حقوق الإنسان على طاولة القمة العربية ونداء لإسكات البنادق لا الأصوات

في إطار انطلاق الدورة الـ34 بالعراق

حقوق الإنسان على طاولة القمة العربية ونداء لإسكات البنادق لا الأصوات
القمة العربية في بغداد

هيمنت القضايا الحقوقية على جدول أعمال القمة العربية المنعقدة حالياً في العاصمة العراقية بغداد، في وقت تشهد فيه المنطقة العربية تحديات متزايدة تتعلق بالحريات الأساسية، وحقوق الإنسان، وأوضاع المعتقلين السياسيين، وحرية الإعلام، فضلاً عن قضايا المرأة واللاجئين.  

وانطلقت القمة العربية الـ34 في بغداد، اليوم السبت، وسط أزمات إنسانية وحقوقية حادة تواجهها المنطقة في ملفات عدة، لا سيما الملف الإنساني والإغاثي مع استمرار حروب وصراعات، خاصة في قطاع غزة والسودان.

تأتي القمة العربية وسط ضغوط دولية متصاعدة، وانتقادات أممية مستمرة لأداء بعض الدول العربية في هذا الملف، ما جعل من الصعب تجاهل تلك القضايا أو تأجيلها، كما جرت العادة في القمم العربية السابقة.

ورغم أن الاجتماعات العربية طالما ركزت على الأزمات الجيوسياسية الكبرى، كالقضية الفلسطينية، والتدخلات الإقليمية، والنزاعات المسلحة، إلا أن هذه القمة حملت معها زخماً مختلفاً، مدفوعاً بزخم شعبي وإعلامي، ودعوات من منظمات دولية وإقليمية لضرورة وضع الحقوق والحريات في صلب الاهتمام الرسمي العربي.

وبينما تأمل أطراف عدة في أن تثمر النقاشات عن قرارات "حاسمة" وخطوات فعلية لتحسين الأوضاع الحقوقية في العالم العربي، لا تزال المخاوف قائمة من أن تظل المخرجات في إطار التصريحات العامة دون ترجمة عملية، خصوصاً في ظل تباين المواقف بين الدول الأعضاء، ووجود حساسيات مرتبطة بمفهوم السيادة و"عدم التدخل في الشؤون الداخلية".

بنود القمة العربية

ويستضيف العراق القمة العربية داخل القصر الحكومي بالمنطقة الخضراء في بغداد، إذ يتضمن جدول أعمالها عدة بنود أبرزها ملفات الأمن القومي العربي، وفي مقدمتها التطورات في غزة، وجهود مكافحة الإرهاب، والأزمات في عدد من الدول العربية، مثل سوريا، السودان، اليمن، وليبيا، والتضامن مع لبنان، وقضايا المياه، خاصة ملف سد النهضة الإثيوبي.

يأتي ذلك إلى جانب التطورات في الجولان السوري المحتل، والاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث، ومتابعة مبادرة السلام العربية، والانتهاكات الإسرائيلية في القدس، إضافة إلى قضايا اللاجئين، الأسرى، ودور "الأونروا"، والتنمية في فلسطين، بوصفها بندًا ثابتًا في أولويات العمل العربي المشترك.

ويُختتم جدول أعمال القمة بـ مشروع "إعلان بغداد"، الذي يُنتظر أن يعكس الموقف العربي الموحد تجاه القضايا المطروحة.

وقبيل انطلاق أعمال القمم الثلاث، أكد الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد في تصريحات صحفية أن "قمة بغداد ستناقش قضايا مصيرية تتعلق بمستقبل شعوب المنطقة، بهدف الخروج بقرارات تسهم في تحقيق السلام والاستقرار الإقليمي"، مشددًا على أن العراق حريص على أن تكون هذه القمة منطلقًا لتحولات إيجابية في الموقف العربي الجماعي.

وفي السياق، صرّح السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، أن القمة تركز على ملفات محورية، أبرزها، القضية الفلسطينية، بما في ذلك خطة إعادة إعمار غزة، ودعم السودان في ظل الأزمة الإنسانية المتفاقمة، ومساندة مصر والسودان في ملف سد النهضة الإثيوبي، ودفع العملية السياسية في كل من سوريا واليمن.

من جانبه، كشف وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، عن وجود توافق عربي واسع على عدد من القرارات الجوهرية، من بينها، دعم جهود إعادة إعمار قطاع غزة، والتضامن مع السودان ومساندة وحدته وسيادته، وتأكيد حقوق مصر المائية المشروعة في نهر النيل، ودعم الشرعية في اليمن والحل السياسي المستدام، وتعزيز أمن الملاحة في البحر الأحمر كأولوية استراتيجية عربية.

تحديات حقوقية وإنسانية

ولا يمكن النظر إلى مخرجات القمة العربية بمعزل عن حجم التحديات الإنسانية والحقوقية المتفاقمة في عدد من دول المنطقة، حيث تتزايد أعداد المتضررين من النزاعات والفقر والتشريد، في مقابل ضعف المساعدات وغياب آليات الاستجابة السريعة.

وفي الوقت الذي يفترض فيه أن تكون حقوق الإنسان منطلقاً لأي تنمية أو استقرار، يُلاحظ بوضوح محاولات إسكات صوت المدافعين عن الحقوق والحريات، سواء عبر التضييق أو الملاحقات أو التشويه الإعلامي، وهو ما يُعد مؤشراً خطِراً على تراجع المساحة المدنية في العالم العربي.

وباتت الاحتياجات والمتطلبات الحقوقية ليست ترفاً، بل ضرورة حتمية لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، وعلى القمة أن تعي ذلك لأن تجاهله قد يؤدي إلى مزيد من التوتر والاحتقان. 

وتبرز الحاجة الملحة إلى تضمين قرارات القمة التزامات واضحة بحماية الحقوق الأساسية، وضمان حرية الرأي والتعبير، ومحاسبة منتهكي حقوق الإنسان، مع التأكيد على تعزيز المساعدات الإنسانية في مناطق الأزمات وعدم تسييسها.

ويعيش الملايين بين نازح ولاجئ ومتضرر من النزاعات المسلحة أو الأزمات الاقتصادية الخانقة، ومع كل قمة عربية، تتجدد الآمال بأن تتصدر هذه القضايا المشهد، لا من خلال بيانات التضامن فحسب، بل عبر تعهدات مالية واضحة، وآليات تنسيق فاعلة لتقديم المساعدات الإنسانية بعيدًا عن الحسابات السياسية التي كثيرًا ما تؤخر التدخلات وتفاقم المآسي.

إلى جانب ذلك، تزداد المخاوف من تنامي ظاهرة إسكات الأصوات المدافعة عن الحقوق والحريات، سواء عبر الاعتقال، أو الترهيب، أو تقييد العمل المدني، في وقت تحتاج فيه الدول العربية أكثر من أي وقت مضى إلى أصوات نقدية بنّاءة، تسهم في الإصلاح، وتراقب الأداء، وتحمي المجتمعات من الانزلاق نحو الاستبداد أو العنف.

ويحذر خبراء حقوقيون من أن تجاهل الحريات الأساسية كحرية التعبير، وتكوين الجمعيات، واستقلال القضاء لا يؤدي فقط إلى تراجع مؤشرات حقوق الإنسان، بل يُسهم أيضًا في تأجيج الأزمات الداخلية، وتقويض فرص التنمية والاستقرار المستدام.

قمة ذات طابع حقوقي

وفي هذا السياق، قال الحقوقي السوداني المتخصص في شؤون النزاعات، صالح عثمان، إن أغلب القضايا المطروحة على جدول أعمال القمة العربية ذات طبيعة حقوقية، مشيرًا إلى أن استمرار بؤر التوتر والنزاعات وتفاقم الفقر في عدد من الدول العربية يجعل من الضروري أن تكون القمة أكثر جرأة في التعامل مع هذه الملفات.

وأوضح عثمان، في تصريح لـ"جسور بوست" أن من أبرز القضايا الحقوقية المطروحة الأزمات الإنسانية المستمرة في السودان وقطاع غزة، مؤكدًا أن "هناك كارثة إنسانية متفاقمة في السودان منذ أكثر من ثلاث سنوات بسبب استمرار الحرب وتعثر وصول المساعدات، إلى جانب ما تعانيه غزة من حصار خانق، وإغلاق متعمد للمعابر، ومجاعة ودمار ممنهج، وتقييد عمل الأونروا"، مشددًا على ضرورة أن تكون هذه الملفات في صدارة أولويات القمة.

وأكد أهمية أن تُترجم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى قرارات ملموسة في ختام القمة، خاصة في ظل الارتفاع المتزايد لأعداد المتضررين من الفقر والنزوح نتيجة الصراعات المسلحة، ولا سيما في السودان.

وأشار الخبير الحقوقي إلى أن هناك قضايا حقوقية أخرى لا تقل أهمية مطروحة للنقاش، من بينها حماية الحق في المياه لكل من مصر والسودان في ظل أزمة سد النهضة، وملف الاتجار بالبشر المتصاعد في مناطق النزاع واللجوء، وآثار التغير المناخي على الفئات الأضعف في المجتمعات العربية، ودعم الحريات العامة، خاصة حرية الإعلام والتعبير.

واختتم عثمان حديثه بالتأكيد على أن "هناك حضورًا دوليًا لافتًا في هذه القمة، يستمع بوضوح إلى المواقف العربية، وهو ما يفرض مسؤولية مضاعفة لتحويل القرارات إلى إجراءات عملية تحد من الأزمات وتعيد الثقة في جدية العمل العربي المشترك على المستوى الحقوقي والإنساني".

من جانبه، قال الحقوقي التونسي كريم عبد السلام، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن "القمة العربية تجتمع وسط تحديات كبرى تكاد تعيد ترتيب كامل لإرث 50 عامًا من مسار الدولة الوطنية، تحت ضغط أزمات داخلية وإقليمية تمس بشكل مباشر حقوق الأفراد والمجموعات".

وأضاف عبد السلام أن القمة تنعقد في ظل "صراع شرق أوسطي متجدد، وانتهاكات متعددة بحق المدنيين في غزة، واندلاع نزاعات مسلحة في السودان، فضلًا عن محاولات بعض الأطراف المساس بالأمن المائي لدول عربية، إلى جانب تراجع منظومات الحقوق الأساسية في دول مثل ليبيا وسوريا والعراق ولبنان".

وتساءل عبد السلام: "هل تنجح القمة في لملمة هذه التحديات وسط تململ شعبي واسع نتيجة الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة في أغلب الدول العربية، وانحدار مستوى الحريات الفردية، ونمو الانتهاكات؟، قائلاً: "لا أعتقد أن القمة ستنجح في ذلك حاليًا، فالتحديات جسيمة، والخلافات بين المجموعات والدول العربية لا تزال عميقة".

عثرات أمام تحولات حقيقية

وقال المحلل السياسي اللبناني المتخصص في الشؤون العربية والدولية، طارق أبو زينب، إن "من غير المتوقع أن تُسفر القمة العربية في بغداد عن قرارات حاسمة بشأن القضايا الحقوقية المطروحة، لكنها قد تجد صدى سياسيًا وإعلاميًا"، معتبرًا أن تعقيدات المشهد العربي تقف حجر عثرة أمام تحولات حقيقية.

وأوضح أبو زينب، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن قضايا مثل الأزمة الإنسانية في غزة والسودان وحقوق المياه في مصر والسودان تتطلب توافقًا عربيًا واسعًا، إلا أن الخلافات السياسية وتباين المصالح بين الدول الأعضاء يجعل اتخاذ خطوات عملية أمرًا معقدًا.

وأضاف أن "الإرادة السياسية تلعب دورًا محوريًا في التعامل مع هذه الملفات، خصوصًا تلك التي تحتاج إلى تنسيق دولي مثل أزمة سد النهضة، لكن التجارب السابقة تشير إلى أن القمم غالبًا ما تكتفي ببيانات دعم أو إدانة، دون إجراءات تنفيذية حقيقية".

وأشار إلى أن "التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجه العديد من الدول العربية تحدّ من قدرتها على تقديم الدعم اللازم لمعالجة هذه الأزمات، سواء ماديًا أو سياسيًا".

واختتم أبو زينب بقوله، إن "الأزمات الراهنة، مثل النزاع المسلح في السودان والانتهاكات الجسيمة في فلسطين، تستدعي جهودًا تتجاوز التصريحات الرسمية، كالتمويل والمساعدات اللوجستية"، لكنه استدرك قائلًا: "الظروف الإقليمية والدولية تجعل من الصعب تنفيذ ذلك في الوقت الراهن.

ومن المرجح أن تكون مخرجات القمة رمزية أكثر منها عملية، مع التركيز على تعزيز التضامن العربي بدلاً عن اتخاذ قرارات ملزمة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية