هنري دافيسون.. الرجل الذي وحد "الصليب والهلال" وجمع ملايين المتطوعين لبناء عالم أكثر إنسانية
هنري دافيسون.. الرجل الذي وحد "الصليب والهلال" وجمع ملايين المتطوعين لبناء عالم أكثر إنسانية
في الخامس من مايو من كل عام، يستذكر العالم تأسيس الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، الذي تجاوز عمره اليوم 105 أعوام، باعتباره أقدم مؤسسة جامعة للمنظمات الإغاثية وأكثرها تأثيراً في التعامل مع الأزمات الإنسانية، سواء في أوقات السلم أو أثناء الحروب.
تعود جذور هذا الكيان العالمي إلى حقبة الحرب العالمية الأولى، عندما دفعت المعاناة الهائلة التي خلّفتها الحرب الإنسانية إلى البحث عن آلية دائمة ومنظمة للعمل الإغاثي المشترك.
لكن خلف هذا التأسيس، تقف قصة رجل آمن بأن التعاطف والخبرة اللذين أظهرهما المتطوعون أثناء الحرب، يمكن أن يُوظّفا في أوقات السلم أيضاً.
الفكرة التي وُلدت من قلب الأزمة
انبثقت فكرة الاتحاد من عقل هنري دافيسون، رئيس لجنة الحرب التابعة للصليب الأحمر الأمريكي، والذي دعا عام 1919 إلى عقد مؤتمر دولي شاركت فيه جمعيات الصليب الأحمر من فرنسا وبريطانيا العظمى وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة.. هناك، وُضع التصور الأول للاتحاد وأهدافه المشتركة.
ركز دافيسون على تطوير عمل جمعيات الصليب الأحمر القائمة، وتوسيع نطاقها عبر إنشاء جمعيات جديدة في دول أخرى، خاصة تلك التي أنهكتها الحرب، مع العمل على تحسين صحة الشعوب في تلك البلدان.
تحديات التأسيس ورؤية التغيير
واجه دافيسون صعوبات جمّة أثناء سعيه لتأسيس الاتحاد، إذ سعى ليكون هذا الكيان بديلاً عملياً للجنة الدولية للصليب الأحمر، معتبراً أن العمل الإنساني لا يجب أن يظل محصوراً في النُخب أو على الورق فقط، بل ينبغي أن يكون على الأرض وبنهج أكثر شمولية وتجديداً.
قال دافيسون في ذلك الوقت: "ينبغي أن يعمل الاتحاد على أرض الواقع لا أن يكون مجرد اسم.. نحتاج إلى لجنة دولية تضم ممثلين من جميع الدول.. دماء جديدة، وأساليب جديدة، ونظرة أكثر شمولاً، هذه الأمور ضرورية".
بدايات متواضعة وبصمة إنسانية
وُلد هنري دافيسون، المعروف باسم "هاري"، في مدينة تروي بولاية بنسلفانيا الأمريكية في 13 يونيو 1867.. كان والده يعمل بائعاً للأدوات الزراعية، بينما توفيت والدته عندما كان طفلاً صغيراً، ما جعله يشعر مبكراً بفقدان الأسرة، الأمر الذي دفعه إلى التفرغ للدراسة والبحث عن الذات.
أكمل تعليمه في جامعة روجر ويليامز، ثم انخرط في قطاع البنوك منذ عام 1886، بالتوازي مع عمله في الصحافة.. وعلى الرغم من نجاحه المهني في مجال المصارف فإن طموحه تجاوز حدود المال، وسرعان ما قرر تغيير مساره.
من المصارف إلى العمل العام
تقدم دافيسون بطلب منحة دراسية إلى جامعة هارفارد لكنه لم يُوفق، فانتقل إلى مدينة بريدجبورت ليبدأ العمل كمحاسب، وتزوج هناك، ثم انتقل إلى نيويورك ليشغل منصب أمين صندوق في بنك أستور بليس، ولاحقاً في بنك أمريكان إكستشينج ناشيونال.. حاز هناك ثقة إدارة البنك، ليُعين نائباً لرئيس البنك الوطني الأول عام 1902.
حظي بشهرة كبيرة في الوسط المالي الأمريكي، واستعان به الكونغرس في مناقشة قضايا مالية مهمة، لكن مع اندلاع الحرب في أوروبا، اختار طريقاً آخر أكثر التصاقاً بالناس وهو طريق العمل الإنساني.
وتقديراً لدوره الإنساني مُنح وسام الخدمة المتميزة، وتم تذكير العالم بدوره من خلال نشر كتاب "الصليب الأحمر الأمريكي في الحرب العالمية الأولى".
ومنح الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر جائزة هنري دافيسون تخليداً لذكراه.
توفي دافيسون في 6 مايو 1922، عن عمر يناهز 54 عاماً، في منزل عائلته أثناء خضوعه لعملية جراحية لإزالة ورم في المخ.