"واشنطن بوست": هدنة الـ90 يوماً تُجمد الرسوم الجمركية دون معالجة جوهر الأزمة

"واشنطن بوست": هدنة الـ90 يوماً تُجمد الرسوم الجمركية دون معالجة جوهر الأزمة
علاقات اقتصادية بين أمريكا والصين

استقبلت الأسواق المالية حول العالم خبر الاتفاق المؤقت بين الولايات المتحدة والصين بارتياح حذر، وسط استمرار حالة عدم اليقين التي تهيمن على الاقتصاد العالمي.

ووفقا لصحيفة "واشنطن بوست"، شهد يوم الاثنين قفزة في مؤشرات الأسهم، وارتفاعًا في قيمة الدولار وسندات الخزانة الأمريكية، بعد الإعلان عن التفاهم بين الطرفين على وقف الرسوم الجمركية المتبادلة لمدة تسعين يومًا.

ورحّب المتعاملون الماليون بهذه الخطوة باعتبارها إشارة إلى أن التصعيد التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم قد يُجمَّد مؤقتًا، ما يمنح فرصة لتجنب موجة جديدة من التوترات التي كادت تُغرق الاقتصاد العالمي في ركود.

تفاصيل الاتفاق

اتفق المسؤولون الأمريكيون والصينيون خلال محادثات جرت في جنيف على سلسلة من الإجراءات، وقررت الولايات المتحدة خفض رسومها الجمركية على السلع الصينية من 145% إلى 30%، في حين ستُعلّق الصين بعض العقوبات غير الجمركية، وتُخفّض رسومها على الواردات الأمريكية من 125% إلى 10%.

ويمثل هذا الاتفاق تحولًا ملحوظًا بالمقارنة مع الوضع قبل أسبوع واحد فقط، حين لم تُبدِ أي من الدولتين استعدادًا للتفاوض، يمنح الاتفاق نافذة زمنية للتفاوض على صفقة تجارية دائمة، ويُهدئ الأسواق التي تخوّفت من انفجار اقتصادي شامل.

وأدركت واشنطن وبكين أن استمرار الحرب التجارية سيُكلف الطرفين خسائر فادحة. ستفقد الصين سوقًا تُقدّر قيمته بنحو 450 مليار دولار سنويًا من الصادرات إلى الولايات المتحدة، بينما ستُحرم واشنطن من مورد رئيسي لسلع حيوية تمتد من الألعاب إلى المواد الصناعية.

وأثار هذا الإدراك ضغوطًا على الجانبين للبحث عن مخرج تفاوضي.. ورغم الترحيب النسبي بالاتفاق، لم يُبدّد ذلك مخاوف المراقبين من أن هذه الخطوة مجرد هدنة مؤقتة، لا تغيّر من واقع السياسة التجارية العدوانية التي تعتمدها الإدارة الأمريكية.

تصعيد في سياسات الرسوم

فرضت الولايات المتحدة في وقت سابق رسومًا جمركية بنسبة 10% على أغلب شركائها التجاريين بدءاً من 2 أبريل، فيما اعتُبر "يوم التحرير التجاري"، يبدو أن هذا المستوى الجديد أصبح الحد الأدنى الدائم، دون نية للتراجع، وذلك قبل أن يتم تأجيلها 90 يوما.

ويعادل هذا المعدل الجديد ثلاثة إلى أربعة أضعاف متوسط الرسوم الأمريكية عام 2024، ما يُنذر بآثار سلبية كبيرة على الاقتصاد، حيث يُتوقع أن تساهم هذه الرسوم في رفع معدلات التضخم، وخلق اختناقات في سلاسل التوريد، وإبطاء النمو.

وأوضح وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، الذي ترأس الوفد المفاوض في جنيف، أن الرسوم المفروضة على الصين لن تنخفض إلى ما دون 30%، وأرجع ذلك إلى ما وصفه بدور بكين في تجارة مادة الفنتانيل المخدّرة، ما يستدعي فرض "عقوبات جمركية إضافية".

وتضاف هذه النسبة إلى رسوم سابقة مفروضة على سلع مثل الحديد، والألمنيوم، والسيارات، ومنتجات أخرى، تعود إلى فترة ولاية ترامب الأولى.

هدنة وسياسة متخبطة

لم يُسهم الاتفاق المؤقت في تهدئة مخاوف الشركات والأسواق المالية من الركود التضخمي، فما زالت حالة من الشلل تسود قرارات الاستثمار، نتيجة عدم وضوح تجاه السياسات الأمريكية.

وتفتقر إدارة ترامب إلى سياسة تجارية متماسكة أو استراتيجية يمكن التنبؤ بها، تصدر القرارات المفصلية بطريقة مفاجئة، ما يُثير الارتباك في الأوساط الاقتصادية الدولية.

وفاجأ ترامب الأسواق خلال عطلة نهاية الأسبوع بإعلانه أن شركات الأدوية لن يُسمح لها بفرض أسعار أعلى داخل الولايات المتحدة مقارنةً بالخارج.

أثار هذا التصريح مخاوف من تأثيره على العلاقات التجارية مع كل من بريطانيا والصين، اللتين تُعدان من كبار مصدّري الأدوية إلى السوق الأمريكية، كما لمح ترامب إلى نية فرض رسوم جمركية محددة على المنتجات الدوائية، ما يعزز الشكوك حول استقرار سياسته التجارية.

أدوات متناقضة لسياسات متشابكة

يواصل ترامب السعي لعقد صفقات تجارية متفرقة، مع التركيز على قضايا شعبية داخلية مثل العجز التجاري وفقدان الوظائف، يستخدم الرسوم الجمركية أداة رئيسية لتحقيق أهداف متباينة: من خفض العجز، إلى زيادة الإيرادات، واحتواء صعود الصين، وحتى "معاقبة العالم"، كما وصف هو نفسه.

ويبدو أن الرئيس الأمريكي يرى في الرسوم وسيلة ضغط دائمة، دون اعتبار لتأثيراتها طويلة الأمد على الاقتصاد المحلي والدولي.

ورغم رد الفعل الإيجابي الأولي للأسواق على الاتفاق، فإن المحللين يُحذّرون من احتمال صدور قرارات مفاجئة جديدة من البيت الأبيض، تُقوّض أي مكاسب محققة.

وأظهر ترامب في أكثر من مناسبة استعدادًا للتراجع التكتيكي بعد التسبب بأزمة، لكن هذا السلوك لا يُعد ضمانًا على المدى الطويل.

ويرى مراقبون أن نمط اتخاذ القرار القائم على ردّ الفعل لا يُبشّر بتغير حقيقي في التوجهات، ما يُصعّب التنبؤ بمستقبل العلاقات الاقتصادية الدولية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية