حماية البيئة والتنوع البيولوجي.. «فريضة منسية» وسط الصراعات بالمنطقة العربية

في اليوم العالمي لمنع استخدامها بالحروب

حماية البيئة والتنوع البيولوجي.. «فريضة منسية» وسط الصراعات بالمنطقة العربية
حماية البيئة والتنوع البيولوجي

لا تكتفي الحروب والصراعات بحصد أرواح آلاف البشر وتدمير المنشآت ليحل الخراب أينما حلت، بل تدمر الموارد الطبيعية والبيئة أيضا، والتي تسبب بالتبعية تهديدا مباشرا للأمن الإنساني في العالم.

ويحيي العالم، اليوم الدولي لمنع استخدام البيئة في الحروب والصراعات العسكرية، في 5 نوفمبر من كل عام، لتسليط الضوء على الآثار المدمرة للحروب والصراعات على البيئة.

للصراعات والحروب تأثيرات سلبية كبيرة على البيئة في المنطقة العربية، إذ تضر بشكل مباشر وغير مباشر بالموارد الطبيعية والبنية البيئية، وهذه التأثيرات تتنوع بين التلوث، وتدمير الأراضي، وتهديد التنوع البيولوجي، وغيرها من الآثار المستدامة التي يصعب معالجتها حتى بعد انتهاء الصراعات.

وتنتج الأسلحة التقليدية والكيميائية المستخدمة في الصراعات كميات ضخمة من الدخان والمواد الكيميائية السامة، وعلى سبيل المثال، يؤدي حرق حقول النفط أو تدمير المنشآت الصناعية إلى تلوث الهواء والأنهار، مثلما حدث في العراق خلال حربي الخليج، حيث تم إشعال حقول النفط، مما أطلق كميات هائلة من الأدخنة السامة.

ويؤدي استخدام الأسلحة الثقيلة إلى تلوث التربة بالمواد السامة التي قد تستمر لفترات طويلة، مما يضر بالزراعة وصحة التربة ويؤدي إلى تقليل خصوبتها، ومن ثم الإضرار المباشر بالإنتاج الزراعي من المحاصيل والتسبب في أزمة نقص الغذاء.

وتعتمد المنطقة العربية بشكل كبير على مصادر المياه المشتركة مثل نهري دجلة والفرات ونهر النيل، والصراعات على الموارد المائية تزيد من استنزاف هذه المصادر، حيث تسببت النزاعات في سوريا والعراق في تضرر البنية التحتية للمياه، ما أدى إلى نقص حاد في المياه الصالحة للشرب والزراعة، كما هو الحال في اليمن الذي يعاني أيضًا من صعوبات في توفير مياه نظيفة للسكان.

ويؤدي اندلاع الحروب إلى نزوح السكان من المناطق الريفية وتدمير البنية الزراعية، ما يُفاقم من انعدام الأمن الغذائي، كما تتسبب القنابل والمتفجرات في إحداث أضرار في الأراضي الزراعية، ما يحد من إمكانيات الزراعة في المستقبل، إذ تسببت الصراعات بالسودان في تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.

أضرار جسيمة بسبب الصراعات

وتعاني الحياة البرية من أضرار جسيمة بسبب الصراعات، وذلك من حيث قتل الحيوانات البرية أو تهجيرها من مواطنها الأصلية، ما يؤدي إلى اختلال في التوازن البيئي، إذ تأثرت بعض المحميات الطبيعية في العراق وسوريا من الصيد الجائر، ما أدى إلى تدهور التنوع البيولوجي في المنطقة.

وبشكل عام تخلّف الحروب كميات ضخمة من النفايات الخطرة، مثل شظايا المتفجرات والمواد الكيميائية، والتي تبقى لسنوات طويلة في البيئة، حيث تؤدي هذه النفايات إلى تهديد حياة البشر والكائنات الحية، وتستدعي جهدًا كبيرًا لإزالتها من المناطق المتضررة.

ورغم أن اضطراب المناخ والتدهور البيئي لا يشكلان السبب المباشر للنزاعات، فإنهما عاملان يمكن أن يزيدا احتمالات نشوب النزاعات تفاقماً، كما يؤدي اقتران آثارهما إلى تقويض سبل العيش والأمن الغذائي والثقة في الحكومة والصحة والتعليم والمساواة الاجتماعية

ويزيد تدهور الموارد الطبيعية والنظم الإيكولوجية من شدة التحديات التي تواجهها المجتمعات المحلية المعرضة بالفعل للخطر على المديين القصير والطويل، لا سيما أن النساء والفتيات يتأثرن أكثر من غيرهن من جراء ذلك.

بالتالي، فإن استمرار الصراعات في المنطقة العربية لا يؤثر فقط على البشر، بل يؤدي أيضًا إلى تدمير البيئة والموارد الطبيعية، مما يزيد من تحديات التنمية المستدامة في هذه المناطق ويؤثر على الأجيال المستقبلية.

مساعٍ أممية لإنقاذ البيئة

وتولي الأمم المتحدة أهمية كبرى لضمان إدخال العمل المتعلق بالبيئة في الخطط الشاملة لمنع نشوب النزاعات وصون وبناء السلام، لأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم إذا دُمّرت الموارد الطبيعية التي تدعم سبل العيش والنظم الإيكولوجية.

ويأتي هذا الدور بناءً على الاعتراف بأن البيئة تُعتبر عاملاً مهماً في استقرار المجتمعات، حيث يمكن أن تؤدي الضغوط البيئية كالتغير المناخي وندرة الموارد إلى تصعيد النزاعات، خاصة في المناطق الضعيفة والمهمشة.

وتعد البيئة جزءاً من عمليات بناء السلام والتعافي بعد النزاعات، حيث تقوم الأمم المتحدة بتطوير برامج تُعنى بإعادة تأهيل الموارد الطبيعية وتحقيق الاستدامة البيئية، إذ تتعاون على سبيل المثال مع دول مثل العراق وأفغانستان في إزالة الألغام وإعادة تأهيل الأراضي الزراعية المدمرة، بهدف تعزيز الاستقرار ودعم المجتمعات المحلية للعودة إلى حياتهم الطبيعية.

وتعزز الأمم المتحدة التعاون بين الدول التي تتشارك موارد طبيعية، مثل الأنهار والغابات، ما يساهم في الحد من التوترات وخلق فرص للتعاون الإقليمي حول استدامة الموارد، وعلى سبيل المثال، هناك جهود مستمرة لتخفيف النزاعات المائية بين دول الشرق الأوسط بالتعاون مع منظمات بيئية وحقوقية لتشجيع الإدارة المشتركة لموارد المياه.

وتدعو الأمم المتحدة الدول إلى إدراج التكيف مع التغير المناخي في سياساتها الوطنية كجزء من استراتيجيات السلام، خاصةً في المناطق المعرضة للأزمات البيئية، لا سيما وأن التغيرات المناخية المتزايدة تؤدي إلى نزوح السكان وانعدام الأمن الغذائي، ما قد يشعل النزاعات والحروب.

وتدير الأمم المتحدة برامج لتوعية الدول المتأثرة بالنزاعات حول أهمية حماية البيئة في مرحلة التعافي، وتقوم بتدريب الكوادر المحلية في أساليب إعادة تأهيل الموارد الطبيعية، إلى جانب التشجيع على المشاركة المجتمعية لضمان استدامة تلك الجهود.

تؤكد هذه الجهود أن حماية البيئة ليست فقط جزءاً من التعافي بعد النزاعات، بل هي عنصر أساسي لمنع نشوب النزاعات في المستقبل وتعزيز الاستقرار والسلام على المدى الطويل.

البيئات العربية في مأزق 

وتضررت البيئة والتنوع البيولوجي في عدة دول عربية  بسبب الصراعات والحروب، وهذه الأضرار البيئية تتطلب جهوداً واسعة لإعادة التأهيل، ولكن استمرار الصراعات غالباً ما يجعل من الصعب تنفيذ استراتيجيات فعالة للتعافي البيئي.

وفي العراق، تعرضت البيئة لأضرار جسيمة خلال حربي الخليج الأولى (1980-1988) والثانية (1990-1991) والحرب ضد تنظيم "داعش" (2014-2017)، وأدى حرق حقول النفط وتدمير البنية التحتية إلى تلوث الهواء والتربة، كما تضررت الموارد المائية من التلوث الكيميائي والنفطي. كان لهذا آثار بعيدة المدى على الصحة العامة والزراعة.

وفي سوريا، تعرضت البيئة إلى أضرار كارثية منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011، أسفرت التفجيرات والقصف عن تلوث كبير للتربة والمياه، فضلاً عن تدمير الغابات وتهديد التنوع البيولوجي، كما تضررت مصادر المياه الحيوية، مثل نهر الفرات، ما أدى إلى نقص في المياه وزيادة ملوحتها، والتأثير سلباً على الزراعة والمياه الصالحة للشرب.

وفي اليمن، تعاني البيئة من تدهور شديد نتيجة الصراع المستمر منذ عام 2015، حيث أدت الغارات الجوية والهجمات العسكرية إلى تلوث الهواء وتدمير البنية التحتية، بما في ذلك مرافق المياه والصرف الصحي، كما أن استخدام الألغام الأرضية يتسبب في تلوث التربة، ما يعيق الزراعة ويشكل خطراً على السكان المحليين​.

وفي لبنان، تأثرت البيئة بسبب الحروب المتكررة، خصوصاً الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) والصراعات المتكررة مع إسرائيل، وأدى قصف المصانع والبنية التحتية إلى تلوث الهواء والمياه، كما تسبب في تلويث الساحل اللبناني بمخلفات الحرب، ما أثر على الحياة البحرية والسياحة.

وفي السودان، تأثرت البيئة بالنزاعات الطويلة في دارفور ومناطق أخرى، إذ تسببت هذه الصراعات في تدهور الأراضي الزراعية وتدمير الغابات، حيث يلجأ السكان إلى قطع الأشجار لأغراض البناء أو الوقود في ظل نقص الموارد، ما يفاقم مشكلة التصحر ويضر بالتنوع البيولوجي.

وفي ليبيا، تعاني البلاد من تلوث بيئي خطير منذ سقوط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي في 2011 بسبب الصراعات الداخلية، إذ تعرضت المنشآت النفطية للتخريب، ما أدى إلى تسرب النفط وتلوث التربة والمياه الجوفية، كما تضررت البيئة البحرية بسبب التسربات النفطية، ما أثر على الثروة السمكية والسياحة.

وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة، تحول التنوع البيولوجي في قطاع غزة إلى سراب، إذ أسفر العدوان الإسرائيلي الذي وقع في 7 أكتوبر 2023 عن تدمير كامل لجميع النبات والكائنات الحية الدقيقة جراء استخدام المتفجرات والأسلحة، بحسب تقديرات سلطة جودة البيئة الفلسطينية.

وأدت العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى تدمير موائل الحيوانات البرية وقتلها وحرق كل أشكال الحياة النباتية، بما في ذلك الأشجار والشجيرات والأعشاب، الأمر الذي أدى إلى انقراض العديد من الأنواع، كما أدى أيضا إلى تلوث الماء والهواء والتربة، وحرق الأرض بكل تضاريسها.

سيناريوهات كارثية

قال الرئيس السابق لهيئة حماية البيئة في اليمن، الدكتور عبدالقادر الخراز، إن تأثير الصراعات والحروب على البيئة والتنوع البيولوجي ينعكس بالضرورة على الأمن الغذائي والأمن الإنساني، لا سيما أن استخدام الأسلحة وخاصة المصنعة من المواد الكيميائية، يتسبب في تلوث الهواء والمياه والتربة ويتسرب إلى المياه الجوفية ويعمل على تدمير الموائل الطبيعية وتعرض أنواع نباتية وحيوانية لخطر الانقراض.

واستشهد الخراز، في تصريح لـ"جسور بوست"، بـ"حرب السفن والناقلات النفطية في البحر الأحمر التي تقوم بها مليشيات الحوثي باليمن، وتنذر بسيناريوهات كارثية، وتساهم في تلوث البيئة البحرية وتسمم ونفوق الأسماك والإضرار المباشر بالشعاب المرجانية، جراء تسرب المواد النفطية والكيميائية الخطيرة".

وأوضح أن زراعة الألغام المتفجرة في المناطق الحساسة بيئيا مثلما يحدث في اليمن وليبيا، تؤدي إلى اغتيال التنوع الحيوي، وانقراض الفصائل النادرة من الحيوانات البرية، وتدمير البيئات الطبيعية، والإخلال بالتوازن البيئي، الأمر الذي يؤثر على الأمن الغذائي والأمن الإنساني من خلال زيادة معدلات النزوح والتأثير السلبي على الصحة العامة للسكان بانتشار الأمراض والأوبئة.

وأضاف الخراز: "في بلدان الحروب والصراعات تنعدم الرقابة على المشروعات الصناعية، ما يؤدي إلى زيادة المخلفات الكيميائية وتلوث المياه، إلى جانب عدم الرقابة على مشروعات الصرف الصحي ومعالجة مياه الشرب، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار أمراض السرطان والفشل الكلوي والالتهابات الرئوية والتسمم وغيرها". 

وتابع: "تأثير الحروب على البيئة والتنوع الحيوي والأمن الإنساني مترابط ومعقد ومدمر في الوقت ذاته، وتظهر آثاره الكارثية في الحاضر والمستقبل بصورة أكبر إذا لم تبذل الجهود للحد من التلوث وتعزيز سياسات الاستدامة وحماية البيئة والصحة العامة للسكان، من خلال تشديد الرقابة الحكومية الفاعلة وتنسيق الجهود الوطنية لحماية الموائل والموارد الطبيعية والبيئة، ومن ثم الحفاظ على الأمن الإنساني في الدول المنكوبة بالحروب".

وبحلول عام 2030، يتركز أكثر من 80 بالمئة من أفقر سكان العالم في البلدان المتضررة من الهشاشة والنزاعات والحروب، حيث يعيش فرد من بين كل 5 أفراد تقريبا في منطقة متضررة، وفق تقديرات الأمم المتحدة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية