تونس في مواجهة المهاجرين.. هل تترنح الإنسانية بين ضوابط القانون وحدود المخيمات؟

تونس في مواجهة المهاجرين.. هل تترنح الإنسانية بين ضوابط القانون وحدود المخيمات؟
مهاجرون غير شرعيين - أرشيف

في خطوة تصعيدية لمواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية، بدأت السلطات التونسية في إخلاء المخيمات العشوائية التي كانت تأوي آلاف المهاجرين غير النظاميين، معظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء. 

وأُقيمت هذه المخيمات في بساتين الزيتون بمناطق العامرة وجبنيانة بولاية صفاقس، حيث تحولت إلى نقطة توتر مع السلطات المحلية بسبب ظروفها الإنسانية المتدهورة، وكذلك الضغوط الشعبية التي تصاعدت من خلال حملات على وسائل التواصل الاجتماعي، مطالبة بإبعاد المهاجرين.

يأتي هذا التحرك بعد تصاعد الدعوات على الشبكات الاجتماعية للحد من تواجد المهاجرين غير النظاميين في تونس، ما أدى إلى زيادة حالة الاستياء في القرى المجاورة. 

وأفاد المتحدث الرسمي باسم الحرس الوطني، حسام الدين الجبابلي، أنه منذ يوم الخميس الماضي، بدأت السلطات في إخلاء المخيمات، ما أسفر عن مغادرة نحو 4000 شخص من مخيم "الكيلو 24"، أحد أكبر المخيمات في المنطقة.

20 ألف مهاجر

وفقًا للجبابلي، يقدر العدد الإجمالي للمهاجرين المقيمين في المخيمات غير الرسمية بنحو 20 ألف شخص، هؤلاء المهاجرون نصبوا خيامهم في المناطق النائية، ما جعل ظروف الإقامة في المخيمات أكثر صعوبة في ظل البيئة المناخية القاسية. 

وتقع هذه المخيمات بعيدًا عن المرافق الأساسية مثل الرعاية الصحية، ما يزيد من معاناة المهاجرين ويعقد الوضع الصحي. وقد أشار الجبابلي إلى أن عمليات الإخلاء ستستمر في الأيام المقبلة، ما يثير القلق بشأن مصير آلاف الأشخاص المتبقين.

وتنسق السلطات التونسية مع الهلال الأحمر لإدارة عمليات الإخلاء؛ بهدف توفير الرعاية الإنسانية للمهاجرين الضعفاء، خاصة النساء الحوامل والأطفال. 

لكن رغم هذه الجهود، تبقى المشكلة الصحية الكبرى التي يواجهها المهاجرون في المخيمات، وهي تدهور الوضع الصحي بسبب التكدس، ونقص الإمدادات الطبية، والأخطار المرتبطة بانتشار الأمراض المعدية. 

ويعكس هذا الوضع التحديات الكبيرة التي تواجهها تونس في توفير الرعاية المناسبة لهذه الفئة في ظل الموارد المحدودة.

فوضى في المخيمات

في مخيم "الكيلو 24"، الذي كان يضم نحو 4000 مهاجر، شوهدت بقايا طعام، وأحذية، ومتعلقات شخصية ملقاة في أنحاء المخيم بعد أن تم إخلاؤه. 

وقال الجبابلي إنه تم إزالة المخيمات بشكل تدريجي، وهو ما يعكس رغبة السلطات في إنهاء حالة الفوضى التي كانت تسود المنطقة، خاصة أن العديد من المهاجرين كانوا قد استقروا في أراضٍ خاصة مثل بساتين الزيتون، ما أثار غضب السكان المحليين، وزاد من تصاعد الحملة ضد وجود المخيمات في تلك المناطق.

وتحت ضغط متزايد من الاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط، تواجه تونس تحديات كبيرة في التعامل مع الأزمة. 

وتسعى تونس لتخفيف تدفق المهاجرين عبر البحر نحو السواحل الإيطالية، في حين تمارس الدول الأوروبية، وخاصة إيطاليا، ضغطًا على السلطات التونسية لاتخاذ إجراءات أكثر فعالية. 

وتستقبل تونس، باعتبارها نقطة عبور رئيسة للمهاجرين إلى أوروبا، آلاف المهاجرين سنويًا، بما في ذلك أولئك الذين يسعون للوصول إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية.

العودة الطوعية

مع تزايد الجهود الدولية لتشجيع العودة الطوعية للمهاجرين، هناك مخاوف من أن هذه العودة لن تكون كافية لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير النظامية. 

وفي مارس 2024، دعا الرئيس التونسي قيس سعيد إلى تكثيف جهود المنظمة الدولية للهجرة لتوفير الدعم اللازم للمهاجرين الراغبين في العودة طواعية، ورغم هذه الجهود، لا تزال الأزمة تمثل تحديًا كبيرًا، خاصة في ظل الظروف الأمنية والاقتصادية في بلدانهم الأصلية.

ويشير تزايد أعداد المهاجرين غير النظاميين في تونس إلى ضرورة تبني حلول طويلة الأمد تأخذ في اعتبارها الظروف الاقتصادية والاجتماعية للمهاجرين. 

وفي حين تبدو التدابير الأمنية مثل الإخلاء والعودة الطوعية جزءًا من الحلول المتاحة، يجب أن يكون التركيز على تسوية أوضاع المهاجرين القانونية وتوفير فرص العمل والاندماج في المجتمع، أكثر فعالية على المدى الطويل. 

غياب الضمانات الإنسانية

قالت الإعلامية والناشطة الحقوقية التونسية ريم بن خليفة، إنها تتابع بقلق بالغ أوضاع المهاجرين غير النظاميين في مناطق مثل العامرة وجبنيانة بولاية صفاقس، حيث يشهد الوضع على الأرض تدهوراً إنسانياً مقلقاً في ظل عمليات الإخلاء التي تقوم بها السلطات. وأعربت بن خليفة عن خشيتها غياب ضمانات حقيقية لاحترام الكرامة الإنسانية في هذه العمليات، مشيرة إلى أن المشاهد التي توثقها المتابعة الميدانية تتنافى مع التصريحات الرسمية التي تصف هذه الإجراءات بأنها "سلمية".

وأكدت ريم، في تصريحات لـ"جسور بوست"، على أن الآلاف من المهاجرين تُركوا في العراء بعد تفكيك مخيماتهم المؤقتة، دون توفير بدائل سكنية لائقة أو أماكن إيواء تضمن لهم الحد الأدنى من مقومات الحياة. وأضافت: "ما نراه على الأرض لا يعكس وجود تدخل منظم أو دعم إنساني كافٍ. المهاجرون، وبينهم نساء حوامل وأطفال، يواجهون الجوع والبرد والعنف دون مظلة حماية أو خطة واضحة لتأمين حقوقهم".

وشددت بن خليفة، على أن الحق في طلب الحماية الدولية، الذي تضمنه المعاهدات الدولية، لا يُطبق على أرض الواقع في تونس كما يجب، مشيرة إلى أن معظم المهاجرين لا يتلقون أي إرشاد قانوني، ولا تُتاح لهم فرص تقديم طلبات لجوء أو حتى الطعن في قرارات الترحيل أو الإخلاء، في ظل غياب تام للمرافقة القانونية أو الترجمة. 

وأوضحت أن "هذا الخلل الجسيم في الضمانات القانونية يجعل من الصعب الحديث عن مسار قانوني نزيه أو شفاف، ويُعد خرقاً واضحاً للاتفاقات الدولية التي صادقت عليها تونس، خاصة اتفاقية جنيف لعام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين".

وحمّلت بن خليفة جزءاً من المسؤولية إلى ضعف حضور المنظمات الدولية والمجتمع المدني في الميدان، معدّة غياب التنسيق الفعال بين مختلف الفاعلين قد أسهم في تفاقم الأزمة، ورغم وجود بعض المبادرات الإنسانية التي تبذلها منظمات متفرقة، أكدت أنها لا ترتقي إلى مستوى الاستجابة المطلوبة في ظل اتساع رقعة الأزمة وتنوع احتياجات الفئات الهشة. 

وأضافت: "هناك ضرورة قصوى لتوفير وجود دائم في الميدان عبر فرق رصد مستقلة ومراكز حماية تُدار بالشراكة مع المجتمع المدني، الذي تم تهميشه في ملفات عدة، منها ملف الهجرة".

ودعت الحقوقية التونسية إلى تعزيز الشفافية في عمليات الإخلاء، وتمكين الصحفيين والمراقبين الحقوقيين من الوصول إلى المناطق التي يتم فيها ترحيل المهاجرين، وذلك لضمان ألا يُترك أي شخص وحيداً في مواجهة مصيره. 

وطالبت بتفعيل الآليات الوطنية لمراقبة حقوق الإنسان، مشيرة إلى أن الخطاب العنصري المتصاعد والممارسات التمييزية التي يتعرض لها المهاجرون الأفارقة في تونس باتت تهدد النسيج الاجتماعي وتنسف القيم الحقوقية التي تنادي بها الدولة.

وتابعت: "وقّعت تونس على الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في مواءمة الواقع مع هذه الالتزامات الدولية. لا يكفي التوقيع على المعاهدات، بل يجب أن تتجسد روح هذه الاتفاقات في السياسات والممارسات على الأرض".

وعبّرت ريم بن خليفة عن أملها في أن تتحول الأزمة الحالية إلى فرصة لإعادة تقييم السياسات المعتمدة تجاه المهاجرين، بما يضمن حماية حقوقهم ويصون كرامتهم. وقالت: "لا يمكن أن نواجه تحدياً بهذا الحجم بمقاربات أمنية فقط، بل نحتاج إلى رؤية شاملة ترتكز على المبادئ الإنسانية، وتضع الإنسان في صلب الاهتمام، بغض النظر عن جنسيته أو وضعه القانوني".

سيادة القانون وضمان الكرامة الإنسانية

قال فتحي قناوي، أستاذ دكتور كشف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، إن مسألة ترحيل المهاجرين غير النظاميين تخضع في جوهرها للقانون التونسي، الذي يفرض احترام السيادة الوطنية والدخول إلى البلاد عبر القنوات الشرعية، ورغم التزامها بالقانون، مطالبة بأن توازن بين إنفاذ قوانينها وبين احترام الكرامة الإنسانية، وهو مبدأ جوهري لا يمكن تجاوزه تحت أي ظرف.

وتابع قناوي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، عمليات الترحيل يجب أن تتم بطريقة منظمة تحفظ سلامة الأفراد وكرامتهم، لا أن تتحول إلى إجراءات قسرية تنتهك حقوق الإنسان، مضيفاً: "لا يمكن أن نتحدث عن ترحيل قانوني إذا ترافقت الإجراءات مع انتهاك لكرامة الإنسان في تلك الحالة، يصبح من واجب الدولة التدخل لتصحيح المسار وضمان المعاملة الإنسانية، انسجاماً مع ما تنص عليه المواثيق والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها تونس".

وشدد على أن الهجرة غير النظامية، التي تتم عبر التسلل والعبور غير القانوني، تخلق تحديات حقيقية للدولة، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني، ما يستوجب معالجة جذرية لا تكتفي بالترحيل فقط، بل تعيد النظر في سياسة الهجرة ككل، من منطلق المصلحة العامة واحترام السيادة القانونية للدولة.

وفي ما يتعلق بحق المهاجرين في تقديم طلبات اللجوء أو الطعن في قرارات الترحيل، أوضح قناوي أن هذا الحق لا يمكن ممارسته عندما يكون الدخول إلى البلاد غير مشروع، وكذلك الإقامة غير قانونية. وأكد أن القانون التونسي لا يمنح امتيازات قانونية للأشخاص الذين لم يسلكوا السبل الشرعية للدخول والإقامة.

وأشار إلى أن منظمات مثل الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر لها أدوار واضحة ومحددة في حالات النزاعات والحروب وأسرى الحروب، لكن في قضايا الهجرة غير النظامية، يتوقف تدخلها، على اعتبار ما إذا كانت الأولوية إنسانية بحتة، أو مرتبطة بظروف نزاع. وبالتالي، فإن مسؤولية الرعاية والمراقبة في هذا السياق تقع أولاً على الدولة ومؤسساتها، وفقاً لما يفرضه القانون الداخلي والمعايير الدولية.

وختم قناوي حديثه، بالتأكيد على ضرورة تطوير مقاربة أكثر توازناً، تضمن احترام سيادة الدولة وفي الوقت ذاته تكرّس المعاملة الإنسانية للمهاجرين، مهما كانت ظروف دخولهم أو إقامتهم.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية