"السرطان الأخضر".. جهود في غوادلوب لمكافحة نبتة غازية تهدّد التنوع البيولوجي

"السرطان الأخضر".. جهود في غوادلوب لمكافحة نبتة غازية تهدّد التنوع البيولوجي
نبتة ميكونيا كالفسينس

أعادت نبتة ميكونيا كالفسينس، المعروفة بلقب “الطاعون الأرجواني” أو “السرطان الأخضر”، دق ناقوس الخطر البيئي مجددًا في جزيرة غوادلوب الفرنسية الواقعة في البحر الكاريبي، بعد أربع سنوات من ظهورها الأول عام 2020. 

وتواصل السلطات المحلية والهيئات البيئية جهودًا معقدة ومكلفة للحيلولة دون تكرار السيناريو الكارثي الذي شهدته تاهيتي، حيث اجتاحت النبتة الغازية أكثر من 70% من أراضي الجزيرة، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، السبت.

واكتُشف التفشي الجديد للنبتة في منطقة باييف الوعرة بجنوب غرب الجزيرة، حيث كثّفت الهيئة الوطنية للغابات الفرنسية (ONF) عمليات التمشيط اليدوي في الغابات الكثيفة، مستخدمة أدوات بدائية مثل السواطير في بيئة طينية موحلة.

ويقول رونو إيرار، أحد عناصر الهيئة المكلفين بتعقب النبات الغازي منذ العام 2020: "نبحث عن براعم صغيرة جدًا، نميّزها من خلال أوراقها الخضراء الداكنة ذات الخطوط البيضاء على الوجه البنفسجي السفلي.. الأمر يتطلب دقة بالغة وتفانيًا كبيرًا".

آلية انتشار مرعبة

وبحسب ماتيو فيلمان، رئيس قسم التنوع البيولوجي والتنمية المستدامة في الهيئة الوطنية للغابات، فإن ميكونيا كالفسينس تتميز بقدرة مذهلة على التكاثر، إذ تُنتج ملايين البذور سنويًا بمعدل إنبات مرتفع يتجاوز 90%، وتنتشر تحت مظلة الأشجار، ما يمنع وصول الضوء إلى النباتات الأصلية.

وقال فيلمان: "إنها نبتة مرعبة.. يكفي أن تسقط ورقة واحدة منها على الأرض لتبدأ دورة حياة جديدة بالكامل.. نواجه تهديدًا وجوديًا للنباتات المحلية".

ومنذ اكتشاف أول إصابة بالنبتة خلال فترة الإغلاق الناتجة عن جائحة كوفيد-19، وضعت الهيئة بروتوكولًا صارمًا لمكافحتها يشمل التمشيط الميداني، والاقتلاع اليدوي، وعزل النبتات، وتخزينها، ومن ثم حرقها في أماكن مخصصة.

وأكد رونو إيرار: "ننهي كل عملية بتنظيف أحذيتنا بمياه البحر، لتفادي نقل أي بذور غير مرئية إلى مناطق أخرى".

وتشير التقارير إلى اقتلاع أكثر من أربعة آلاف نبتة حتى اليوم، معظمها بارتفاع أقل من 50 سنتيمترا، كما يتم سنويًا فحص مناطق الانتشار والمناطق المجاورة، في محاولة للسيطرة على التفشي. ففي عام 2022، اقتُلعت 1364 نبتة، وانخفض العدد إلى 869 في عام 2024، وهو ما يعتبره المختصون مؤشرًا إيجابيًا لكنه لا يبرر التراخي.

مخاوف من نقص التمويل

وتُقدر الكلفة الإجمالية لعمليات المكافحة منذ عام 2020 بحوالي 550 ألف يورو (636 ألف دولار)، منها 170 ألف يورو في العام الأول وحده. 

ويقول داني ليبورن من هيئة البيئة والتخطيط والإسكان في غوادلوب إن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع في حال استمرار الانتشار، محذرًا من أن تراجع الميزانيات في السنوات الأخيرة يهدد استمرارية المشروع بأكمله.

تُعد غوادلوب من أبرز المواقع البيئية في الأراضي الفرنسية لما تحتويه من نباتات متوطنة، ويؤكد مارك غايو، مدير المحمية النباتية الوطنية في الأرخبيل، أن النبتات المحلية في الجزيرة تمثل نحو 7% من إجمالي التنوع البيولوجي الوطني في فرنسا، مشيرًا إلى أن أنواع الأشجار فيها تفوق بثلاثة أضعاف تلك الموجودة في البر الفرنسي.

وشدد على أن أي إخفاق في احتواء ميكونيا كالفسينس سيؤدي إلى انقراض عدد من الأنواع المحلية، والإخلال بتوازن الأنظمة البيئية التي تُعد شديدة الحساسية.

قلق من تكرار كارثة تاهيتي

ويُثير اكتشاف تفشٍ ثانٍ للنبتة الغازية في غوربيير، الواقعة على بُعد بضعة كيلومترات جنوبًا، مخاوف عميقة من عدم القدرة على احتواء الانتشار. 

ويستحضر العلماء مثال تاهيتي، حيث فشلت السلطات في كبح زحف ميكونيا رغم إدخال نوع من الفطر لإبطاء نموها، ما أدى إلى تدمير شامل للتنوع البيولوجي المحلي.

وترى مايتينا جان، رئيسة هيئة المتنزهات الوطنية، أن المكافحة البيولوجية باستخدام الفطريات غير ممكنة حاليًا في غوادلوب نظرًا لوجود أربعة أنواع متوطنة من نبات ميكونيا، مضيفة: "علينا أن نعتمد فقط على أيادينا، فالمعركة هنا لا مجال فيها للتقنيات الحديثة دون مخاطرة".

وتُعد مكافحة ميكونيا كالفسينس تحديًا بيئيًا طويل الأمد في غوادلوب، ويعكس الصراع الحالي واقعًا عالميًا تواجه فيه الجزر والأنظمة البيئية المعزولة تهديدات خطيرة من النباتات الغازية التي تُخلّ بتوازن الطبيعة وتُهدد بانقراض الأنواع الأصلية. 

ومع استمرار انخفاض الميزانيات، وتحذيرات العلماء من موجات تفشٍ جديدة، تبدو الحاجة ملحة لتكثيف الجهود المحلية والدولية لحماية التنوع البيولوجي في واحدة من أغنى المناطق البيئية في العالم الفرنسي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية