"فايننشيال تايمز": اكتشاف "معسكر موت" جديد يفاقم أزمة الاختفاء القسري بالمكسيك

"فايننشيال تايمز": اكتشاف "معسكر موت" جديد يفاقم أزمة الاختفاء القسري بالمكسيك
العثور على قبور سرية في المكسيك - أرشيف

كشفت السلطات المكسيكية عن واحدة من أكبر المقابر الجماعية في البلاد بعد العثور على رفات 42 شخصًا في ولاية كوليما، داخل مزرعة يُشتبه في إدارتها من قبل عصابة مخدرات، سلط هذا الاكتشاف الضوء مجددًا على أزمة الاختفاء القسري في المكسيك، التي تضم أكثر من 120 ألف حالة مسجلة، والتي تصاعدت الضغوط إثرها على الرئيسة كلوديا شينباوم.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "فايننشيال تايمز"، اليوم الأربعاء، واجهت فرق بحث من ذوي المفقودين، ومنهم ناشطات بارزات مثل ممثلة شبكة المفقودين في كوليما، كارمن سيبولفيدا، صمتًا رسميًا استمر 18 شهرًا منذ اكتشاف الموقع، رغم انتهاء التحقيقات الجنائية سريعًا ودون إعلان النتائج.

ساهمت جهود النشطاء في كشف الموقع بعد تتبعهم الإحداثيات من بلدة أغوا دي لا فيرجن، وتأكيد مسؤول أمني موقع المزرعة باستخدام صور الأقمار الصناعية. 

وأوضح المسؤول ذاته، الذي رفض كشف هويته، أن عصابة كارتل خاليسكو الجديدة استخدمت المزرعة لتعذيب الضحايا وقتلهم، ودفنهم في الموقع المترامي على أكثر من 40 هكتارًا.

تصاعد الغضب الشعبي

أشعل اكتشاف مماثل سابق في ولاية خاليسكو غضبًا واسعًا بعد أن عثر النشطاء على شظايا عظام متفحمة وأكثر من ألف قطعة ملابس، وهو ما وصفته منظمات حقوقية بـ"معسكر موت" مكتمل المعالم.

في المقابل، حاولت الحكومة التقليل من شأن هذه المواقع ووصفتها بـ"معسكرات تدريب"، رغم اعتراف وزير الأمن بأن بعض المجندين تعرضوا للتعذيب والقتل إذا رفضوا الانضمام للعصابات.

أكد مكتب الادعاء لاحقًا أن بعض العظام كانت صغيرة للغاية وتحمل آثار "حرق جزئي بمادة كيميائية"، ولم يُتعرف حتى الآن سوى على ثلاثة من الضحايا في مزرعة كوليما، رغم مرور أكثر من عام ونصف العام على اكتشاف الرفات.

أمهات المفقودين

واصلت سيبولفيدا، التي تبحث عن ابنها كارلوس دونالدو منذ 2018، الضغط على السلطات التي أنكرت سابقًا وجود مفقودين في كوليما، ورغم منعها من دخول المزرعة، تمكّنت هي وفريقها من مراجعة وثائق الادعاء ومطابقة بعض المعلومات بأنفسهم.

واستعرضت سيبولفيدا قائمة الجثث المحترقة جزئيًا والمدفونة عشوائيًا، وأكدت أن كثيرًا من العائلات تلقت أدلة بصرية فقط على فقدان أبنائها، مثل الأحذية أو الملابس المهترئة، دون أي تعريف رسمي بالهويات.

وعلمت السلطات المكسيكية بموقع المزرعة منذ 2018 على الأقل، عندما ألقت القبض على تاجر مخدرات بارز فيها، اتُّهم بنقل المخدرات إلى الولايات المتحدة واغتيال حاكم سابق، لكن رغم هذا، لم يُفكك الموقع أو يُغلق، واستمرت العصابات في استخدامه لسنوات.

وانتقد الباحث الحقوقي جاكوبو دايان، من الجامعة الأيبيرية الأمريكية، عدم تدخل الدولة رغم معرفتها الدقيقة بالموقع، معتبرًا أن هذا الصمت بمثابة تواطؤ غير مباشر، وأشار إلى أن كارتل خاليسكو استولى لاحقًا على المزرعة من كارتل سينالوا، مستغلًا عدم تدخل السلطات.

العجز المؤسسي يؤجل العدالة

كشف الخبير الأمني فيكتور مانويل سانشيز، من جامعة كواهويلا المستقلة، أن العصابات تعتبر الموقع متاحًا طالما لم تتدخل الدولة، وأوضح أن كوليما، رغم كونها أصغر ولاية من حيث عدد السكان، تسجل أعلى معدلات القتل والاختفاء القسري، لكنها تبقى خارج دوائر الاهتمام الإعلامي والسياسي.

وأكد سانشيز أن الطب الشرعي في المكسيك مثقل بالملفات، مع تراكم آلاف الجثث غير المعروفة في المشارح، ما يجعل التعرف على الضحايا مهمة تمتد لسنوات، حتى وإن لم تقع حالات اختفاء جديدة.

وتسببت حرب الحكومة المكسيكية على عصابات المخدرات مطلع القرن في موجة من الاختفاءات، طالت مدنيين عاديين، جرى تجنيد بعضهم قسرًا، بينما قُتل آخرون ودُفنوا في مقابر سرية أو أُحرقت جثثهم.

وأشار الناشط راميريز، الذي فُقد شقيقه خوان مانويل عام 2018، إلى أن الشباب لا يختفون طوعًا، بل تحت ذرائع كاذبة تُخفي جرائم خطف وتجنيد.

قضت سيبولفيدا عيد الفصح الأخير تتابع أعمال الحفر في موقع المقبرة الجماعية، مراقبةً جثثًا مشوهة بفعل الحرق أو التمثيل، محاولةً فهم طبيعة هذه الجرائم، وقالت بصراحة: "لطالما تساءلنا، ونحن في القبور، عن السبب.. كيف يمكن لإنسان أن يلحق كل هذا الضرر بإنسان آخر؟".

ومع غياب العدالة، وتباطؤ التحقيقات، لا تزال آلاف العائلات في المكسيك، تقودها الأمهات، تنبش في التلال والمزارع بحثًا عن أجوبة، في صراع مفتوح مع مؤسسات دولة لا تسمع أو لا تريد أن تسمع.


 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية