب معتقداته الدينية التي تميل إلى اليمين المتطرف، وتسعى إلى تحقيق مشروع "إسرائيل الكبرى".

وأكد أن هذا التحيز ستكون له تداعيات خطرة على حقوق الشعب الفلسطيني، ولن يسهم في تحقيق أي سلام حقيقي في المنطقة في المستقبل القريب.

رؤية ترامب.. أمريكا أولًا

وفي المقابل، يعتقد أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن، وعضو الحزب الجمهوري الأمريكي، الدكتور نبيل ميخائيل، أن "ترامب جاد في وضع خطة لمنع اندلاع حرب بين إسرائيل وجيرانها، وحتى الآن، فإن سياساته تعطي أفضيلة واضحة لإسرائيل، بما يتماشى مع شعاره التقليدي: (أمريكا أولًا)".

وشدد ميخائيل في تصريح لـ"جسور بوست"، على أن "الحكم على توجهات ترامب في الشرق الأوسط يجب أن يتم من خلال تقييم سياسات إدارته على ضوء نتائج القمة العربية"، متوقعًا أن تشهد الفترة المقبلة "سجالًا طويلًا بين الدبلوماسية العربية والفلسطينية من جهة، وإدارة ترامب من جهة أخرى".

وأضاف أن "أكبر ورقة يمكن للدول العربية استثمارها هي منع إسرائيل من شن عدوان جديد على غزة، وتجنب الانجرار نحو حرب شاملة، ولا سيما أن هذا السيناريو يتعارض مع العقيدة السياسية لترامب في الشرق الأوسط والعالم".

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية