أزمة المياه في إيران.. النساء والأطفال ضحايا للسياسات غير العادلة

أزمة المياه في إيران.. النساء والأطفال ضحايا للسياسات غير العادلة
العطش في إيران

تتعرض النساء في المناطق الريفية والنائية بإيران لضغوط يومية غير مسبوقة بسبب أزمة المياه الممتدة لعقود، والتي لا تمثل مجرد خلل بيئي أو نقص في الموارد، بل هي انعكاس لفشل السياسات التنموية وتركيز السلطة في العاصمة على حساب احتياجات المجتمعات الطرفية. 

وفي هذا السياق، تتحمّل النساء عبئاً مزدوجاً، حيث يُجبرن على تأمين الاحتياجات الأساسية للأسر بينما تُستبعد أصواتهن عن عملية اتخاذ القرار والسياسات الوطنية المتعلقة بالمياه، بحسب ما ذكرت لوكالة "JINHA"، اليوم الجمعة.

وفي المناطق القاحلة والمهمّشة مثل سيستان وبلوشستان، خوزستان، كهغيلويه وبوير أحمد، كرمان، لرستان وأجزاء من شرق كردستان، تُجبر النساء والفتيات على قطع مسافات طويلة يومياً للحصول على الماء، حاملة عبوات ثقيلة تحت حرارة الشمس أو عبر طرق وعرة وجبلية خطرة. 

ويضاعف هذا الجهد الجسدي العبء الملقى عليهن نتيجة غياب البنية التحتية المستدامة، ويُحوّل أجسادهن إلى أدوات للبقاء اليومي.

المشي ساعتين نحو البئر

في قرية "تمبي" ببلوشستان، تضطر الفتيات بين سن 10 و15 عاماً للمشي ساعتين يومياً نحو بئر موسمي، وفي بعض الحالات، يضطررن للسير حفاة، مما يعرّضهن للتسلخات والحروق. 

وفي مناطق مثل دشت آزادكان بخوزستان، تنقل النساء عبوات ماء سعة 20 لتراً من مصادر ملوثة، مستخدمات عربات يدوية أو الحمير، ما أدى إلى انتشار أمراض العظام والكلى بينهن.

تروي امرأة شابة من المناطق الجبلية أنها انكسرت أثناء العودة من النبع في يوم شتوي مغطى بالجليد، بينما كان طفلها مريضاً، مؤكدة أن هذه التجربة اليومية جزء من واقع المرأة الإيرانية في المناطق النائية: "كونك امرأة يعني أن تسلكي أصعب الطرق من أجل أبسط الأمور".

التهميش وأثره على التعليم

تُظهر هذه الأزمة أن الحرمان من المياه لا يقتصر على صعوبة الحصول على الحياة الأساسية، بل يمتد إلى حرمان الفتيات من التعليم، فمع انشغالهن بالسير لساعات طويلة لجلب الماء، تتوقف المدارس عن استيعابهن، وتصبح الدراسة أولوية ثانوية، ما يعزز فجوة النوع الاجتماعي ويكرّس التهميش المجتمعي.

وتؤكد البيانات والتحليلات أن أزمة المياه في إيران ليست فقط نتيجة الجفاف الطبيعي، بل هي نتاج سياسات مركزية غير عادلة، حيث يتم توجيه الموارد للمشاريع العسكرية والبنية التحتية في المدن الكبرى، على حساب المناطق الريفية.

كما يتم بناء سدود غير مدروسة ونقل المياه بين الأحواض لخدمة المدن الميسورة، ما يؤدي لتدمير النظم البيئية المحلية، وتصميم مشاريع التنمية الريفية دون إشراك النساء، رغم كونهن المسؤولات عن إدارة المياه داخل الأسر.

وبذلك، تتحوّل التنمية إلى عبء على النساء، اللاتي يُستغَل جسدهن كوسيلة لسدّ ثغرات النظام الإداري، في ممارسة تُظهر العنف البنيوي المُمارس بحقهن.

العنف البنيوي من منظور حقوقي

في ظل غياب العدالة البيئية، تتحوّل أزمة المياه إلى أداة للضغط على النساء، خصوصاً في المناطق الحدودية والمهمشة، يُفرض عليهن أدواراً جسدية قسرية تمتد من حمل العبوات الثقيلة إلى الوقوف في طوابير طويلة، مما يزيد من خطر الإصابات الجسدية والحوادث، بما في ذلك التعرض للعضات الأفاعي، الانزلاق، أو حتى الاعتداء الجنسي في بعض الحالات.

ويعكس هذا الواقع غياب المساواة في توزيع الموارد، ويجعل النساء ضحايا مزدوجين: أولاً كضحايا لفشل السياسات، وثانياً كعاملات غير مرئيات في تقسيم العمل القائم على النوع الاجتماعي.

وتبيّن الأزمة المستمرة في المياه في إيران أن التنمية المركزية والسياسات غير العادلة لها آثار إنسانية مباشرة، خصوصاً على النساء في المناطق النائية. تتحوّل النساء إلى بنية تحتية حية، يحملن عبء بقاء أسرهن على قيد الحياة، بينما تُهمّش أصواتهن في صنع القرار والسياسات الوطنية.

وتتطلب معالجة هذه الأزمة تخطيطاً تنموياً عادلاً، وإشراك النساء في تصميم المشاريع المحلية، وضمان وصول البنى التحتية الأساسية إلى جميع المواطنين، بعيداً عن الحسابات السياسية والأمنية الضيقة، لضمان التنمية المستدامة واحترام حقوق الإنسان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية