انتحار المزارعين في الهند يتصاعد بفعل تغيّر المناخ وتوسّع الجفاف

انتحار المزارعين في الهند يتصاعد بفعل تغيّر المناخ وتوسّع الجفاف
الجفاف في الهند- أرشيف

تزايدت حالات انتحار المزارعين في الهند خلال السنوات الأخيرة، نتيجة مزيج من الديون الثقيلة وظروف الطقس القاسية التي فاقمها تغيّر المناخ، ما أدى إلى انتشار الجفاف وفشل المحاصيل، ودفع العديد منهم إلى خيار مأساوي بإنهاء حياتهم.

شهدت ولاية ماهاراشترا الواقعة غرب البلاد، إحدى أعلى نسب الانتحار في صفوف المزارعين، حيث سجّلت السلطات المحلية انتحار ما يقارب 3090 مزارعاً بين عامي 2022 و2024، أي ما يقارب ثلاث حالات يومياً، وفق تصريح وزير الزراعة المحلي شيفراج سينغ تشوهان. 

وتُعدّ هذه الولاية واحدة من أكثر المناطق تضرراً من الظواهر المناخية المتطرفة، إذ تحمّلت وحدها أكثر من 60% من الأضرار الزراعية الناتجة عن التغير المناخي في البلاد، والتي طالت أكثر من 3,2 مليون هكتار وفق بيانات مركز العلوم والبيئة في نيودلهي.

تجربة ميراباي المؤلمة

روت ميراباي خندكار، وهي أرملة تبلغ من العمر 30 عامًا، قصّة زوجها أمول الذي أنهى حياته بتناول السمّ بعد أن تراكمت عليه الديون وفشلت محاصيله من القطن وفول الصويا والدخن نتيجة الجفاف. 

كان أمول يمتلك هكتارًا واحدًا من الأرض، لكن ذلك لم يكن كافيًا لتأمين الحد الأدنى من الدخل، حيث بلغت ديونه أضعاف دخله السنوي. 

توضح ميراباي، التي أصبحت تعيل ثلاثة أطفال، بصوت مرتجف: "كنت أصلّي ألا يموت حين نُقل إلى المستشفى.. وكانت الديون آخر ما تحدثنا عنه".

تغير المناخ والتدهور الزراعي

أكد بالاجي خندكار، شقيق أمول، وهو مزارع أيضًا، أنّ الحرارة المرتفعة وعدم انتظام الأمطار وتراجع مصادر الريّ تجعل من الزراعة مهمة شبه مستحيلة، قائلاً: "نقوم بما علينا، ولكن المحصول لا يكفي حتى لسد رمقنا". 

وتعتمد الزراعة في معظم أنحاء الهند على الأمطار الموسمية التي أصبحت أكثر تقلبًا في السنوات الأخيرة.

يعمل أكثر من 45% من السكان في الهند في الزراعة، لكنّ القطاع يعاني منذ عقود من أزمة إنتاجية ودخل مزمن، إذ يبلغ متوسط دخل المزرعة نحو 120 دولاراً شهرياً، وفق بيانات رسمية. 

ويلجأ كثير من المزارعين إلى مقرضين خاصين بفوائد مرتفعة بعد رفض البنوك منحهم قروضًا، ما يورّطهم في دوامة ديون قاسية.

ويشير آر. راماكومار، أستاذ الاقتصاد الزراعي في معهد تاتا للعلوم الاجتماعية، إلى أن "الانتحار في أوساط المزارعين يرتبط بمشكلات الدخل، وقلة الاستثمارات، وانخفاض الإنتاجية"، مضيفًا أن تغيّر المناخ يزيد من هشاشة المزارعين الصغار، ويجعلهم أكثر عرضة للكوارث.

عائلات مفجوعة وحلول غائبة

في قرية مجاورة، تولّى الشيخ عمران البالغ 32 عاماً إدارة مزرعة العائلة بعد انتحار شقيقه شنقًا. وكان قد استدان نحو 1100 دولار لزراعة فول الصويا، لكنّ المحصول لم يظهر، وظلت أرضه قاحلة.

وعن هذا يقول عمران: "نسمع أصوات تفجيرات لحفر آبار جديدة، عسى أن نعثر على ماء.. لكن حتى مياه الشرب أصبحت نادرة".

تعبّر والدته ختيجابي عن الإحباط الذي يعيشه المزارعون بقولها: "إذا لم نجد ماء للشرب، فكيف نسقي الأرض؟".

دعوات للتغيير

دعا خبراء إلى إصلاحات شاملة، تشمل إدخال تقنيات حديثة للزراعة، وتوفير التأمين ضد الكوارث الطبيعية، وزيادة الإنفاق الحكومي على الأبحاث الزراعية. 

وأكد راماكومار أن "الزراعة لا يجب أن تعتمد كليًا على الأمطار"، مشيرًا إلى ضرورة التحول نحو أنظمة ري حديثة وبنية تحتية قادرة على مواجهة تحديات المناخ.

أزمة انتحار المزارعين في الهند لم تعد فقط مسألة اقتصادية، بل أزمة إنسانية تتفاقم في ظل غياب حلول جذرية وتأخّر في الاستجابة الحكومية. وبينما تزداد حرارة الأرض، تتقلص آمال مزارعيها البسطاء الذين يواجهون المستقبل بأيدٍ خالية وقلوب مثقلة بالهموم.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية