النيابة الجزائرية تحيل محاولة انتحار ناشط إلى قسم مكافحة الإرهاب
النيابة الجزائرية تحيل محاولة انتحار ناشط إلى قسم مكافحة الإرهاب
أعلنت النيابة الجزائرية، الثلاثاء، أن التحقيق في واقعة محاولة انتحار الناشط فوزي زقوط بإضرام النار في نفسه أمام مقر وزارة العدل مطلع الشهر الجاري، أسفر عن توقيف 5 أشخاص، وتحويل القضية إلى قسم مكافحة الإرهاب، بعدما تبيّن وجود شبهة "تنظيم إجرامي" خطط لارتكاب أفعال تُهدد النظام العام.
وأفادت نيابة محكمة سيدي أمحمد بوسط العاصمة، في بيان رسمي، أن التحقيق المعمق كشف عن "مجموعة إجرامية منظمة" كانت قد خططت مسبقًا لتصوير محاولة الانتحار ونشر الفيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف "المساس بالنظام العام وتعطيل السير الحسن للمؤسسات العمومية".
وأشارت النيابة إلى أن الشخص الذي صوّر الفيديو كان على تواصل مع أطراف متواجدين خارج الجزائر، وأنه كان يحوز عدة حسابات بنكية، كما ثبت أنه أقام لمدة سنتين في دولة أجنبية وتلقى تحويلات مالية عبر حسابه البريدي من جهات لم تُسمّها.
الواقعة أمام وزارة العدل
وجرت الحادثة صباح يوم السبت 1 يونيو، عندما توجّه الناشط فوزي زقوط، المنحدر من مدينة فرندة بولاية تيارت (340 كم غرب الجزائر العاصمة)، إلى المدخل الرئيسي لمبنى وزارة العدل برفقة شخص آخر كان يقوم ببث مباشر للحادثة.
وقام زقوط، الذي كان يرتدي قميصًا أبيض وربطة عنق سوداء وقبعة رياضية، بصب الوقود على نفسه قبل أن يشعل النار، مرددًا كلمات قال فيها إن ما يقوم به "من أجل تنبيه الرئيس عبد المجيد تبون إلى الظلم" الذي يتعرّض له.
وتمكّنت عناصر الأمن المتمركزة عند بوابة الوزارة من التدخل سريعًا، حيث سيطروا على الحريق وأطفأوه، ثم نُقل زقوط إلى مستشفى زرالدة للحروق الكبرى، حيث ما زال يتلقى العلاج حتى الآن، وفق بيان سابق من النيابة العامة.
احتجاج الناشط وملفاته القضائية
وقبل الواقعة، نشر زقوط تدوينة على صفحته بموقع "فيسبوك" كتب فيها: "هذا سببه قاضٍ في محكمة فرندة... هددني بالسجن عشر سنوات تعسفًا"، في إشارة إلى إحدى القضايا التي يحاكم فيها.
ويُعرف زقوط في منطقته بأعماله الخيرية، وقد ذكر في الفيديو أنه ناشط اجتماعي يحاكم بسبب جمعه أموالًا لدعم المرضى دون الحصول على ترخيص رسمي. وكانت المحكمة تستعد للنطق بالحكم في قضيته يوم الواقعة.
ووفق النيابة، يُحاكم الناشط حاليًا أمام محكمة الجنح بفرندة في قضيتين، وهو في حالة إفراج مؤقت. الأولى تتعلق بتهم "ممارسة نشاط جمعوي بدون اعتماد، وانتحال صفة، وجمع تبرعات دون ترخيص"، بينما تتعلق القضية الثانية بجنحة "التحريض على التجمهر غير المسلح وغلق الطريق العمومي".
قلق بين الأوساط الحقوقية
أثار قرار إحالة القضية إلى قسم مكافحة الإرهاب جدلًا واسعًا، إذ عبّرت أوساط حقوقية ومراقبون عن قلقهم من توصيف محاولة الانتحار كجزء من "مخطط تخريبي" أو "عمل منظم"، معتبرين أن ذلك قد يؤدي إلى تقييد مساحات التعبير ووصم الاحتجاجات الفردية بمفاهيم مرتبطة بالأمن القومي.
وتأتي هذه التطورات في ظل مناخ سياسي متوتر في الجزائر، حيث تزداد الملاحقات القضائية ضد نشطاء المجتمع المدني، في وقت تشهد فيه البلاد نقاشًا واسعًا حول حدود الحريات العامة، ودور القضاء، ومدى استقلاليته في قضايا الرأي والعمل الجمعوي.
كما يعكس هذا الملف حساسية الحكومة الجزائرية تجاه استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة للاحتجاج والتعبير عن المظالم، خاصة عندما تترافق مع صور صادمة أو محاولة إيذاء النفس.
دعوات للتحقيق الشفاف
تطالب منظمات حقوقية جزائرية ودولية السلطات القضائية بالتحلي بالشفافية في هذا الملف، وضمان المحاكمة العادلة لجميع المتهمين، وبتقديم توضيحات للرأي العام حول الاتهامات المتعلقة بـ"المساس بالنظام العام"، والتي كثيرًا ما تُستخدم في ملفات ذات طابع احتجاجي.
ويؤكد متابعون أن تحويل الملف إلى قسم مكافحة الإرهاب قد يُفسَّر على أنه رسالة تحذيرية لردع أي محاولات احتجاج مشابهة مستقبلاً، حتى لو كانت فردية أو بدوافع اجتماعية.