بشر بلا صوت.. مطالب بإشراك فعلي للشعوب الأصلية في آليات حقوق الإنسان الدولية

خلال الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان

بشر بلا صوت.. مطالب بإشراك فعلي للشعوب الأصلية في آليات حقوق الإنسان الدولية
شعوب أصلية - أرشيف

في خطوة اعتبرت علامة فارقة على طريق تعزيز العدالة الدولية، أكد تقرير مشترك صادر عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان والميسرين المشاركين لاجتماعين عُقدا بين دورات مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، على ضرورة إدماج الشعوب الأصلية بشكل فعلي ومستدام في أعمال المجلس، داعيًا إلى اعتماد آلية جديدة لضمان تمثيلهم المستقل في كافة هيئات وآليات حقوق الإنسان.

التقرير الذي قُدم إلى الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان، المنعقدة في جنيف حتى 9 يوليو، واطلع «جسور بوست» على نسخة منه، استعرض التحديات والثغرات التي تعوق مشاركة الشعوب الأصلية في أعمال المجلس، وأوصى بتبني مبادئ ومعايير اعتماد شفافة تضمن مشاركتهم المؤسسية، دون الحاجة للمرور عبر منظمات غير حكومية معترف بها مسبقًا، وهو الإجراء المعتمد سابقاً.

ووفق التقرير، فإن الشعوب الأصلية طالما واجهت عوائق بيروقراطية ومؤسسية منعتها من المشاركة الكاملة والمباشرة في مناقشات حقوق الإنسان، رغم الاعتراف الدولي المتزايد بحقوقهم، خاصة منذ تبني إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية عام 2007.

ورغم تعاقب القرارات الأممية التي تدعو لتعزيز مشاركة الشعوب الأصلية، مثل القرار 54/12 الصادر عن المجلس، فإن حضورهم الفعلي ظل مشروطًا بالاعتماد على قنوات غير مباشرة، ما قيد فرصهم في التأثير على السياسات الدولية المتعلقة بحقوقهم. وقد شدد التقرير على أن هذه المعوقات تنبع من قصور في الهياكل التنظيمية الأممية، إلى جانب غياب الاعتراف بخصوصية الشعوب الأصلية ككيانات ذات سيادة ثقافية وهوية مستقلة.

وأشار التقرير إلى أن الاجتماعين اللذين عُقدا في يوليو وأكتوبر 2024، شهدا مشاركة واسعة من ممثلي الشعوب الأصلية من جميع المناطق الجغرافية، وأكدوا خلالها أهمية الاعتراف بحقهم في اختيار ممثليهم وتحديد آليات تنظيمهم بأنفسهم، دون تدخل أو وصاية خارجية.

وقدم التقرير توصيات صريحة بشأن تطوير آلية مستقلة لاعتماد ممثلي الشعوب الأصلية في أعمال مجلس حقوق الإنسان، تستند إلى مبادئ أساسية، أبرزها: الاعتراف بحق تقرير المصير، وتأكيد الهوية الذاتية، ومراعاة التقاليد والتنظيمات المجتمعية المختلفة داخل هذه الشعوب.

كما طالب التقرير بإلغاء شرط الاعتراف الحكومي أو الاشتراطات البيروقراطية التي تعوق اعتماد ممثلي الشعوب الأصلية كمشاركين مستقلين في أعمال المجلس. وأشار إلى أن هذا التغيير من شأنه تمكين هذه الفئات من المساهمة في النقاشات الدولية بفعالية، ولا سيما في القضايا البيئية والثقافية والاجتماعية التي تمس مجتمعاتهم بشكل مباشر.

وأبرز التقرير أيضاً الدور الحاسم لصندوق الأمم المتحدة للتبرعات من أجل الشعوب الأصلية، الذي مكن عشرات الممثلين من المشاركة في الاجتماعات الأخيرة، مطالباً بضمان استدامة تمويله وتوسيعه لتشمل مراحل الاعتماد والتأهيل المؤسسي.

ودعت الدول الأعضاء، عبر مداخلات رسمية خلال الاجتماعات، إلى تجنب أي تعريف ضيق للشعوب الأصلية، مؤكدين أن تلك الشعوب لها الحق الحصري في تعريف هويتها وتنظيم نفسها، دون أن يكون اعتراف الدول معياراً للمشاركة أو التمثيل.

وسلط التقرير الضوء على معضلة اللغة كأحد أبرز العوائق التي تحول دون مشاركة حقيقية، حيث شددت وفود الشعوب الأصلية على ضرورة إتاحة آليات الترجمة والتواصل بلغاتهم الأصلية، ما يعزز من قدراتهم التمثيلية ويضمن عدالة المشاركة.

كما أشار التقرير إلى أهمية بناء القدرات التقنية والتنظيمية لدى هذه المجتمعات، خاصة في ما يتعلق بفهم آليات عمل الأمم المتحدة، والتعامل مع النظم القانونية الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.

ورغم إشادة التقرير بما تحقق من تقدم، فإنه حذر من أن أي إصلاح جزئي دون وضع آلية اعتماد مستقلة وشفافة سيبقى ناقصًا، مؤكدًا أن وجود الشعوب الأصلية في غرف صنع القرار يجب ألا يكون شكلياً، بل يجب أن يعكس تمثيلاً حقيقياً نابعاً من إرادتهم الجمعية.

واختتم التقرير بدعوة واضحة لمجلس حقوق الإنسان إلى تبني خارطة طريق زمنية لاعتماد آلية تمثيل فعلي للشعوب الأصلية، تضمن الشفافية، والتنوع الإقليمي، والمساواة بين الجنسين، والقدرة على المساءلة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية