القضاء الأمريكي في خطر.. أوامر ترامب وسياساته تهدد نزاهة واستقلالية السلطة القضائية

القضاء الأمريكي في خطر.. أوامر ترامب وسياساته تهدد نزاهة واستقلالية السلطة القضائية

مع مرور 100 يوم على عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى رئاسة الولايات المتحدة، يتصاعد الجدل حول تأثيره في منظومة العدالة الأمريكية، حيث تثار تساؤلات حادة بشأن استقلالية القضاء ونزاهته، ويتراوح هذا التأثير بين تعيين قضاة موالين لتيار اليمين، مرورًا بإصدار أوامر تنفيذية تعدّ تجاوزًا لصلاحياته الرئاسية، وصولًا إلى محاولات التأثير في السلطة القضائية، ما يعكس تغيّرًا عميقًا في المشهد السياسي الأمريكي.

ومنذ بداية فترة رئاسته، تبنّى ترامب استراتيجية لتغيير تركيبة القضاء بما يتماشى مع رؤيته السياسية. كانت التعيينات القضائية، خصوصًا في المحكمة العليا، أبرز تجليات هذه الاستراتيجية، وتمكن ترامب من تعيين ثلاثة قضاة في المحكمة العليا، هم نيل غورساتش، بريت كافانو، وآمي كوني باريت، هذه التعيينات أحدثت تحولًا جذريًا نحو اليمين في المحكمة، وهو ما أثار مخاوف بشأن تأثير هذه التعيينات على القضايا الاجتماعية والحقوق المدنية، مثل حقوق المرأة والهجرة.

وبحسب دراسة أجرتها مؤسسة "بالوت كوليدج" عام 2020، تم تعيين أكثر من 200 قاضٍ في محاكم الاستئناف الفيدرالية، ما شكل تحولًا غير مسبوق في السياسة القضائية الأمريكية، ويعتبر البعض أن هذه التعيينات كانت تهدف إلى دعم سياسات ترامب، مثل تقويض حقوق المرأة أو تعزيز سياسات الهجرة المتشددة.

سلسلة من الأوامر التنفيذية 

شهدت الـ 100 يوم الأولى من فترة رئاسة ترامب الحالية إصدار سلسلة من الأوامر التنفيذية التي أثارت تساؤلات حول مدى دستوريتها وتجاوزها للصلاحيات الرئاسية، وأحد أبرز الأمثلة على ذلك كان الحظر الذي فرضه على السفر من بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، وهو قرار وصفته المحكمة العليا في نهاية المطاف بأنه دستوري رغم المعارضة الواسعة، ورأى منتقدو ترامب أن هذه الأوامر كانت محاولة للتحايل على السلطة التشريعية وتجاوز المبادئ الدستورية التي تحد من صلاحيات الرئيس.

وطالت الأوامر التنفيذية سياسات الهجرة، مثل بناء جدار على الحدود مع المكسيك، وهو ما اعتبره البعض محاولة لتجاوز دور الكونغرس في صياغة السياسات العامة، كما شهدت الـ 100 يوم الأولى من فترة رئاسته محاولات لإلغاء برامج اجتماعية، مثل برنامج "DACA"، الذي كان قد أسس خلال رئاسة باراك أوباما، ما أدى إلى انقسام عميق في المجتمع الأمريكي.

وواجه ترامب انتقادات حادة عندما حاول التأثير على قرارات القضاة الفيدراليين الذين تعاملوا مع قضايا تخصه، مثل التحقيقات الخاصة بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية، كانت محاولاته لتشويه سمعة القضاة وتوجيه انتقادات لاذعة لهم، مثل القاضي جون سالينغر، قد أثارت قلقًا بشأن نزاهة القضاء، كما حاول ترامب التأثير على التحقيقات الفيدرالية بقيادة روبرت مولر، ما دفع الخبراء القانونيين إلى التحذير من أن هذا يشكل تهديدًا لاستقلال القضاء وتهديدًا لسيادة القانون.

إرث ترامب القضائي

يخشى البعض من أن إرث ترامب القضائي سيشكل تهديدًا طويل الأمد على مبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء، تعييناته في المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف قد تؤثر في السياسة القضائية الأمريكية لعقود قادمة، ورغم تصدي المحكمة العليا في بعض القضايا لأوامر ترامب، يرى البعض أن التأثير السياسي على القضاة قد يضعف قدرتهم على اتخاذ قرارات محايدة.

ومن جهة أخرى، يعتقد مؤيدو ترامب أن هذه التعيينات تعكس توازنًا صحيحًا بين تشريعات اليسار التي قد تفرط في منح الحقوق على حساب الأمن القومي، ولكن، لا يزال النقاش قائمًا حول مدى تأثير هذه التعيينات في العدالة وحماية الحقوق الأساسية.

تغول السلطة التنفيذية

أكد أستاذ القانون الدولي مصطفى سعداوي، أن النظم الديمقراطية تعتمد في تنظيمها على ثلاثة أعمدة رئيسية، هي: السلطة التنفيذية، السلطة التشريعية، والسلطة القضائية، حيث يفصل بينها بشكل دقيق ومتوازن لضمان حسن سير الأمور في الدولة، والفصل بين هذه السلطات ليس مجرد مبدأ قانوني، بل هو أساس جوهري لحفظ التوازن بين مختلف أذرع السلطة، ما يضمن أن كل جهة تقوم بدورها المحدد دون تجاوز أو تضارب مع دور غيرها، فالسلطة التشريعية تتحمل مسؤولية وضع القوانين، في حين تتحمل السلطة القضائية مسؤولية تفسير القوانين وتنفيذها، وتأتي السلطة التنفيذية لتنفيذ هذه القوانين بشكل فعلي.

وأشار سعداوي، في تصريحات لـ"جسور بوست"،  إلى أنه قد يحدث أحيانًا أن تتدخل السلطة القضائية في عمل السلطة التشريعية، ليس عبر إلغاء القوانين، بل من خلال التأكد من مدى توافق هذه القوانين مع الدستور في المقابل، تقع على عاتق السلطة التنفيذية مهمة تنفيذ القوانين وأحكام القضاء إلا أن الفترة الأخيرة في الولايات المتحدة شهدت نمطًا من التوسع والتغول من قبل السلطة التنفيذية على حساب القضاء، ما أدى إلى خلق صراع متصاعد بينهما فقد كانت بعض القرارات التنفيذية تصدر دون عرضها على القضاء، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى احترام مبدأ الفصل بين السلطات.

واستعرض سعداوي، مثالًا على هذا التوتر بين السلطتين التنفيذية والقضائية، إذ أصدر الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في شهر مارس الماضي قرارًا يقضي بترحيل أكثر من 250 شخصًا بدعوى أنهم خالفوا قانون الأعداء الذي صدر منذ أكثر من 250 عامًا، ورغم حكم القضاء الأمريكي بوقف تنفيذ القرار، معتبرًا أنه يمس حقوق المواطنة ويخالف المبادئ الدستورية التي تحمي حقوق الأفراد، أصر ترامب على تنفيذ الترحيل بالفعل، متجاهلًا حكم المحكمة. هذا الحادث كشف عن تغول السلطة التنفيذية على القضاء، في وقت حساس يعاني فيه المجتمع الأمريكي من حالة انقسام سياسي حاد، وتصاعدت معه المنازعات القانونية بين القضاء وإدارة ترامب.

وأضاف سعداوي، أن ترامب أصدر أيضًا قرارًا بتقنين منح الجنسية للأشخاص المولودين على الأراضي الأمريكية من أمهات أجنبيات، وهو ما اعتبره العديد من الخبراء تغولًا على السلطة القضائية، وهذا القرار فتح الباب لمنازعات قانونية مستمرة بين إدارة ترامب والقضاء الفيدرالي، الذي يعتبر نفسه الجهة المسؤولة عن حماية الحقوق الدستورية، وحسب ما يشير إليه التاريخ القضائي الأمريكي، لم تتم محاكمة أكثر من 15 قاضيًا فيدراليًا إلا في قضايا جنائية بالغة الخطورة، مثل قضايا الاختلاس والتزوير والرشوة، ولكن لم يتم إيقافهم عن عملهم إلا في حالات نادرة.

وأشار إلى أن إدارة ترامب كانت تسعى إلى فرض سيطرتها على القضاء الأمريكي من خلال ممارسات قانونية تصب في مصلحة أهدافه السياسية، حيث كان يتخذ من كل قانون أداة لتحقيق سياساته الداخلية، حتى وإن تسببت هذه السياسات في الاصطدام بالقضاء. 

وأضاف سعداوي، أن ترامب كان يسعى بشكل دائم إلى عزل بعض القضاة الذين كانوا يصدرون أحكامًا ضد قراراته، خاصة تلك التي تتعلق بقضايا الهجرة أو حقوق الإنسان.

وأوضح أن هذا النهج الذي تبنته إدارة ترامب لا يعكس فقط تجاوزًا لحدود السلطة التنفيذية، بل يشير إلى محاولات مستمرة للضغط على السلطة القضائية من خلال وسائل مختلفة، في محاولة للتأثير على نزاهتها واستقلالها، ورأى أن ما يقوم به ترامب من فرض هيمنة على القضاء يعد انتهاكًا صارخًا للدستور الأمريكي، حيث يهدد ذلك مبدأ الفصل بين السلطات، الذي يعد أحد الركائز الأساسية للنظام الديمقراطي الأمريكي.

وفي الختام، أكد سعداوي، أن تجاوزات السلطة التنفيذية في عهد ترامب شكلت تهديدًا خطِرًا للعدالة ولحقوق الأفراد في الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن ما كان ينبغي أن يكون مجرد اختلاف بين السلطات قد تحول إلى أزمة قانونية تؤثر في الاستقلالية القضائية وتعرض النظام القانوني الأمريكي إلى تقويضات غير مسبوقة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية