سياسات ترامب في 100 يوم.. كيف أثر تقليص التمويل على حقوق الإنسان بمناطق النزاع؟
سياسات ترامب في 100 يوم.. كيف أثر تقليص التمويل على حقوق الإنسان بمناطق النزاع؟
في يناير الماضي، عاد دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية مرة أخرى، وفي جعبته مجموعة من السياسات المثيرة للجدل والتي لم تقتصر على الداخل الأمريكي فقط، بل كان لها تأثير واسع على العلاقات الدولية وقضايا حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم.
من التقليص الكبير في المساعدات المالية إلى الضغوط السياسية التي مارستها إدارته على مؤسسات عالمية، كانت سياسات ترامب تتمحور حول مبدأ "أمريكا أولًا"، في تكرار لما حدث خلال ولايته الأولى، إلا أن هذه المرة حملت تأثيرات أكبر على النظام الدولي، وخاصة في مجالات حقوق الإنسان.
ومع بداية ولايته الثانية، بات واضحًا أن إدارة ترامب لا تنوي الانخراط بشكل فعال في العديد من القضايا الدولية التي كانت الولايات المتحدة تاريخيًا تلعب فيها دورًا قياديًا.
وأعادت إدارة ترامب التأكيد على قراراتها السابقة بوقف الدعم المالي للعديد من المنظمات الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية، ومنظمة الصحة العالمية، والأمم المتحدة، كما أوقفت الولايات المتحدة مساهماتها في منظمة التجارة العالمية، وهي خطوة سبق أن قامت بها في 2019 عبر تعليق مساهماتها في الهيئات القضائية التابعة للمنظمة.
وفي مارس الماضي، أكد تقرير نشرته "رويترز" أن ترامب أوقف التمويل السنوي المخصص لمنظمة التجارة العالمية، التي تقدر ميزانيتها السنوية بنحو 210 ملايين دولار أمريكي، وكان من المقرر أن تسهم الولايات المتحدة بما يقارب 11% من هذه الميزانية، إلا أن إدارة ترامب قررت تعليق تلك المساهمات في خطوة جاءت في سياق حملة شاملة لتقليص الإنفاق الحكومي الأمريكي.
وأسفرت هذه الخطوة عن أزمة في النظام القضائي لمنظمة التجارة العالمية، التي فقدت عددًا من القضاة المهمين بعد أن منعت واشنطن تعيين قضاة جدد في المحكمة العليا لهذه المنظمة، ما أثر على قدرة المنظمة على التعامل مع النزاعات التجارية الدولية.
التراجع عن الالتزامات الدولية
في حين كانت الولايات المتحدة تدافع عن مصالحها في الساحة العالمية، فإن العديد من الانسحابات من المنظمات الدولية أثارت تساؤلات بشأن انتهاكها لالتزاماتها الدولية، حيث قررت إدارة ترامب سحب دعمها من منظمة الصحة العالمية، وهو القرار الذي كان له عواقب وخيمة.
وكانت مواقف ترامب تجاه قضايا إنسانية رئيسية محورًا آخر من محاور السياسة الخارجية التي أثارت الجدل، وخاصة في قضايا فلسطين واليمن.
وشهدت العلاقات الأمريكية الصينية توترًا مستمرًا منذ بداية الولاية الثانية لترامب، حيث أضافت الإدارة الأمريكية المزيد من الرسوم الجمركية على الواردات الصينية، كما فرضت عقوبات على شركات تكنولوجيا صينية، مما تسبب في تصعيد التوترات بين أكبر اقتصادين في العالم، ما أثر على المفاوضات التجارية والتعاون في قضايا حقوق الإنسان.
ولعب الإعلام العالمي دورًا مهمًا في تسليط الضوء على السياسات الأمريكية تحت إدارة ترامب، حيث قام بالكشف عن التداعيات الإنسانية والحقوقية لهذه السياسات، حيث تناولت العديد من الصحف الكبرى في العالم، مثل "الغارديان" و"نيويورك تايمز"، الانسحابات الأمريكية من المنظمات الدولية، وأثر ذلك على الدور القيادي للولايات المتحدة في الحفاظ على النظام العالمي القائم على حقوق الإنسان.
وأظهرت التحقيقات الاستقصائية كيف ساهمت هذه السياسات في تقويض التقدم الذي أحرزته المنظمات الدولية في مجالات مثل القضاء على الفقر، والتنمية المستدامة، والتعامل مع الأزمات الصحية العالمية.
وتعرضت إدارة ترامب لانتقادات واسعة من قبل الإعلام الدولي بشأن موقفها من فلسطين واليمن، حيث تم توثيق المعاناة الإنسانية في هاتين المنطقتين وإظهار الدور الأمريكي في تفاقم الأزمات، هذا بالإضافة إلى تغطية الدور الكبير الذي لعبته الصين في تغيير موازين القوى الاقتصادية في العالم، وهو ما أصبح محورًا رئيسيًا في التقارير الدولية.
تأثير تقليص التمويل
أكد محمد عبد الناصر، أحد سكان غزة، أن الوضع الحالي للمؤسسات الدولية في مناطق النزاع، بما في ذلك فلسطين، يعكس تأثيرات كبيرة جراء القرارات السياسية التي اتخذتها بعض القوى الكبرى.
وأضاف عبد الناصر، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن تقليص الميزانيات من قبل الولايات المتحدة لمؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الأخرى جاء بمثابة "هدية" لإسرائيل، حيث ساهم في تقليص التزامات هذه المؤسسات تجاه القضايا الإنسانية، وبالتالي أثر بشكل مباشر على العمل الحقوقي في مناطق الصراع.
وأوضح أن هذا التقليص في التمويل ألحق الضرر بشكل خاص بمؤسسات الضمير ومنظمات حقوق الإنسان العاملة في الضفة الغربية، حيث أثر على قدرتها على تقديم خدماتها الأساسية والمهمة في تلك المنطقة، وأدى هذا القرار إلى إضعاف دور هذه المؤسسات، حيث تعطلت بعض البرامج الإنسانية والحقوقية التي كانت تقدمها، مما يزيد من معاناة السكان.
أما في غزة، فقد أشار عبد الناصر إلى أن المؤسسات الحقوقية، سواء كانت أممية أو أمريكية، لا تزال تعمل بنفس الكفاءة، ولكن مع ذلك فإن تأثير القرار السياسي كان واضحًا، حيث إن هذه المؤسسات كانت أكثر تأثرًا بالضغوط السياسية التي تواجهها، وليس بالقرار المتعلق بتقليص الميزانية. ورغم استمرار هذه المؤسسات في أداء عملها، إلا أن القرار السياسي الأمريكي ساهم في تعقيد ظروف عملها وفرض تحديات إضافية أمام جهودها الإنسانية والحقوقية في هذه المناطق.
وأكد عبد الناصر الدور المهم الذي يلعبه الإعلام العالمي في تسليط الضوء على هذه القضايا، وكشف تأثيرات السياسات الأمريكية على العمل الحقوقي في المناطق المتضررة، مشيرا إلى أن الإعلام يجب أن يكون حريصًا على عدم التدخل في نشاطات هذه المؤسسات وقراراتها، وأنه من الضروري أن يتم التأكيد على استقلالية المؤسسات الحقوقية ودعمها لمواصلة عملها الحيوي في ظل الأوضاع المعقدة.
وشدد عبد الناصر على أهمية دعم المؤسسات الحقوقية في مختلف المناطق، مؤكدًا أن استمرار تقديم الدعم المالي والسياسي لهذه المؤسسات هو أمر بالغ الأهمية لضمان استمرار جهودها في حماية حقوق الإنسان وتخفيف معاناة الشعوب في مناطق النزاع.
التأثير على حقوق الإنسان
قال الإعلامي اليمني صادق القدمي: "عندما نتحدث عن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه المؤسسات والمنظمات الدولية، فإننا لا نتحدث عن خلافات سياسية عابرة، بل عن تحولات عميقة أثرت بشكل كبير على البنية الأخلاقية للنظام الدولي بأكمله، لقد تعاملت الولايات المتحدة مع هذه المؤسسات، مثل الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، ليس كشريك ملتزم بالمسؤوليات الدولية، بل باعتبارها أداة تابعة للسياسات الأمريكية، وهو ما تجلى في العديد من القرارات، مثل فرض تخفيضات مالية ضخمة على ميزانيات الأمم المتحدة، وخصوصًا في برامجها الإغاثية التي كانت تستهدف مناطق الأزمات في العالم، ومنها اليمن".
وأضاف القدمي، في تصريحات لـ"جسور بوست"، "سياسات ترامب لا تقتصر على التأثير في المؤسسات الدولية فحسب، بل كانت لها تداعيات خطيرة على حياة الناس في اليمن، في ظل ما تعيشه بلادنا من معاناة كبيرة بسبب الانقلاب الحوثي الذي دمر كل شيء، جاءت هذه السياسات لتزيد من معاناتنا، فقد أثر التخفيض الكبير في دعم المنظمات الدولية على قدرة هذه المؤسسات على تقديم المساعدات الإنسانية الضرورية، على سبيل المثال، تقلصت برامج الغذاء بشكل خطير، وتراجعت قدرة منظمة الصحة العالمية على دعم القطاع الصحي الذي انهار في معظم المناطق اليمنية نتيجة الحرب".
وتابع القدمي، قائلاً: "من الواضح أن إدارة ترامب لم تكتفِ بالانسحاب من مؤسسات دولية مهمة مثل منظمة الصحة العالمية، بل قامت أيضًا بالانسحاب من اتفاقيات دولية رئيسية، مثل اتفاق باريس للمناخ، ومن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. هذه القرارات لم تكن مجرد خيارات سيادية أمريكية كما تم تسويقه، بل كانت أخطاء فادحة تمثل تمردًا على قواعد القانون الدولي، وانتهاكًا صريحًا لالتزامات الولايات المتحدة تجاه المجتمع الدولي، فهذه الانسحابات أضعفت الجهود الدولية في العديد من القضايا الحيوية، وأثرت سلبًا على الأمن الإنساني في مناطق الأزمات".
وقال القدمي: "على الرغم من الإنجاز الذي تحقق في اليمن من خلال تصنيف المليشيات الحوثية كمنظمة إرهابية أجنبية، فإن هذه السياسات لم تكن كافية للحد من الاستمرار المروع للمليشيات الحوثية في تنفيذ مشروعها الانقلابي، إذ استغلت هذه المليشيات حالة الضعف الدولي لتوسيع نفوذها وارتكاب المزيد من الانتهاكات بحق اليمنيين، في ظل غياب الدعم الكافي من المجتمع الدولي".
وعن دور الإعلام في تغطية هذه السياسات، قال القدمي: "لقد كان الإعلام العالمي في موقف صعب خلال هذه الفترة، وعلى الرغم من محاولات بعض المؤسسات الإعلامية الحرة لفضح هذه السياسات، فإن الضغط السياسي والمالي الكبير على وسائل الإعلام جعل من مساحة النقد محكومة، وصعّب من مهمة كشف حقيقة هذه السياسات وتداعياتها، ومع ذلك، لا يزال هناك أصوات حرة في الإعلام العالمي، تنقل للعالم حقيقة ما يجري، خصوصًا في فلسطين واليمن، حيث الكوارث الإنسانية في تصاعد مستمر، ما يعكس فشل المجتمع الدولي في معالجة هذه الأزمات".
وختم القدمي تصريحه قائلاً: "اليوم، ونحن نشهد المزيد من الصراعات والكوارث حول العالم، أصبح من الضروري أن نستعيد صوت الشعوب المقهورة، وأن نعيد الاعتبار للحق الإنساني بعيدًا عن منطق الهيمنة والنفوذ، فنحن، كيمنيين وفلسطينيين، أصحاب قضايا عادلة، سنظل نرفع أصواتنا مطالبين بحقنا في الحياة الكريمة، في الحرية، وفي السلام الحقيقي، وليس السلام المفروض بقوة السلاح أو المصالح السياسية، نحن نصر على أن تكون حقوقنا جزءًا من القيم الإنسانية، وليس مجرد رهينة لمصالح القوى الكبرى".