"فايننشال تايمز": قطاع الأعمال البريطاني ينتقد سياسة ستارمر للهجرة

"فايننشال تايمز": قطاع الأعمال البريطاني ينتقد سياسة ستارمر للهجرة
رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر

أطلق رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، حزمة إصلاحات صارمة تهدف إلى إعادة تنظيم سياسة الهجرة في المملكة المتحدة، معلنًا عن إجراءات تهدف إلى خفض أعداد الوافدين إلى البلاد وتشجيع توظيف العمال المحليين، وشدد في خطابه، يوم الاثنين، على أن بلاده "لم تكن تحت السيطرة" خلال السنوات الماضية، متهمًا الحكومات السابقة بالفوضى بسبب سياسة "الحدود المفتوحة".

ووفقا لصحيفة "فايننشيال تايمز" طرح ستارمر مقترحًا بإلغاء ميزة "التسوية التلقائية" بعد خمس سنوات، وهي الآلية التي تتيح للمهاجرين البقاء الدائم في البلاد، مشترطًا أن يمضي المتقدم عشر سنوات في بريطانيا وأن يُثبت مساهمة "حقيقية ودائمة في الاقتصاد والمجتمع".

كما قرر تقليص مدة الإقامة المسموح بها للطلاب الدوليين بعد إنهاء دراستهم من عامين إلى 18 شهرًا، مع فرض ضريبة جديدة بنسبة 6% على دخل الجامعات من رسوم هؤلاء الطلاب.

قيود على سوق العمل

ألغى رئيس الوزراء بشكل نهائي تأشيرة العاملين في قطاع الرعاية الاجتماعية، التي كانت مدخلًا رئيسيًا للهجرة في السنوات الأخيرة، وقرر أيضًا تقييد قدرة أرباب العمل على استقدام عمال أجانب لشغل وظائف منخفضة المهارة، مشيرًا إلى أن البلاد يجب أن "تستثمر في عمالتها المحلية بدلاً من الاعتماد على استيراد العمالة".

وأثار هذا القرار استياءً في قطاع الرعاية، إذ صرح المدير التنفيذي لمنظمة "كير إنجلاند"، مارتن غرين، بأن الحكومة تُغلق الباب أمام أحد "آخر مصادر القوى العاملة المتبقية" في قطاع يُعاني من نقص حاد، حيث بلغ عدد الوظائف الشاغرة فيه 131 ألف وظيفة، واعتبر أن "الرعاية الاجتماعية ليست عملاً بسيطًا، بل يتطلب مهارات عالية وأجرًا منخفضًا، ويحتاج إلى تقدير واستثمار مناسب".

وأبدت مؤسسات الأعمال معارضتها الشديدة للسياسات الجديدة، واعتبرت نائبة مدير السياسات في غرف التجارة البريطانية، جين غراتون، أن زيادة رسوم التوظيف من الخارج "ستُثقل كاهل الشركات" التي تُعاني أصلاً من نقص العمالة وارتفاع تكاليف التشغيل.

بدورها، حذرت الرئيسة التنفيذية لاتحاد الصناعات البريطانية (CBI)، راين نيوتن سميث، من أن "الاعتماد على التدريب وحده لا يكفي"، مؤكدة أن سياسة الهجرة الجديدة "تحرم الشركات من المهارات الأساسية الضرورية لجذب الاستثمار، ما يعرّض فرص النمو والتوظيف للخطر".

أما رئيسة "جامعات المملكة المتحدة"، فيفيان ستيرن، فرأت أن فرض ضريبة على دخل الجامعات من الطلاب الدوليين "سيزيد من الضغوط على قطاع التعليم العالي"، مشيرة إلى أن هذه الخطوة قد تضر بجاذبية المملكة المتحدة كوجهة أكاديمية عالمية.

انتقادات من حزب العمال

تحدث ستارمر بلهجة حاسمة، لكنه امتنع عن تحديد هدف رقمي دقيق للهجرة، على خلاف حزب المحافظين الذي دعا إلى سقف سنوي، وأكد أنه يَعِد بـ"خفض كبير" في أعداد المهاجرين.

وأشار إلى أن الإجراءات المُعلنة ستُقلص صافي الهجرة السنوية بمقدار 98 ألف شخص، لتصل في العام المالي 2029-2030 إلى نحو 240 ألفًا، مقارنة بمتوسط يبلغ 340 ألفًا بحسب مكتب مسؤولية الميزانية.

واجه ستارمر انتقادات داخلية من برلمانيين في حزبه، واعتبرت النائبة العمالية سارة أوين أن السير خلف التيار اليميني "يدفع البلاد إلى طريق مظلم"، بينما اتهم النائب المستقل جون ماكدونيل، وزير المالية السابق في حكومة الظل، رئيس الوزراء باستخدام "لغة مثيرة للانقسام" تشبه تصريحات وزير المحافظين الأسبق إينوك باول في خطابه المعروف بـ"أنهار الدم" عام 1968، الذي عبّر فيه عن قلقه من تزايد الهجرة وتأثيرها على الهوية البريطانية.

الدفاع عن السياسات الجديدة

رفض ستارمر الاتهامات بأن الإجراءات تهدف لأغراض انتخابية، وقال إن الإصلاحات "عادلة وتعكس قناعاتي الشخصية"، ودعا إلى رفع متطلبات اللغة الإنجليزية للمهاجرين وأقاربهم، وزيادة الحد الأدنى للرواتب المطلوبة لاستقدام المعالين، مؤكدًا استعداده لاتخاذ مزيد من الخطوات إذا لزم الأمر.

ودحض رئيس الوزراء المزاعم بأن هذه القيود ستُعيق النمو، موضحًا أن ارتفاع أعداد المهاجرين في السنوات الأربع الأخيرة لم يُحقق نموًا اقتصاديًا ملموسًا، وقال: "تضاعفت الهجرة أربع مرات، لكن النمو الاقتصادي بقي راكدًا".

وفي المقابل، اعتبر الخبير الاقتصادي جون سبرينغفورد، من مركز الإصلاح الأوروبي، أن هذا الربط "خاطئ تمامًا"، مشيرًا إلى أن تباطؤ الاقتصاد يعود إلى ارتفاع أسعار الطاقة وآثار بريكست، لا إلى الهجرة، مؤكدًا أن "أغلب الاقتصاديين يرون أن للهجرة تأثيرًا إيجابيًا على الناتج المحلي الإجمالي للفرد".

وأشعلت إصلاحات كير ستارمر في ملف الهجرة جدلًا حادًا في الأوساط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية في المملكة المتحدة، في ظل خلاف واسع حول آثارها المحتملة على النمو، وسوق العمل، والهوية الوطنية، وسط انقسام واضح بين السعي لتهدئة الرأي العام وضغوط القوى المنتجة التي تخشى نقص الكفاءات وتراجع الاستثمارات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية