اليوم الدولي للحوار بين الحضارات.. تضامن عالمي في وجه خطاب الكراهية
يحتفل به 10 يونيو من كل عام
في عالم يزداد انقساماً يوماً بعد يوم، حيث تتصاعد نبرة الخطاب العدائي وتتنامى مظاهر التعصب والكراهية على خلفية الأزمات الاقتصادية والسياسية، يأتي الاحتفال الأول باليوم الدولي للحوار بين الحضارات في 10 يونيو 2025 ليمثل منعطفاً تاريخياً في مسيرة التعايش الإنساني.
وتعود فكرة هذا اليوم إلى جهود دبلوماسية مكثفة قادتها الصين بدعم من تحالف يضم أكثر من 80 دولة، حيث تم اعتماد القرار رقم 78/286 بالإجماع في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 7 يونيو 2024، وقد جاء هذا القرار تتويجاً لمسار طويل من النقاشات الدولية حول ضرورة إيجاد آليات مؤسسية لتعزيز التفاهم الحضاري.
ومن منظور حقوقي، يمثل هذا اليوم اعترافاً دولياً صريحاً بأن التنوع الحضاري حق إنساني أصيل، وأن حماية هذا التنوع مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمع الدولي، فوفقاً للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، فإن الحق في الهوية الثقافية يعد جزءاً لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان الأساسية.
وتواجه فكرة الحوار الحضاري اليوم تحديات غير مسبوقة، لعل أبرزها: تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا ومعاداة السامية في الغرب، وتصاعد الخطاب المعادي للمهاجرين في أوروبا وأمريكا، انتشار خطاب الكراهية عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومحاولات بعض القوى السياسية توظيف الاختلافات الثقافية لأغراض انتخابية
رؤية الأمم المتحدة
في رسالته بمناسبة هذا اليوم، شدد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، على أن "غياب الحوار يخلق فراغاً تملؤه الأفكار المتطرفة"، و"حيثما غاب الحوار، سدَّ الجهلُ مسدَّه" مشيراً إلى أن المنظمة الدولية تعمل منذ سنوات على تعزيز الحوار من خلال مبادرات مثل تحالف الحضارات والمنتدى العالمي للثقافات.
وقد أصبحت هذه المهمة حاليا ألحّ من أي وقت مضى، ففي أرجاء العالم قاطبة تتعالى أصوات دعاة التعصب وكراهية الأجانب ويتعاظم تأثيرها بسبب التضليل الإعلامي والتحريض على الكراهية اللذين يجري الترويج لهما على الإنترنت.
وأكد الأمين العام أن اليوم الدولي للحوار بين الحضارات هو مناسبة للدعوة إلى العمل القائم على الإصغاء والتواصل والمجاهرة بالرأي قائلاً: "فلنواجه الكراهية بتمسكنا بقيم الإنسانية، ولنستمع بقلوب متعاطفة وعقول متفتحة، ولنختر طريق الحوار على طريق الانقسام".
وأضاف: "ليكن طموحنا هو أن نصبح أسرة بشرية واحدة تزخر بتنوعها وتعيش متحدة بفضل التضامن والمساواة في الكرامة والتمتع بحقوق الإنسان".
تعزيز الحوار الحضاري
تتنوع برامج تعزيز الحوار الحضاري بين برامج التبادل الطلابي بين الجامعات، ومهرجانات الفنون والآداب المشتركة، ورش العمل المشتركة بين الأكاديميين ورجال الدين، مشاريع الإعلام التشاركي التي تتيح مساحات للحوار
وتشير الإحصاءات الصادرة عن اليونسكو إلى أن الفئة العمرية بين 18-35 سنة هي الأكثر انخراطاً في مبادرات الحوار الحضاري، حيث يمثلون نحو 62% من المشاركين في برامج التبادل الثقافي الدولية، وهذا ما دفع العديد من المنظمات إلى تطوير برامج خاصة تستهدف هذه الفئة.
ويرى المراقبون أن نجاح هذه المناسبة سيقاس بقدرتها على: تحويل الخطاب النظري إلى برامج عمل ملموسة، وإشراك القطاع الخاص في تمويل مبادرات الحوار، وتطوير آليات رصد وتقييم لأثر برامج الحوار، وإدماج مقاربة الحوار الحضاري في المناهج التعليمية.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات الداعية للانكفاء على الذات ورفض الآخر، يأتي اليوم الدولي للحوار بين الحضارات ليعيد تأكيد حقيقة أن التنوع الثقافي ليس تهديداً يجب الخوف منه، بل ثروة إنسانية يجب الاحتفاء بها، فكما قال المفكر الفرنسي روجيه غارودي ذات يوم: "الحضارة التي لا تحاور غيرها من الحضارات هي حضارة محكوم عليها بالانقراض".