ساوو إيتشيكاوا.. صوت أدبي من حنجرة صناعية يطالب بالعدالة لذوي الإعاقة
ساوو إيتشيكاوا.. صوت أدبي من حنجرة صناعية يطالب بالعدالة لذوي الإعاقة
كسرت الكاتبة اليابانية ساوو إيتشيكاوا حاجزًا خفيًا ظل قائمًا في الأوساط الأدبية اليابانية لعقود، بفوزها في يوليو 2023 بجائزة أكوتاغاوا، إحدى أقدم وأهم الجوائز الأدبية في البلاد، حيث جسّدت لحظة تتويجها مشهدًا غير مسبوق: رفعت إبهامها لوالديها ومحررها قبل صعودها إلى المسرح عبر منحدر خاص، لتصبح أول كاتبة من ذوي الإعاقة الشديدة تنال هذا التكريم الرفيع.
ووفقًا لتقرير نشرته عنها صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الخميس، احتاجت إيتشيكاوا، البالغة من العمر 45 عامًا، إلى جهاز تنفس صناعي وكرسي متحرك للصعود إلى المنصة، حيث تعاني من اعتلال عضلي خلقي، وهو اضطراب عصبي نادر، لم يمنعها من اقتحام مجال ظلت أبوابه مغلقة أمام كثير من المهمشين.
واستغلت إيتشيكاوا اهتمام الإعلام والجمهور بتتويجها لتفتح ملف تغييب الكتّاب من ذوي الإعاقة في المشهد الأدبي الياباني، وصرّحت للصحفيين أثناء المؤتمر الصحفي، مستخدمة جهازًا مثبتًا في الحنجرة: "كتبت هذه الرواية وأنا أفكر في مشكلة قلة الكتّاب ذوي الإعاقة.. لماذا لم يُعلن عن فائز من ذوي الإعاقة حتى عام 2023؟ أريد من الجميع التفكير في ذلك".
واجهت الكاتبة، منذ سن المراهقة، تحديات مضاعفة بعد فصلها من المدرسة إثر وضعها على جهاز التنفس الصناعي في عمر الثالثة عشرة، ولكنها أصرّت على المضي قدمًا رغم القيود الجسدية والبيروقراطية، وبدأت في الكتابة في العشرينيات من عمرها، محاولةً استعادة مكانتها كفرد فاعل في المجتمع.
ثلاثون عملًا رُفضت جميعها
أنتجت إيتشيكاوا على مدار عقدين من الزمن أكثر من ثلاثين قصة قصيرة تنتمي إلى أدب الفانتازيا والرومانسية الموجّه للشباب، قوبلت أعمالها كلها بالرفض من قبل دور النشر، ما دفعها إلى إعادة النظر في موضوعات كتاباتها.
التحقت في عام 2019 ببرنامج جامعي عبر الإنترنت في جامعة واسيدا العريقة، أدركت خلال دراستها ندرة تمثيل ذوي الإعاقة في الأدب الياباني.
وقررت أن تسدّ هذه الفجوة بعمل يروي تجربة شخصية تشبهها، تعاني صاحبتها من شلل عضلي وتستخدم الكرسي المتحرك وجهاز التنفس.
رواية "أحدب"
قدّمت في عملها الروائي "أحدب" شخصية تدعى "شاكا"، تعاني من اضطراب عضلي مشابه لحالتها، وتستخدم حياتها الجنسية كسلاح لاستعادة السيطرة على حياتها، في مواجهة مجتمع يسعى لإنكار إنسانيتها.
وأوضحت الكاتبة، خلال مقابلة في منزل والديها الذي تقيم فيه، أن الأدب الياباني يعج بصور نمطية عن ذوي الإعاقة، تصفهم إما بالضعف أو القداسة المبالغ فيها.
وقالت: "أردت كسر هذه الصورة النمطية. أردت أن أظهر أننا بشر، لدينا رغبات وشخصيات متنوعة".
واستعرضت إيتشيكاوا في الرواية أيضًا تراثًا اجتماعيًا قاسيًا تجاه الإعاقة، حيث كانت النساء الحوامل يُطلب منهن تاريخيًا إظهار مرآة حين يمررن بأشخاص من ذوي الإعاقة، اعتقادًا بأن ذلك يطرد الأرواح الشريرة.
التمييز ضد ذوي الإعاقة
ركّزت الرواية على نوع من التمييز غير المرئي ضد ذوي الإعاقة، يعاملهم باعتبارهم غرباء عن المجتمع الطبيعي.
وعبّرت البطلة "شاكا"، خلال ثورة غضب، عن عجزها عن الإمساك بكتاب ورقي، ووجهت الاتهام إلى "الذكورة المتحيزة" التي تُعمي أعين الناس عن الحواجز التي تقصي من هم مثلها.
وكتبت إيتشيكاوا الرواية على جهاز "آي باد"، دون أن تتخيل أنها ستنال جائزة بهذا الحجم، قائلة: "عندما سمعت خبر فوزي، تجمد عقلي..ربما نلت الجائزة لأنني جديدة على هذا النوع من الأدب، لكنني آمل أن أمهد الطريق لآخرين ليكتبوا بحرية".
مسار حافل بالتحديات
نشأت الكاتبة في طفولة مليئة بالحركة، حيث مارست الرقص والجمباز في المدرسة الابتدائية قبل تدهور حالتها الصحية، رافقتها عائلتها في رحلات إلى كندا وتايلاند، على أمل إثراء حياتها قبل تفاقم الإعاقة.
واجهت في مرحلة لاحقة من حياتها كوابيس ليلية، رأت فيها جثث حشرات ميتة تغطي أرض غرفتها، ثم قرأت لاحقًا أنها ترمز إلى خوف عميق من أن تُترك خلف الركب.
ولم تتوقف إيتشيكاوا عن الكتابة رغم الرفض المتكرر لأعمالها، قالت إنها لم تكن تملك ما تفعله سوى الاستمرار، إلى أن تجاوزت رواية "أحدب" توقعاتها، وتمت ترجمتها أخيرًا إلى الإنجليزية.
وأعلنت الكاتبة نيتها مواصلة الكتابة بقوة كبرى، قائلة: "أخطط لانطلاقة سريعة في كتابة الروايات العفوية خلال السنوات القليلة القادمة.. أريد كسر الأحكام المسبقة والأفكار الجامدة".