هرباً من ضغوط الحرب.. معرض في كييف للصراخ والبكاء وتفريغ المشاعر
هرباً من ضغوط الحرب.. معرض في كييف للصراخ والبكاء وتفريغ المشاعر
استقطب معرض فني يُقام في العاصمة الأوكرانية كييف خلال شهر مايو آلاف الزوار الباحثين عن متنفس نفسي وسط الحرب، حيث يتيح لهم التعبير عن مشاعرهم من خلال الصراخ، والبكاء، والضحك، وحتى الشتائم في أماكن مخصصة لذلك، رغم استمرار الهجمات الروسية المكثفة على المدينة.
أطلقت الأوكرانية إينا بورغان صرخة مدوية من أعماقها داخل إحدى الغرف المعزولة في المعرض، قبل أن تقول مبتسمة: "إنه يخفف العبء ويريح!"، وفق وكالة فرانس برس.
وتُعد هذه التجربة جزءاً من قسم خاص في المعرض يسمح لزواره بإطلاق مشاعرهم المكبوتة والتعبير عن الغضب أو الحزن بأعلى صوت، بعيداً عن ضغوط الحياة اليومية المستمرة منذ بداية الغزو الروسي في فبراير 2022.
دعم نفسي بتقنيات حديثة
أكدت مفوضة المعرض، الأخصائية النفسية يوليا سولوفيي، في حديثها لوكالة فرانس برس، أن فكرة المعرض الذي يحمل عنوان "النفس الثالث" ترتكز على مساعدة الأوكرانيين على التعامل مع الأزمات النفسية المتراكمة، موضحة أن الاسم يرمز إلى تجاوز "النفس الثاني" أو نقطة الانهيار، والدخول في مرحلة جديدة من الصمود والمقاومة النفسية.
وأشارت سولوفيي إلى أن الفكرة تقوم على تقديم الدعم من خلال التجربة الحسية والتفاعلية، بالتعاون مع علماء نفس أوكرانيين، وبدعم من الخبير الأميركي الشهير بول إيكمان، المتخصص في دراسة المشاعر الإنسانية.
واستقطب المعرض نحو مئة ألف زائر خلال شهر واحد فقط، ما اعتُبر نجاحاً لافتاً للمبادرة التي تهدف أيضاً إلى رفع الوعي بقضايا الصحة النفسية، في بلد تشير إحدى الدراسات إلى أن 44% من سكانه يصفون حالتهم النفسية بأنها غير مرضية.
ويشمل المعرض أقساماً متنوعة منها غرفة لتوجيه الشتائم، وركن لاحتضان قطة عملاقة، ومساحة مخصصة للرقص والموسيقى.
الفرار من الواقع
اختارت أناستازيا ستوروجينكو، وهي أم تبلغ من العمر 31 عاماً، زيارة المعرض مع زوجها فيكتور للهروب مؤقتاً من الواقع.
وقالت وهي تضع خوذة واقع افتراضي تأخذها إلى جبال الهيمالايا: "إذا لم تحاول نقل نفسك إلى واقع آخر، فسيكون الأمر صعباً جداً"، مضيفة: "يجب أن نستيقظ يومياً ونواصل الحياة، ولو من أجل أطفالنا".
أما زوجها، فيكتور، الذي غادر مهنته كممثل ليخدم في الجيش، فقال: "أصبحت منغلقاً عاطفياً"، لكنه أشار إلى أن التجربة ساعدته على الابتسام مجدداً، ولو للحظات.
رسائل أمل على الجدران
على جدار أسود كتب الزوار عبارات مليئة بالأمل والحنين مثل: "أنا على قيد الحياة"، و"أشعر بدقات قلبي"، و"مرحبا بكم في الأراضي الأوكرانية"، وتظهر على الجدار أيضاً رسومات وكتابات تركها أطفال.
وتتوزع في أنحاء المعرض مشاهد ترمز إلى الأمل، مثل مشهد شروق الشمس المعروض على شاشة عملاقة، حيث يحتضن الزوار بعضهم بعضاً أمامه.
تعهد المنظمون بتحويل نصف عائدات التذاكر إلى جمعية تصنّع أطرافاً اصطناعية للمحاربين القدامى الذين فقدوا أطرافهم في المعارك، ومن المقرر أن تُنقل أقسام من المعرض لاحقاً إلى مراكز إعادة التأهيل النفسية للجنود والمدنيين الذين يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة.
محاولة لاستعادة الطفولة
في إحدى زوايا المعرض، تجولت ناتاليا نوفيكوفا وزوجها فاديم في بركة ماء وهما يرتديان حذاءين مطاطيين، محاولة للعودة إلى لحظات الطفولة البريئة. وقال فاديم: "يمكننا ولو للحظة ألا نشعر بالضغط الذي نعيشه كبالغين".
وينحدر الزوجان من منطقتين خاضعتين للاحتلال الروسي: فاديم من سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم، وناتاليا من دونيتسك، واضطرا إلى الفرار خلال الحرب، فيما لجأت ناتاليا إلى مدينة بوتشا القريبة من كييف، حيث وقعت مجازر تُتهم القوات الروسية بارتكابها عام 2022.
واختتمت ناتاليا حديثها بالقول: "لم أتوقع أن يُشعرني المعرض بأي شيء، لكنه رائع في الواقع".