اليوم العالمي لحرية الصحافة 2025.. دعوة لحماية الحقيقة في عصر خوارزميات التزييف
يُحتفل به في 3 مايو من كل عام
يحتفي العالم في الثالث من مايو من كل عام، باليوم الدولي لحرية الصحافة، ويأتي احتفال هذا العام 2025 تحت شعار: "صحافة حرّة ومستقلة في زمن الذكاء الاصطناعي، حيث اختارت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) هذا العنوان ليعكس قلقاً متنامياً إزاء التأثير العميق للتقنيات الحديثة، ولا سيما الذكاء الاصطناعي، على واقع الصحافة ومصداقية المعلومات.
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم منذ عام 1993 استجابة لإعلان ويندهوك التاريخي الصادر عن صحفيين أفارقة عام 1991، والذين دعوا إلى حرية واستقلال وتعددية الإعلام في العالم، ومنذ ذلك الحين، تحول اليوم إلى محطة سنوية لتقييم حالة حرية الصحافة في مختلف أنحاء العالم، ولتكريم الصحفيين الذين دفعوا حياتهم ثمناً لنقل الحقيقة.
ودقّ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ناقوس الخطر، مؤكداً أنّ الصحافة الحرة تتعرض لتهديدات غير مسبوقة، في وقت يحتاج فيه العالم إلى الحقائق الموثوقة أكثر من أي وقت مضى، وعد الذكاء الاصطناعي قادراً على أن يكون قوة إيجابية في تعزيز العمل الصحفي، لكنه في الوقت نفسه يمكن أن يستخدم بشكل ضار لنشر المعلومات المضللة أو المراقبة غير القانونية للصحفيين.
وشدد غوتيريش على أن "المعلومات الدقيقة هي أفضل أدواتنا لنزع فتيل الألغام المعلوماتية التي تهدد الوعي الجمعي"، ودعا جميع الحكومات إلى الالتزام بمبادئ الشفافية وحماية حرية التعبير كركيزة أساسية لأي مجتمع ديمقراطي.
الصحافة ضمانة للحقوق
من جانبه، حذّر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك من أن التغيرات المناخية والنزاعات المسلحة والرقمنة السريعة كلها عوامل تهدّد استقلالية وسائل الإعلام، وأوضح أن تقاعس الحكومات في التصدي لهذه التحديات يهدد الحريات الأساسية كافة، لأن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي آلية مجتمعية لحماية الحقوق وضمان العدالة.
طالب تورك بتمكين المؤسسات الإعلامية من العمل دون خوف أو تدخل سياسي أو اقتصادي، ودعا إلى تعزيز بيئات العمل الآمنة للصحفيين، ولا سيما النساء والمراسلين المستقلين، الذين يتعرضون لأخطار مضاعفة في مناطق النزاع أو تحت أنظمة الحكم القمعية.
جائزة “غييرمو كانو”
منحت اليونسكو هذا العام جائزة غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة لصحيفة "لا برينسا" النيكاراغوية، التي واصلت العمل رغم مصادرة ممتلكاتها وطرد صحفييها إلى المنفى، حيث تمكنت الصحيفة من إعادة تنظيم نفسها خارج البلاد، ونقلت مقرها إلى دول مثل كوستاريكا وإسبانيا والولايات المتحدة، لتواصل نقل الأخبار لشعبها تحت شعار: "لا بد للضوء من أن ينتصر".
قال رئيس لجنة التحكيم الدولية للصحافة، الصحفي الياباني ياسوومي ساوا: "لا برينسا لم ترفع الراية البيضاء.. حافظت على شعلة الحرية متقدة رغم التهديدات والملاحقة، وهي تمثل مثالاً فريداً على صمود الصحافة في وجه الأنظمة القمعية".
دعم اليونسكو للصحفيين
حرصت منظمة اليونسكو على تقديم الدعم العملي للصحفيين في مناطق النزاع أو القمع السياسي، وأطلقت مبادرات لإنشاء ملاجئ آمنة في بلدان مثل السودان وأفغانستان وأوكرانيا، حيث توفر هذه المراكز التدريب والدعم النفسي والحماية الجسدية.
كما موّلت المنظمة برامج طبية وصحية ومالية للصحفيين المنفيين، بما يتيح لهم الاستمرار في أداء مهامهم من الخارج.
علاوة على ذلك، درّبت اليونسكو أكثر من 20 ألف صحفي وصحفية في مجالات السلامة المهنية والتغطية الأخلاقية ومكافحة خطاب الكراهية، وساهمت في صياغة قوانين لحماية حرية التعبير بالتعاون مع 32 دولة في عام 2024 وحده، وذلك ضمن خطة الأمم المتحدة لسلامة الصحفيين ومكافحة الإفلات من العقاب.
تحديات الذكاء الاصطناعي
أحدثت أدوات الذكاء الاصطناعي تحولاً جذرياً في طريقة إنتاج المحتوى الإعلامي، إذ أسهمت في تسريع تحليل البيانات، وتحسين التفاعل مع الجمهور، لكن بالمقابل، فتحت هذه الأدوات الباب أمام التضليل العميق، المعروف بـ"التزييف العميق" (Deepfake)، فضلاً عن تصميم خوارزميات تحابي محتوى معيناً وتهمّش آخر.
اعتبرت اليونسكو أن خطر استخدام الذكاء الاصطناعي في مراقبة الصحفيين يشكّل تهديداً مباشراً على حرية العمل الإعلامي، خصوصاً في الدول التي توظّف التقنيات الحديثة في ملاحقة المعارضين وفرض الرقابة على الصحف والمواقع.
الابتكار وحقوق الإنسان
دعت الأمم المتحدة إلى اعتماد قوانين دولية واضحة تحكم استخدام الذكاء الاصطناعي، وتضمن ألا تُستخدم هذه التقنيات في تقويض حرية التعبير أو مراقبة الصحفيين دون مبرر قانوني، وطالبت بإشراك المؤسسات الإعلامية في صياغة هذه التشريعات، لضمان توافقها مع واقع العمل الصحفي وأخلاقياته.
حذّرت المنظمات الحقوقية من أن تزايد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى استبدال الصحفيين بأدوات آلية، ما يقلل من جودة المحتوى ويزيد من فرص التلاعب، ورأت أن الحل يكمن في تطوير هذه الأدوات بشكل مسؤول يخدم الحقيقة، لا يشوّهها.
حرية الصحافة ليست امتيازاً
جددت الأمم المتحدة دعوتها للدول والمؤسسات لحماية الصحافة باعتبارها ركيزة لا غنى عنها لأي نظام ديمقراطي، وأكدت أن حرية الكلمة ليست ترفاً ولا امتيازاً بل حقاً جوهرياً يكفل كشف الانتهاكات، ويدعم المشاركة المجتمعية، ويرتقي بالمحاسبة والشفافية.
في يومها العالمي لعام 2025، تقف الصحافة عند مفترق طرق بين التقدم التكنولوجي والانحدار القيمي، بين تعزيز الحقيقة أو تغليب التضليل. ويبقى مستقبلها مرهوناً بإرادة جماعية تدافع عن الكلمة الحرة، وتحصّنها من الانتهاك والتهميش.