"الغارديان": تآكل غير مسبوق في حرية التعبير بالولايات المتحدة خلال عهد ترامب

"الغارديان": تآكل غير مسبوق في حرية التعبير بالولايات المتحدة خلال عهد ترامب
متظاهر يرتدي العلم الأمريكي يرفع يديه في احتجاج بلوس أنجلوس

 

في قلب الديمقراطية الأمريكية، تظل حرية التعبير أحد أبرز وأقدم المبادئ الدستورية التي شكلت هوية الولايات المتحدة منذ تأسيسها فقد كرّس التعديل الأول للدستور الأمريكي هذه الحرية بوصفها حجر الزاوية لحقوق الإنسان، ضامنًا عدم تدخل الكونغرس في حرية الكلام أو الصحافة أو التجمع أو الدين. لكن رغم رسوخ هذا المبدأ، فإن القرن الحادي والعشرين يشهد جدالات قانونية وأخلاقية حادة حول مدى وحدود هذه الحرية في ظل التغيرات التكنولوجية والسياسية والاجتماعية.

حرية نظرية متنازع عليها عملياً

ينص التعديل الأول على أنه "لا يجوز للكونغرس سنّ قانون يحترم إقامة ديانة أو يمنع ممارستها بحرية، أو يحد من حرية الكلام أو الصحافة، أو حق الناس في التجمع السلمي"، ومن خلال قرارات سابقة للمحكمة العليا، تم توسيع نطاق الحماية ليشمل التعبير عن الآراء السياسية والفنية والدينية، حتى لو كانت صادمة أو مثيرة للجدل وفق ما أوردته الخميس صحيفة "الغارديان" البريطانية.

لكن في الواقع العملي، لا يُمنح هذا الحق بشكل مطلق، فقد وضعت المحكمة العليا الأمريكية استثناءات، منها التحريض على العنف، أو التهديد المباشر، أو التشهير، أو الخطب التي تثير الذعر العام مثل الصراخ "نار" في مسرح مزدحم دون سبب

 وذكرت الصحيفة أنه بينما تعهّد الرئيس دونالد ترامب بالانتقام من "الدولة العميقة" و"اليسار المستيقظ"، تشير تحركات إدارته في ولايته الثانية إلى تآكل غير مسبوق في حرية التعبير في الولايات المتحدة، وفقًا لتحذيرات خبراء وصحفيين ومنظمات حقوقية.

فقد شكّلت حرية التعبير أحد الأعمدة المركزية في خطاب حركة "ماغا" خلال ولاية الرئيس جو بايدن، حيث روّج أنصار ترامب لروايات تزعم وجود "مؤامرة يسارية" بالتعاون مع وزارة العدل لتكميم أفواه المحافظين، وأن "لا أحد يستطيع قول أي شيء بعد الآن" دون أن يُلغى أو يُلاحق.

لكن الآن، ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، بات التعديل الأول للدستور، الذي يضمن حرية التعبير، تحت تهديد متزايد، وفي مشهد عده مراقبون "سيرياليًا"، وقّع ترامب أمرًا تنفيذيًا يزعم أنه "يعيد" الحق في حرية التعبير، بينما كانت قوات من الحرس الوطني والمارينز تنتشر في شوارع لوس أنجلوس لقمع مظاهرات سلمية ضد سياسات الهجرة، وصفها مسؤولو الشرطة المحليون بأنها "تحت السيطرة".

ازدواجية في المعايير

رغم خطابه العلني بشأن الدفاع عن حرية التعبير، تتعرض شخصيات ومؤسسات للتهديد أو العقاب عند معارضتها للإدارة، شملت الإجراءات: اعتقال طالب من جامعة كولومبيا بعد احتجاج سلمي ضد الحرب في غزة ومحاولة ترحيله، إلغاء تأشيرات طلاب أجانب شاركوا في أنشطة مشابهة، وقطع التمويل الفيدرالي عن جامعة هارفارد بحجة دعمها لقضايا التنوع، كما تم تفكيك وزارة التعليم ووقف الدعم للمؤسسات التي تُروّج للتنوع والشمول.

كاثرين جاكوبسن، منسقة لجنة حماية الصحفيين، قالت وفقا لـ"الغارديان": "لا يمكن الدفاع عن حرية التعبير إذا لم تشمل حتى الآراء التي نختلف معها.. الخطر الحقيقي هو الانتقائية".

عودة القمع العسكري

ليست هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها ترامب أدوات الدولة لقمع الاحتجاجات. ففي عام 2020، استدعى الحرس الوطني لقمع احتجاجات جورج فلويد، فيما كشفت تقارير لاحقة أن مسؤولين عسكريين ناقشوا سرًا إطلاق النار على المتظاهرين.

واليوم، تتكرر الصورة: نشر عسكري واسع لمواجهة احتجاجات مدنية، ويصف إد أونجويسو، الباحث في مؤسسة Security in Context، هذا التصعيد بأنه جزء من خطة "لإعادة هيكلة الدولة الأمريكية لتناسب سياسات ماجا المبنية على القسوة والجشع"، حسب تعبيره.

الخطر يمتد لما بعد ترامب

القلق الأكبر، بحسب كونور فيتزباتريك من مؤسسة الحقوق الفردية والتعبير، أن ترامب لا يضع سابقة تُقيّد حريّة معارضيه فقط، بل يُرسّخ أدوات قمع قد تُستخدم لاحقًا من أي إدارة مستقبلية، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية.

يقول فيتزباتريك: "كل انتهاك لحرية التعبير اليوم هو سلاح قد تستخدمه الإدارة القادمة التي لا تحبّها ضدك غدًا".

ورغم أن حرية التعبير في الولايات المتحدة لا تزال نموذجًا عالميًا يُحتذى في كثير من الدول، فإنها تواجه اليوم أخطر تحدياتها في الداخل: من منصات التكنولوجيا، إلى السياسات الأمنية، إلى صعود خطاب الكراهية والتضليل، إنها حرية محمية دستوريًا، لكنها تحتاج اليوم إلى توازن جديد بين الحماية القانونية والوعي المجتمعي، كي لا تتحول من درع للديمقراطية إلى سلاح ضدها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية