"نيويورك تايمز": علماء يطوّرون محاصيل مقاومة للحرارة لإنقاذ الغذاء العالمي
"نيويورك تايمز": علماء يطوّرون محاصيل مقاومة للحرارة لإنقاذ الغذاء العالمي
يشهد العالم ارتفاعًا متسارعًا في درجات الحرارة نتيجة التغير المناخي، ما أدى إلى تراجع إنتاج العديد من المحاصيل الزراعية الأساسية مثل القمح والذرة، وتُظهر النماذج المناخية أن الخسائر في الغلال الزراعية ستتفاقم خلال العقود المقبلة، ما يهدد الأمن الغذائي لملايين البشر حول العالم.
ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، السبت، حاول الباحثون الحد من هذه الأخطار من خلال تطوير أساليب علمية تُمكّن النباتات من التكيف مع الحرارة، من أبرزها تقنيات التعديل الوراثي.
وأكد الباحث في علوم المحاصيل بجامعة إلينوي أوربانا-شامبين الدكتور كارل بيرناتشي أن هناك اهتمامًا علميًا متزايدًا بفهم كيفية قدرة بعض المحاصيل على النجاة في أقسى البيئات.
وشارك الدكتور بيرناتشي في إعداد واحدة من ثلاث دراسات نُشرت في مجلة "ساينس" تناولت التحديات والفرص في تعديل المحاصيل.
وكشف العلماء عن تحديات حيوية تؤثر مباشرة في حياة النباتات وقدرتها على الإنتاج، حيث تعطلت عملية البناء الضوئي، وهي العملية الأساسية التي تنتج فيها النباتات الطاقة، عند درجات حرارة تراوح بين 40 و45 درجة مئوية، وهي مستويات حرارية أصبحت شائعة في مناطق زراعية عدة، ومع توقف البناء الضوئي، تفقد النباتات مصدر طاقتها وتموت في نهاية المطاف.
تعديل إنزيم “روبيسكو”
استعرض الدكتور بيرناتشي وزملاؤه إمكانية تعديل إنزيم "روبيسكو"، وهو المسؤول عن تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى سكريات داخل النبات، إلى جانب "روبيسكو أكتيفاز" المساعد في تنشيطه.
وأوضح أن إنزيمات النباتات التي تنمو في مناخات حارة تُظهر قدرة أفضل على أداء وظائفها في درجات حرارة مرتفعة، ما يفتح الباب أمام نقل هذه الخصائص إلى نباتات المناطق المعتدلة.
كما اتجه الباحثون إلى تعديل بنية الأوراق النباتية، مثل تباعدها وتوجيهها بزاوية مناسبة لتحقيق توازن بين الظل والضوء، ما يسهم في ضبط درجة حرارة الورقة والمحافظة على الإنتاجية، كما حاولوا تعديل خصائص الورقة من حيث الانعكاسية ونسبة الكلوروفيل، وهي الصبغة الخضراء المسؤولة عن امتصاص الطاقة الضوئية.
وفي دراسة ثانية نُشرت أيضًا في مجلة "ساينس"، اقترح أستاذ علم الوراثة النباتية بجامعة موناش في أستراليا الدكتور سوريش بالاسوبرامانيان نهجًا جديدًا لفهم طريقة استشعار النباتات للحرارة، وأكد أن النباتات لا تعتمد على "ميزان حرارة" واحد، بل تمتلك أنظمة متعددة تستجيب لدرجات الحرارة، ما يتيح مجالات جديدة للتعديل الوراثي.
وألقى الباحثون نظرة على النباتات القادرة على النجاة في البيئات الأكثر قسوة
ولاحظ العلماء أن بعض النباتات البرية تنمو وتزدهر في مناطق تشهد درجات حرارة تتجاوز الحد الأعلى للبناء الضوئي، مثل وادي الموت في الولايات المتحدة، وصحراء أتاكاما في تشيلي، وصحراء ناميب في جنوب إفريقيا، يمتلك هذا النوع من النباتات تنوعًا جينيًا غنيًا يمكن أن يُلهم طرقًا جديدة لتقوية المحاصيل التقليدية.
وأوضح أستاذ علم الأحياء التطورية بجامعة كالجاري الدكتور سام ييمان، وهو مؤلف الدراسة الثالثة، أن الاكتفاء بدراسة المحاصيل المزروعة حاليًا يُبقي العلماء ضمن نطاق محدود من الحلول، وشدد على أهمية التوسع في دراسة النباتات البرية من أجل الوصول إلى خصائص وراثية تساعد على مقاومة الحرارة والتغيرات المناخية.
عقبات التمويل
رغم التقدم العلمي، لا تزال تطبيقات التعديل الوراثي مثل تعديل التمثيل الضوئي أو أنظمة الاستشعار الحراري بعيدة عن التنفيذ في الحقول، أشار الدكتور بيرناتشي إلى أن بعض التعديلات الأخرى، كتحسين بنية الأوراق، قد تكون أقرب للتطبيق العملي، لكن ذلك يتطلب اختبارات ميدانية وموافقات رسمية، وهي إجراءات مكلفة وبطيئة.
وأكد الدكتور بيرناتشي أن مستوى التمويل المتاح حاليًا في الولايات المتحدة لا يبعث على التفاؤل بشأن مستقبل هذا النوع من الأبحاث، موضحًا أن نقص الدعم قد يُعوق التقدم في مجالات التعديل الوراثي الضرورية لمواجهة تحديات تغير المناخ.
ومن جانبها، رصدت أستاذة الاتصال العلمي بجامعة ويسكونسن الدكتورة دومينيك بروسارد تراجعًا مستمرًا في قبول الأغذية المعدلة وراثيًا خلال العقد الماضي، وأضافت أن سياسات إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي ركزت على ما سُمي بالأغذية "الطبيعية" أسهمت في تعميق الشكوك العامة تجاه المنتجات المعدلة وراثيًا.
وشدد الباحثون على أن الابتكار العلمي في الزراعة ضرورة وليس خيارًا، ودعا الدكتور بيرناتشي إلى اعتماد نهج إبداعي في تطوير المحاصيل، مؤكدًا أن النباتات الحالية قد لا تمتلك التنوع الجيني الكافي لمواجهة التغيرات المناخية المستقبلية، وأشار إلى ضرورة الجمع بين التهجين الانتقائي التقليدي والتعديل الوراثي الحديث لتأمين إنتاج غذائي مستدام في ظل مناخ متغير.