"واشنطن بوست": تزايد استخدام المنصات الرقمية يُفاقم الاكتئاب لدى المراهقين
"واشنطن بوست": تزايد استخدام المنصات الرقمية يُفاقم الاكتئاب لدى المراهقين
أظهرت دراسة جديدة أن الاستخدام المتزايد لوسائل التواصل الاجتماعي بين المراهقين يُشكّل مؤشرًا على تطوّر لاحق في أعراض الاكتئاب، حيث تتبّع باحثون في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو ما يقرب من 12 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين التاسعة والعاشرة، على مدى ثلاث سنوات، ضمن واحدة من أضخم الدراسات الطولية لتطوّر الدماغ وصحة الطفل في الولايات المتحدة.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، اليوم الخميس، سجّل الباحثون ارتفاعًا كبيرًا في المدة اليومية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إذ ارتفع متوسط الاستخدام اليومي من سبع دقائق فقط في سن التاسعة إلى 74 دقيقة عند بلوغ سن الثالثة عشرة، وفي المقابل ازدادت أعراض الاكتئاب بنسبة 35% خلال الفترة نفسها.
وأوضح الأستاذ المشارك في طب الأطفال بجامعة كاليفورنيا، جيسون ناجاتا، وهو المؤلف الرئيسي للدراسة المنشورة في مايو بمجلة JAMA Network Open، أن نتائج فريقه كشفت علاقة طردية واضحة بين تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتفاقم أعراض الاكتئاب.
وقال: "يبدو أن هذه المنصات تمثل عامل خطر حقيقي، الأطفال الذين زاد استخدامهم لها أظهروا أعراض اكتئاب لاحقة، في حين أن الذين عانوا مسبقًا من هذه الأعراض لم يكونوا بالضرورة أكثر إقبالًا على استخدامها".
استفاد الباحثون من بيانات "دراسة تطور الدماغ الإدراكي لدى المراهقين"، وهي دراسة وطنية طويلة الأمد تشمل عينة متنوعة عرقيًا واقتصاديًا، وركّز ناجاتا على ميزة تتبع نفس الأطفال سنويًا، ما أتاح فهمًا أدق لتأثير العوامل الرقمية على الصحة النفسية.
وأشار ناجاتا إلى وجود عوامل أخرى قد تُسهم في تطوّر الاكتئاب، مثل العوامل الوراثية أو الظروف البيئية والمجتمعية، بما في ذلك جائحة كوفيد-19، لكنه شدّد على أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يظل عاملًا يمكن للأفراد التحكم فيه نسبيًا، ما يجعله أداة تدخل فعّالة للحد من خطر الإصابة.
خرق القوانين العمرية للمنصات
كشف ناجاتا عن فجوة خطيرة في تطبيق قواعد العمر الخاصة باستخدام المنصات، مشيرًا إلى أن نحو 20% من الأطفال بين التاسعة والعاشرة كانوا يمتلكون حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم أن الحد الأدنى العمري المفترض هو 13 عامًا، وبحلول سن 11 إلى 12 عامًا، ارتفعت النسبة إلى الثلثين.
وأضاف: "في المتوسط، يمتلك الطفل حسابات على ثلاث منصات، وغالبًا ما يكون تيك توك هو الأبرز، يليه إنستغرام وسناب شات".
وشدّد ناجاتا على ضرورة وعي صانعي السياسات بهذه المعطيات، قائلاً: "تُظهر نتائجنا أن التحقق من العمر لا يعمل كما ينبغي، فالأطفال اليوم يملكون مهارات تقنية كافية للالتفاف على القيود".
التنمر الإلكتروني
أجرى ناجاتا وفريقه دراسة منفصلة نُشرت في مجلة لانسيت الإقليمية للصحة الأمريكية باستخدام نفس قاعدة البيانات، وخلصوا إلى أن التنمر الإلكتروني يُضاعف خطر ظهور أفكار انتحارية أو محاولات انتحار لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و12 عامًا، كما زاد من احتمالية تعاطيهم مواد مخدرة كالماريغوانا والكحول والتبغ.
وأوضح ناجاتا الفارق بين التنمر في الواقع والتنمر الرقمي، مؤكدًا أن الأخير "مستمر حتى في غرف النوم، وغالبًا ما يكون من مصدر مجهول، ما يزيد من الأذى النفسي الواقع على الطفل".
وحذّر ناجاتا من أثر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على نمط الحياة الصحي، خاصة النوم والنشاط البدني، وقال: "لدينا 24 ساعة فقط في اليوم، وكل ساعة تُقضى أمام الشاشة تُؤخذ من وقت النوم أو الحركة".
وأشار إلى توصية الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بضرورة إبعاد الهواتف عن الأطفال قبل ساعة على الأقل من النوم، لكن الدراسة أظهرت أن كثيرًا من الأطفال يستخدمون الأجهزة الرقمية ليلًا، بل إن 63% يحتفظون بها في غرفهم طوال الليل، و17% أفادوا بأنهم استيقظوا بسبب الإشعارات خلال الأسبوع السابق للدراسة.
وحثّ ناجاتا الآباء على وضع خطة إعلامية عائلية واضحة، تشمل ضوابط زمنية ومكانية لاستخدام الشاشات، خاصة وقت النوم والوجبات، وقال: "أحد أقوى مؤشرات استخدام الشاشات في الطفولة هو نمط استخدام الأهل أنفسهم"، مشددًا على ضرورة أن يلتزم الوالدان بالقواعد التي يضعونها.
وحذّر من تأثير استخدام الأجهزة أثناء تناول الطعام، مشيرًا إلى أن ذلك يُعزز الإفراط في الأكل ويُضعف فرص التواصل الأسري، وأوصى باستغلال العطلة الصيفية كفرصة لإعادة تقييم عادات استخدام الوسائط داخل الأسرة، وقال: "مع تغير روتين الأطفال خلال الصيف، يعد الآن الوقت المناسب لإجراء هذه الحوارات واتخاذ خطوات عملية".