غزة في مرمى النيران رغم الحرب الكبرى.. هل تخفف إسرائيل قبضتها تحت ضغط إيران؟
غزة في مرمى النيران رغم الحرب الكبرى.. هل تخفف إسرائيل قبضتها تحت ضغط إيران؟
مر أسبوع على اندلاع المواجهة العسكرية المباشرة بين إسرائيل وإيران، لم تتوقف خلاله الضربات الصاروخية والطائرات المسيّرة، وأظهرت تل أبيب تأثرًا بالغًا بالاستهدافات الإيرانية، ورغم التحركات الإسرائيلية لتأمين حدودها، بما في ذلك إعادة نشر بعض القوات من داخل قطاع غزة، فإن شوارع القطاع لم تتوقف عن تشييع عشرات الجثامين يوميًا، وسط قصف متكرر طال مراكز توزيع المساعدات.
ورغم الأحاديث المتكررة في الإعلام الإسرائيلي عن إمكانية التوصل إلى تهدئة في غزة، فإن التصعيد المستمر يلقي بظلاله على القطاع المنكوب.
ويرى خبراء عسكريون واستراتيجيون تحدثوا لـ"جسور بوست" أن التصعيد مع إيران قد يدفع حكومة بنيامين نتنياهو لتخفيف الضغط على غزة والقبول بهدنة مؤقتة هناك، للتفرغ للجبهة الإيرانية التي بدأت تشكّل تهديدًا مباشرًا وخسائر ملموسة.
في المقابل، يستبعد المحللون أن ينهي نتنياهو عملياته في غزة كليًا، متمسكًا بتحقيق أهدافه المعلنة بالقضاء على "حماس" ونزع سلاحها ومنعها من العودة إلى الحكم، معتبرين أن أي تهدئة ستكون محدودة وبشروط تخدم أولوياته السياسية والشخصية، لا سيما مع ملاحقته بعدد من القضايا القانونية.
تصعيد غير مسبوق
فجر الجمعة، أطلقت إسرائيل عملية عسكرية أطلقت عليها اسم "الأسد الصاعد"، استهدفت خلالها منشآت عسكرية ونووية إيرانية، من بينها مراكز أبحاث ومواقع للحرس الثوري وعلماء بارزين، ووصفت وسائل إعلام إسرائيلية الهجوم بأنه "الأوسع منذ أكثر من 20 عامًا"، مشيرة إلى "اختراقات نوعية" في العمق الإيراني.
وردت طهران بعملية مضادة حملت اسم "الوعد الصادق 3"، أكدت فيها أن الرد سيكون "مفتوحًا في الزمان والمكان"، ضمن استراتيجية ردع شاملة تهدف إلى إعادة رسم قواعد الاشتباك الإقليمي.
ووفق شبكة CNN الأميركية، فإن العملية الإسرائيلية قد تستمر لأسابيع، وسط دعم أميركي "ضمني" من إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي أبدى –بحسب مصادر– استعداده للمشاركة المباشرة إذا تطلب الأمر، فيما نقلت "بلومبرغ" عن مسؤولين أميركيين أن هناك استعدادات جارية لاحتمال توجيه ضربة أميركية مباشرة، ما ينذر بتوسّع محتمل للصراع.
في المقابل، حذّر مقر "خاتم الأنبياء" التابع للجيش الإيراني من أن أي تدخل أميركي مباشر "سيؤدي إلى توسيع رقعة الحرب"، وهو ما أكده أيضًا الكرملين على لسان المتحدث ديميتري بيسكوف، الذي وصف الأمر بأنه "دوامة تصعيد رهيبة".
إسرائيل تحت الضغط
مع استمرار الضربات الإيرانية، تواجه إسرائيل أزمات داخلية متفاقمة، إذ أعلنت وسائل إعلام عبرية عن إجلاء نحو 5 آلاف إسرائيلي من منازلهم المتضررة، وتقدّر تكلفة المساعدات اليومية لهم بنحو 15 مليون شيكل (4.3 مليون دولار).
ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن مسؤولين محليين أن المتضررين بحاجة إلى حلول سكنية عاجلة، في وقت ارتفع فيه عدد المصابين الإسرائيليين إلى 137 شخصًا، وذكرت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" أن إحدى الضربات التي أصابت مستشفى "سوروكا" كانت تستهدف في الأصل قاعدة عسكرية إسرائيلية قريبة.
وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن "تعليمات صدرت بتكثيف الهجمات على أهداف استراتيجية في طهران"، متوعدًا المرشد الإيراني علي خامنئي بـ"دفع الثمن".
وفي السياق نفسه، قالت منظمة "نشطاء حقوق الإنسان" ومقرها واشنطن، إن الغارات الإسرائيلية على الداخل الإيراني أسفرت عن مقتل 639 شخصًا على الأقل وإصابة 1329، بينهم 263 مدنيًا و154 عنصرًا من قوات الأمن.
غزة تحت النار
على الجانب الآخر، يواصل الفلسطينيون في غزة دفن ضحاياهم، حيث ارتفع عدد القتلى والمصابين بشكل ملحوظ منذ بداية التصعيد الإيراني الإسرائيلي، وتؤكد تقديرات غير رسمية سقوط مئات الضحايا بين 10 و19 يونيو، بالإضافة إلى أكثر من ألفي جريح، أغلبهم نتيجة القصف الإسرائيلي لمراكز توزيع المساعدات.
وفي ظل هذا التصعيد، كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست" عن دعوات من الولايات المتحدة ومصر وقطر لإسرائيل بإرسال فريق تفاوض إلى منتجع شرم الشيخ، لاستئناف المباحثات حول وقف إطلاق النار.
وأكد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال اتصال مع كايا كالاس، ممثلة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، "الجهود المصرية والقطرية والأميركية" لاستعادة الهدوء وإدخال المساعدات.
وأعادت دول عربية وغربية، من خلال بيان مشترك خلال مؤتمر أممي رفيع، التأكيد على دعمها لحل الدولتين وضرورة تسوية النزاع الفلسطيني– الإسرائيلي بما يحقق الأمن والاستقرار الإقليمي.
في السياق ذاته، كرر نتنياهو في مؤتمرين صحفيين أنه منح تفويضًا أوسع لفريق التفاوض الإسرائيلي بخصوص مقترح التهدئة، بينما أعلن الجيش الإسرائيلي تقليص النشاطات العسكرية في معظم مناطق البلاد، باستثناء 8 مناطق قرب غزة، في مؤشر على استعداد محتمل لتخفيف التصعيد.
تخفيف مؤقت للضغط
بدوره، قال الخبير العسكري اللبناني، العميد المتقاعد هشام جابر، إن "إسرائيل قد تضطر إلى تخفيف الضغط على غزة في ظل الحرب المتصاعدة مع إيران، خاصة أن نتنياهو بدأ بالفعل بسحب بعض القوات من القطاع، والتي لم يعد هناك ضرورة لبقائها، تحسبًا لتطورات أكبر على الجبهة الإيرانية، ولحماية الجبهة الداخلية الإسرائيلية من التهديدات".
وأضاف جابر، وهو رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن "الحرب في قطاع غزة باتت ثانوية بالنسبة لإسرائيل مقارنة بالحرب الأساسية مع إيران، وهو ما سيدفعها لتحويل اهتمامها وتركيزها بعيدًا عن غزة مؤقتًا".
من جانبه، رأى المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني، وجدان عفراوي، أن "تأثير الحرب الإيرانية الإسرائيلية على الضغط في غزة سيكون مؤقتًا وتكتيكيًا".
وقال عفراوي لـ"جسور بوست" إن "التصعيد بين إسرائيل وإيران تجاوز مرحلة عضّ الأصابع، وبات صراع وجود، وفي ظل الدعم الغربي –خصوصًا الأميركي– فإن فرص إسرائيل تبدو أقرب لإسقاط النظام الإيراني".
وأضاف: "سواء انتهى الصراع لصالح إيران أو إسرائيل، فإن غزة قد تستفيد: فهزيمة إسرائيل ستخفف الضغط على القطاع، وفي حال هزيمة طهران، فإن غزة قد تؤول لحكومة بعيدة عن حماس والجهاد الإسلامي، المدعومين من النظام الإيراني".
هدنة تكتيكية مؤقتة
وعلى صعيد متصل قال السفير الفلسطيني السابق بركات الفرا، إن "تصاعد العمليات العسكرية بين إيران وإسرائيل قد يسهم في إبرام هدنة مؤقتة في غزة، لتمنح إسرائيل فرصة للتفرغ أكثر للجبهة الإيرانية، خاصة مع قناعتها بأن هذا التصعيد قد يضعف حماس كامتداد لطهران في القطاع".
إلا أنه أكد في تصريح لـ"جسور بوست" أن "نتنياهو لا يبدو مستعدًا للمخاطرة بإنهاء الحرب على غزة، إذ لم تتوقف عمليات القتل والاستهداف في القطاع منذ اندلاع المواجهة مع إيران".
وأضاف: "رئيس الوزراء الإسرائيلي لن يغامر بوقف الحرب استجابة للضغوط الدولية، خشية أن يضعف موقفه السياسي في الداخل ويواجه تبعات القضايا القانونية التي تلاحقه".
وبحسب الفرا، فإن "أقصى ما قد يقدمه نتنياهو في ظل التصعيد مع طهران هو تخفيف محسوب للعمليات في غزة، مع استمرار الأزمة الإنسانية المروعة، بما فيها نقص المياه والغذاء والدواء، وتحول مراكز المساعدات إلى أماكن للموت".
تخفيف محدود وليس تهدئة
بدوره أوضح الدكتور مختار غباشي، أمين عام مركز الفارابي للدراسات السياسية، أن "الضربات الإسرائيلية على غزة لم تتوقف، وسقوط الشهداء مستمر، لكن من المرجح أن نشهد تخفيفًا محدودًا في العمليات مع تصاعد المواجهة مع إيران".
وأوضح غباشي في حديث لـ"جسور بوست" أن "الصواريخ الإيرانية التي أصابت مباني في مناطق متعددة داخل إسرائيل شكّلت صدمة دفعت تل أبيب إلى إعادة ترتيب أولوياتها، وهو ما ينعكس على أداء نتنياهو تجاه غزة".
وأشار إلى أن "سحب جزء من القوات من القطاع يعكس نية إسرائيلية لتقليل العبء، لكن العمليات النوعية مستمرة، وهو ما يعكس التوازن بين إدارة الصراع في جبهتين"، مضيفا أن "الحديث عن هدنة مؤقتة بين حماس وإسرائيل أمر وارد، خصوصًا في ظل تقارير عسكرية إسرائيلية تشير إلى عدم وجود أهداف حاسمة حالية في غزة".
وبحسب غباشي، فإن "أي اتفاق بين إسرائيل وإيران قد لا يتضمن غزة كأولوية، وهو ما يستغله نتنياهو لتمديد بقائه السياسي في ظل ملاحقات قانونية مستمرة"، مؤكدا أن "الوضع الداخلي في إسرائيل بات مرهقًا للغاية، مع استمرار حالة الاستنفار وتعطل الحياة اليومية، ما قد يشجع على خطوات لتقليل التصعيد في غزة".
الجرائم مستمرة رغم التصعيد
في المقابل، يرى الخبير بالشؤون الأميركية والفلسطينية، توفيق طعمة، أن "الحرب مع إيران لم تغيّر شيئًا في مسار العدوان الإسرائيلي على غزة".
وقال طعمة في تصريح لـ"جسور بوست": "الإبادة الجماعية في غزة لا تزال مستمرة، وقتل المدنيين المتجمعين حول مراكز المساعدات يتم يوميًا وبشكل متعمد، دون أي مؤشرات على تخفيف القصف أو الاستهداف".
ورأى طعمة أن "العدوان سيستمر حتى في حال توقف الحرب مع إيران، ما لم يتم التوصل إلى تسوية حقيقية تضمن وقفًا شاملًا للعمليات، وانسحابًا إسرائيليًا من القطاع، وتدفقًا منتظمًا وآمنًا للمساعدات الإنسانية".
وأشار إلى أن "التركيز الدولي والإعلامي على إيران خلال الأيام الأخيرة، أدى إلى تهميش مأساة غزة، ما ينذر بمزيد من التصعيد والضغط دون حلول حقيقية".
وفي ظل اشتعال الجبهات وتعدد ساحات الصراع، يبدو أن غزة تدفع الثمن مرة أخرى، بين مطرقة التصعيد الإيراني الإسرائيلي وسندان الحسابات السياسية لحكومة نتنياهو، بينما تشير التحليلات إلى احتمال تخفيف الضغط على القطاع مؤقتًا، فإن المأساة الإنسانية لا تزال تتفاقم، دون أفق واضح لحل جذري أو تهدئة شاملة.