«نيويورك تايمز»: تصريحات ترامب عن ولايته الثالثة تهدد الديمقراطية
«نيويورك تايمز»: تصريحات ترامب عن ولايته الثالثة تهدد الديمقراطية
أثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي أعلن فيها عن رغبته في السعي إلى ولاية ثالثة، تساؤلات حول مدى احترامه للنظام الدستوري الأمريكي، إذ يناقض هذا الطرح الموقف الذي استقر عليه الدستور الأمريكي عبر التعديل الثاني والعشرين، الذي يحدد فترات الولاية الرئاسية باثنتين فقط.
ووفقًا لتقرير نشرته "نيويورك تايمز"، الأحد، رغم ذلك، أصر ترامب على تقديم أفكار تتجاوز هذا التعديل في أكثر من مناسبة، ما يثير القلق بشأن توجهاته السياسية واحترامه للحدود التي يفرضها النظام الدستوري الأمريكي على السلطة التنفيذية.
وصدر التعديل الثاني والعشرون للدستور الأمريكي في عام 1951، وكان نتيجة مباشرة لولايتين متتاليتين طويلتين لفرانكلين ديلانو روزفلت، الذي أصبح أول رئيس أمريكي يشغل منصب الرئاسة لأكثر من فترتين، وهو ما حدث بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية لعام 1940 و1944، وعليه، كان التعديل الثاني والعشرون محاولة لضمان ألا يبقى أي رئيس في السلطة لمدة غير محدودة، بهدف الحفاظ على التوازن السياسي وتعزيز الديمقراطية في الولايات المتحدة.
يضع هذا التعديل حداً فاصلاً لعدد الولايات الرئاسية التي يمكن أن يتولاها شخص واحد في منصب الرئاسة، ليصبح الرئيس الأمريكي محصورًا في فترتين متتاليتين، كما لا يمكنه الترشح بعد انتهاء هاتين الفترتين.
ترامب يتجاهل القوانين
على الرغم من أن التعديل الثاني والعشرون يشكل ضمانة دستورية أساسية ضد الاستبداد السياسي والتوريث السياسي للسلطة، فإنه في أكثر من مرة صرح دونالد ترامب عن إمكانية الترشح لولاية ثالثة، وهو ما يعد تجاوزًا واضحًا لقيود الدستور.
وفي مناسبات عديدة، أكد ترامب أن فترة ولايته الأولى التي بدأت في يناير 2017 وانتهت في يناير 2021، إلى جانب محاولاته للفوز في انتخابات 2020، لم تُحتسب "كولاية كاملة"، معتبرًا أن هذا يمنحه حق الترشح مرة أخرى بشكلٍ غير محدود.
كما أشار إلى وجود "طرق" أو "ثغرات قانونية" قد تسمح له بالبقاء في منصب الرئيس لفترة أطول، وهو ما فتح الباب أمام الجدل القانوني حول نواياه المستقبلية.
تساؤلات حول الديمقراطية
رغم أن معظم الخبراء الدستوريين يؤكدون أن أي محاولة لتعديل التعديل الثاني والعشرون ستكون محكومة بالفشل، فإن تصريحات ترامب حول الترشح لولاية ثالثة لا تمر مرور الكرام، فحتى وإن كانت هذه التصريحات تبدو استفزازية أو مجرد تصريحات غير جدية، فإن تأثيرها في الواقع قد يكون عميقًا.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن نحو 60% من الأمريكيين يعارضون أي محاولة لتغيير القوانين الخاصة بعدد الولايات الرئاسية.
ومع ذلك، هناك مجموعة من مؤيدي ترامب الذين يعتقدون أن ترامب قد يكون له الحق في البقاء في السلطة أطول من المدة المقررة، بل وتطوير "نظام حكم طويل الأمد"، هذه التصريحات تثير التساؤلات حول تأثيرها في الشأن السياسي الأمريكي بشكل عام، وتثير قلقًا حول انتشار مشاعر التأييد المطلق للرئيس من دون مراعاة القوانين المؤسسية.
المخاطر السياسية والقانونية
رغم التحديات القانونية التي تواجه تصريحات ترامب، فإن الكثير من المراقبين يرون أن الخطاب الذي يروج له حول إمكانية تمديد فترة حكمه قد يكون له تأثير سلبي في النظام السياسي الأمريكي، حيث إن الديمقراطية الأمريكية تضمن التوازن بين السلطات عبر مجموعة من الآليات الدستورية، ولا تقتصر على انتخابات حرة فقط، بل تشمل أيضًا احترام السلطة السياسية للقوانين والحدود الدستورية، إذ إن التمسك بالشرعية الدستورية وتحديد مدة ولاية الرئيسين هو ما يحمي الدولة من احتمالية تحولها إلى حكم استبدادي.
في هذا السياق، لا يمكن تجاهل القلق الذي تثيره فكرة محاولة تعديل الدستور لتوسيع مدة الرئاسة، إذ يمكن أن تؤدي مثل هذه المحاولات إلى تقويض أسس الحكم الديمقراطي في الولايات المتحدة.
وإذا نظرنا إلى الأنظمة السياسية في العالم، فسنجد أن هناك العديد من الزعماء المستبدين الذين سعوا إلى تعديل دساتير بلادهم لتوسيع فترة حكمهم، على سبيل المثال، قامت بعض الحكومات في دول مثل روسيا وتركيا وبيلاروسيا بتغيير قوانين الانتخابات أو تعديل الدستور بشكل يسمح للقادة بالبقاء في السلطة لسنوات أطول من المدة التي يسمح بها النظام السياسي.
وفي السياق، يمكن مقارنة تصريحات ترامب بتلك المساعي التي تسعى إلى إلغاء القيود الدستورية على الولاية الرئاسية، وقد يكون من المفيد هنا النظر إلى هذه التجارب السابقة لفهم التحديات التي قد يواجهها ترامب في المستقبل في حال قرر محاولة تمديد فترته الرئاسية.
التأثير على التوازن السياسي
يجب على المراقبين السياسيين أخذ التصريحات المستمرة لترامب حول ولاية ثالثة في سياق التصعيد السياسي العام الذي يجري في البلاد، إذ إن مثل هذه التصريحات تسهم في خلق حالة من الانقسام بين الأطراف السياسية المختلفة في الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من رفض غالبية الناخبين لفكرة ولاية ثالثة، فإن الخطاب الذي يعتمده ترامب يمكن أن يعزز من شعبيته بين أنصاره الذين يرون فيه الزعيم القادر على تحدي النظام القائم، وتلك الفئة التي تشعر بأن النظام السياسي الأمريكي بحاجة إلى تغييرات جذرية.
ولا تشكل تصريحات ترامب حول إمكانية الترشح لولاية ثالثة تهديدًا فقط للنظام الدستوري في الولايات المتحدة، ولكنها تمثل أيضًا مؤشرًا على تصاعد التوتر السياسي في البلاد.
وقد تكون هذه التصريحات مجرد جزء من استراتيجية سياسية لكسب الدعم، لكنها أيضًا تثير التساؤلات حول حدود الديمقراطية الأمريكية وفاعلية النظام القانوني في منع الانحرافات السياسية، إذا استمرت مثل هذه الأفكار في الانتشار، فقد يكون لذلك تداعيات على مستقبل السياسة الأمريكية، ويزيد من تعميق الانقسامات داخل المجتمع الأمريكي.