"نيويورك تايمز": "مشروع إستر" يخلط بين مناصرة فلسطين ومعاداة السامية

"نيويورك تايمز": "مشروع إستر" يخلط بين مناصرة فلسطين ومعاداة السامية
معاداة السامية - أرشيف

تتسارع في الولايات المتحدة حملة دعائية يقودها التيار المسيحي المحافظ، تستهدف الحركة المؤيدة لفلسطين، لكنّ اللافت فيها أنها توجه سهامها، في كثير من الأحيان، إلى أفراد وجماعات يهودية لا تتبنى الرؤية اليمينية لدولة إسرائيل.

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، اليوم الثلاثاء، يشكل هذا الخلط بين انتقاد السياسات الإسرائيلية ومعاداة السامية محورًا أساسيًا في الحملة التي تحمل اسم "مشروع إستر"، والتي تبنّتها مؤسسة هيريتدج الفكرية اليمينية.

وعرضت الصحفية كاتي جيه. إم. بيكر، في تقرير نشرته "نيويورك تايمز" نهاية الأسبوع الماضي، عرضًا لجمع التبرعات نظمته مؤسسة هيريتدج تحت شعار مواجهة "حركة تخريبية تهدد أمريكا نفسها".

ووصفت بيكر هذا العرض بأنه يصوّر هرمًا في قمّته "نخب تقدمية" تتصدرها شخصيات يهودية ثرية مثل رجل الأعمال جورج سوروس وحاكم ولاية إلينوي جيه. بي. بريتزكر، في سردية تعيد إنتاج صورة نمطية معادية للسامية عن "اليهودي المتحكم".

وركزت بيكر على أن هذه السردية، سواء جاءت عن وعي أو دون قصد، تستند إلى أسطورة طالما استخدمتها الأوساط اليمينية لشيطنة الشخصيات اليهودية التقدمية، وعلى رأسهم سوروس، الذي تهاجمه تقارير يمينية باعتباره ممولًا لمحاولات "زعزعة الاستقرار المجتمعي".

ورغم محاولة الصحفية التواصل مع رابطة مكافحة التشهير للحصول على تعليق بشأن الرسم التوضيحي الذي نشرته هيريتدج، لم تتلقَّ ردًا، وهو ما فسّرته ضمنيًا بأن بعض المؤسسات اليهودية تتردد في انتقاد خطاب يندرج تحت ما يُوصف بـ"الدفاع عن إسرائيل"، حتى إن كان يحمل دلالات معادية لليهود أنفسهم.

وسجّلت بيكر في تغطيتها أن المؤسسة أطلقت الحملة باسم "مشروع إستر"، وتهدف من خلالها إلى "تدمير الحركة المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا"، على حد وصفها، عبر توسيع تعريف "العداء للسامية" ليشمل أي انتقاد للسياسات الإسرائيلية، وحتى تحركات اليهود التقدميين المطالبين بإعادة النظر في الدعم الأمريكي لإسرائيل.

إقصاء المعارضين لإسرائيل

اتهم مشروع إستر معارضي السياسات الإسرائيلية بأنهم جزء من "شبكة دعم لحركة حماس"، تتغلغل في المجتمع الأمريكي، وتسعى لتحقيق أهدافها عبر "استغلال المجتمع المنفتح، وإفساد النظام التعليمي، والتلاعب بالإعلام، والتأثير في الحكومة الفيدرالية، والاعتماد على تهاون الجالية اليهودية الأمريكية".

ولم يقتصر المشروع على مهاجمة جماعات طلابية متطرفة كـ"طلاب من أجل العدالة في فلسطين" أو "صوت يهودي من أجل السلام"، بل شمل أيضًا شخصيات يهودية من التيار الليبرالي، ومنهم نواب في الكونغرس.

وأشارت بيكر إلى أن أغلب مخططي المشروع من المسيحيين المحافظين الأمريكيين، رغم تعاونهم مع مسؤولين يهود إسرائيليين، في الوقت الذي يُعدّ فيه العديد من المستهدفين بالحملة من اليهود الأمريكيين.

وهاجم مشروع إستر أعضاءً يهوداً في مجلس النواب ينتمون للحزب الديمقراطي، واتهمهم بالصمت أو التواطؤ مع تصريحات النائبة رشيدة طليب، التي دافعت عن شعار "من النهر إلى البحر"، معتبرًا أن رفضهم إدانتها يُعدّ "دليلًا على تفشي معاداة السامية داخل اليسار التقدمي"، و"مظهرًا خطِرًا لتهاون الجالية اليهودية الأمريكية".

ووصلت الحملة حد وصف عضوة الكونغرس اليهودية يان شاكوسكي بأنها منتمية إلى "كتلة حماس" داخل الكونغرس، إلى جانب السيناتور اليهودي بيرني ساندرز، ما يُظهر مدى اتساع رقعة الاتهامات لتشمل يهودًا معارضين للخطاب اليميني المتشدد.

سياسات ترامب

طبّق الرئيس دونالد ترامب خلال فترة حكمه سياسات تتقاطع مباشرة مع توصيات مشروع إستر، أبرزها وقف تمويل جامعات بدعوى التورط في معاداة السامية، ومحاولات لترحيل نشطاء طلابيين مؤيدين لفلسطين.

وتطمح الحملة إلى فرض مزيد من القيود، كفصل من تصفهم بـ"مؤيدي حماس" من أعضاء الهيئات التدريسية، ومنعهم من التظاهر، وحرمانهم من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بل ووصمهم كما تُوصم جماعات متطرفة كـ"كو كلوكس كلان" و"القاعدة".

وأظهر استطلاع أجرته شركة GBAO Strategies أن 64% من الناخبين اليهود الأمريكيين يرفضون طريقة تعامل ترامب مع معاداة السامية، في حين رأى قرابة 70% منهم أن وصف "فاشي" يُعبّر عنه بدقة.

ورغم أن أغلبية اليهود الأمريكيين يرفضون حركة حماس، فإنهم يعارضون في الوقت ذاته سياسات القمع الفكري التي تُمارس باسم محاربة العداء للسامية، خصوصًا عندما تُستخدم ضد أفراد يهود يرفضون الدعم المطلق لإسرائيل.

الخوف من الفاشية

ارتبط وعي اليهود الأمريكيين تاريخيًا بالتحذير من الفاشية، وهي فكرة عبّر عنها الكاتب فيليب روث في روايته "المؤامرة ضد أمريكا" الصادرة عام 2004، حيث تصوّر سيناريو بديلًا يفوز فيه تشارلز ليندبيرغ بالرئاسة ويتحالف مع ألمانيا النازية.

واستعرض روث في الرواية كيف يتحول زعيم شعبوي إلى تهديد لليهود، متخفيًا خلف شعارات "أمريكا أولًا" و"حماية القيم القومية"، غير أن المفارقة اليوم، كما ترى نيويورك تايمز، أن خطابًا مشابهًا يُروّج باسم الدفاع عن إسرائيل، لكنه يستهدف في جوهره قطاعات واسعة من الجالية اليهودية التقدمية نفسها.

وتشير الصحيفة إلى أن فيليب روث، رغم عبقريته، لم يكن ليتوقع أن تتحول "الكوابيس اليهودية" إلى سياسات علنية في ظل زعيم أمريكي يدّعي حماية اليهود، في حين ينفّذ أجندة تتناقض مع مبادئهم الثقافية والسياسية الأساسية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية