"واشنطن بوست": تراجع حاد في قدرة الأمريكيين على تحمل تكاليف المعيشة
"واشنطن بوست": تراجع حاد في قدرة الأمريكيين على تحمل تكاليف المعيشة
تكبّد ملايين الأمريكيين خسائر حادة في درجاتهم الائتمانية عقب تأخرهم عن سداد أقساط قروضهم الطلابية، ما عوق قدرتهم على تأمين سكن أو الحصول على تأمين أو حتى توقيع عقود عمل، جاء هذا التراجع في وقت يشهد فيه الاقتصاد الأمريكي حالة من التباطؤ وارتفاعًا في معدلات التضخم والبطالة.
ووفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، اليوم الاثنين، سجّل أكثر من 2.2 مليون مقترض تراجعًا يتجاوز 100 نقطة في درجاتهم الائتمانية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، فيما هبط تصنيف أكثر من مليون شخص بأكثر من 150 نقطة، وفقًا لتحليل أعدّه بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، وعدّ الباحثون هذا الانخفاض مشابهًا لما يحدث عقب إعلان الإفلاس، ما يُبرز خطورة التدهور المالي الذي يواجهه هؤلاء الأفراد.
رصد التحليل أن نحو 2.4 مليون من المتأخرين في السداد كانوا يتمتعون سابقًا بدرجات ائتمانية جيدة، ما كان يؤهلهم للحصول على قروض سيارات أو رهون عقارية أو بطاقات ائتمان.
وأدى انخفاض درجات الائتمان إلى زيادة تكلفة القروض بالنسبة لملايين الأمريكيين، بالتزامن مع وصول أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها منذ عقدين، وأكد مجلس الاحتياطي الفيدرالي في بياناته الأخيرة أنه لا يعتزم خفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب، ما يفاقم من الضغوط المالية على المقترضين.
رفض طلبات القروض
وكشفت المؤشرات الاقتصادية عن ارتفاع في معدلات رفض طلبات القروض في فبراير 2025، مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، خصوصًا في مجالات قروض السيارات وبطاقات الائتمان، وإعادة تمويل الرهون العقارية.
فقدت سائقة التوصيل تينا جونسون فرصة شراء سيارة مستعملة بعد أن تلقت إشعارًا يُفيد بإلغاء موافقة مسبقة على قرض السيارة، حيث تراجع تقييمها الائتماني من 650 إلى 418 بسبب تخلفها عن سداد قرض طلابي بقيمة 440 دولارًا، لم تكن تعلم بضرورة تسديده من جديد.
ورغم تأكيد وزارة التعليم على إرسال الفواتير للمقترضين قبل موعد الاستحقاق بثلاثة أسابيع على الأقل، أكدت جونسون أنها لم تتلقَ أي إشعار.
أشارت جونسون، البالغة من العمر 44 عامًا والمقيمة في مقاطعة فليمنغ بولاية كنتاكي، إلى أنها لم تتلقَّ أي اتصال -سواء عبر البريد الإلكتروني أو الهاتف أو الرسائل- وأكدت أن هذا التأخير غير المقصود كلّفها الكثير، قائلة: "كان يمكنني تجنب كل هذا لو تم إخطاري في الوقت المناسب".
وارتفع القسط الشهري المتوقع لسيارة جونسون من 350 إلى ما يقارب الضعف، ما جعلها غير قادرة على تحمل التكلفة، واضطرت إلى تأجيل خططها للاقتراض من أجل إصلاح سقف منزلها أو العودة إلى مقاعد الدراسة، بسبب التراجع الحاد في تقييمها الائتماني، وأشارت بأسى إلى أن استعادة النقاط المفقودة قد يستغرق سنوات.
وأوقفت الحكومة الفيدرالية في مارس 2020 سداد قروض الطلاب الفيدرالية بشكل مؤقت مع بداية جائحة كورونا، بهدف التخفيف عن الأمريكيين وسط الاضطرابات الاقتصادية، ورغم استئناف السداد في نهاية عام 2023، منحت إدارة الرئيس جو بايدن فترة سماح لمدة عام انتهت في 30 سبتمبر 2024، لكن ملايين المقترضين لم يسددوا أقساطهم بعد.
استأنفت الحكومة هذا الشهر عمليات تحصيل القروض المتعثرة، معلنةً نيتها البدء في حجز الأجور، والإقرارات الضريبية، ومدفوعات الضمان الاجتماعي في صيف هذا العام، ما يضيف طبقة جديدة من الضغوط على المقترضين.
ضغوط على المقترضين
كشف تحليل بنك الاحتياطي الفيدرالي أن واحدًا من كل أربعة مقترضين تخلف عن السداد لأكثر من 90 يومًا بحلول نهاية مارس الماضي.
ورغم أن معظم ديون الطلاب تُثقل كاهل الأمريكيين الأصغر سنًا، أظهرت البيانات أن المقترضين الذين تجاوزوا الأربعين عامًا هم الأكثر عرضة للتخلف، ما يعكس تأثير التضخم الطويل الأمد على قدرة متوسطي العمر على الوفاء بالتزاماتهم.
أكد الرئيس التنفيذي لبنك "أمريكان برايد" في مدينة ماكون بولاية جورجيا، دومينيك ميجارتان، أن "ما نشهده حاليًا هو بداية أزمة حقيقية يجب الانتباه إليها"، محذرًا من أن تراجع درجات الائتمان يُضيف أعباءً جديدة على المواطنين مع ارتفاع تكاليف المعيشة، من فواتير الهاتف والتأمين، إلى خدمات المرافق والضروريات اليومية.
تراجع متوسط الدرجات الائتمانية
تراوح درجات الائتمان عمومًا بين 300 و850، وتعتمد على سجل الشخص المالي، ومدى انتظامه في سداد التزاماته، ومقدار الديون القائمة، يستخدم المقرضون هذه الدرجات، بالإضافة إلى أصحاب العقارات، وأرباب العمل، وشركات التأمين، ومزودي الخدمات، لتقييم مدى أهلية الأفراد للحصول على التمويل أو الخدمات.
أوضحت أستاذة الاقتصاد في جامعة ميامي والباحثة السابقة في بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ستيفانيا ألبانيسي، أن "انخفاض الدرجات الائتمانية دفع كثيرين إلى فئة الرهون العقارية دون المستوى المطلوب، ما حرمهم من فرص الحصول على قروض بشروط مناسبة".
وأضافت أن "الدرجات يمكن أن تنخفض بسرعة، لكن استعادتها تتطلب وقتًا طويلًا، وقد تستغرق سنوات رغم عودة المقترضين إلى الالتزام بالسداد".
أسهم ارتفاع حالات التعثر في خفض متوسط درجة الائتمان الوطنية إلى 715 في فبراير 2025، وهو أدنى مستوى منذ بداية الجائحة، بحسب بيانات شركة "FICO".
تعرضت جورني بتلر، خريجة العلوم السياسية البالغة من العمر 21 عامًا، لصدمة بعد أن علمت أن تقييمها الائتماني تراجع بمقدار 168 نقطة، ليصل إلى 521، بعد أن كانت تخطط للالتحاق بكلية الحقوق.
تمديد بسبب كارثة طبيعية
ظنت بتلر أن ديونها لا تزال تحت التجميد، بعد أن حصلت على تمديد بسبب كارثة طبيعية، لكنها لم تتابع الرسائل البريدية أو الصوتية من المُقرض.
سارعت بتلر بسداد المبلغ المستحق، البالغ 500 دولار، لكنها فوجئت بأن استعادة سجلها الائتماني قد تستغرق سنوات، اليوم، تُواجه صعوبات في العثور على سكن، وتشعر بأن خططها التعليمية باتت مهددة.
قالت بتلر، التي تعمل في شركة تأمين صحي في تالاهاسي: "انهار كل شيء فجأة.. نحن بحاجة إلى سجل ائتماني جيد للحصول على وظيفة أو سكن أو تأمين.. هذا يؤثر في كل جانب من حياتنا".
سجّلت معدلات رفض طلبات إعادة تمويل الرهن العقاري 42% في فبراير 2025، مقارنة بـ27% في العام السابق، وفقًا لمسح أعدّه بنك الاحتياطي الفيدرالي، كما ارتفعت معدلات رفض قروض السيارات من 2% إلى 14%، وقفزت طلبات رفض بطاقات الائتمان من 17% إلى 22% خلال الفترة ذاتها.
وبلغت نسبة الأمريكيين الذين أحجموا عن طلب القروض خشية الرفض مستوى قياسيًا بلغ 8.5%، وهو أعلى رقم يُسجل منذ بدء المسح عام 2013.
وأكد كبير محللي التمويل الاستهلاكي في منصة "LendingTree"، مات شولز، أن "الضغوط المالية أصبحت خانقة، فعودة أقساط القروض بعد انقطاع دام سنوات أثرت بشكل مباشر في قدرة المواطنين على إدارة التزاماتهم المالية الأخرى".
وتستعد شابة تُدعى ديستني، تبلغ من العمر 30 عامًا، لتولي وظيفة جديدة في قطاع التكنولوجيا في الغرب الأوسط الأمريكي، لكنها تعاني الآن صعوبة إيجاد سكن بعدما انخفض تقييمها الائتماني من 700 إلى 400، ما جعل استئجار شقة أمرًا شبه مستحيل.
وتؤكد أن انهيار سجلها الائتماني عرقل بداية فصل جديد في حياتها المهنية والشخصية، معبّرة عن خشيتها أن تُواجه مزيدًا من التحديات مع دخولها مرحلة الاستقرار العملي.