د. زينب الزايدي: مشروع الدستور الليبي أنصف المرأة وذوي الإعاقة وتضمن نصوصاً تحمي الكرامة الإنسانية
د. زينب الزايدي: مشروع الدستور الليبي أنصف المرأة وذوي الإعاقة وتضمن نصوصاً تحمي الكرامة الإنسانية
في خضم المشهد الليبي المعقد، حيث تتعثر المسارات السياسية وتتجاذب الأطراف الوطنية والدولية أدوات السلطة والتشريع، يظل مشروع الدستور الليبي أحد الملفات المحورية التي تُعلّق عليها آمال الخروج من المرحلة الانتقالية الطويلة، والعبور نحو دولة مدنية تستند إلى عقد اجتماعي متين يُنظّم الحقوق ويُحدّد الواجبات ويضمن الحريات للجميع.
منذ تشكيل الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في ليبيا عبر انتخابات مباشرة أجريت عام 2014، حملت هذه الهيئة على عاتقها مسؤولية جسيمة تتمثل في إعداد دستور دائم يُعبر عن تطلعات الليبيين، بعد عقود من الحكم الفردي وسنوات من الصراع والانقسام، وقد مر مشروع الدستور بمحطات طويلة من النقاش، والسجال القانوني والسياسي، والملاحظات الشعبية، وصولًا إلى صياغته النهائية التي أُقرت داخل الهيئة، لكنها لا تزال تنتظر عرضها على الشعب في استفتاء عام، لم يُحسم حتى الآن بسبب تعثر المسارات السياسية.
وسط هذا الجدل، تتصاعد الأصوات التي تطالب بتجاوز هذا المشروع والذهاب إلى “خيارات دستورية بديلة”، في حين تتمسك شخصيات وطنية وقانونية بضرورة احترام المسار الدستوري، وعدم القفز على التفويض الشعبي الذي منح للهيئة التأسيسية المنتخبة.
وفي هذا السياق، التقت “جسور بوست” بالدكتورة زينب سليمان الزايدي، عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، ورئيسة لجنة المرأة والطفل داخل الهيئة، وهي واحدة من أبرز النساء المشاركات في كتابة الوثيقة الدستورية، لتسلط الضوء على أبرز ما تضمنه المشروع في باب الحقوق والحريات، والآليات التي وُضعت لضمانها، ورؤيتها حول مشروعية المسارات البديلة، والتحديات التي واجهت الهيئة أثناء أداء عملها.
في هذا الحوار، تحدثت الزايدي بصراحة عن جهود الهيئة في إشراك مؤسسات المجتمع المدني، والتفاعل مع الملاحظات الحقوقية، والحرص على ضمان حقوق الفئات المهمشة، خصوصًا المرأة وذوي الإعاقة، كما دافعت بشدة عن مشروعية الهيئة باعتبارها الجهة الوحيدة التي حازت تفويضًا شعبيًا لصياغة الدستور، مؤكدة أن أي مسار آخر لا يمر عبر استفتاء شعبي سيكون افتئاتًا على حق الليبيين في تقرير مصيرهم.
الحقوق والحريات في قلب المشروع
توضح الدكتورة زينب الزايدي أن الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور أولت باب الحقوق والحريات أهمية كبرى، وتمت صياغته وفق أحدث المعايير الدولية، مع الاستعانة بالدساتير المقارنة والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
وتقول إن الهيئة أقرّت “نصًا حاكمًا” ينص على أن الاتفاقيات الدولية الخاصة بالحقوق والحريات تُعد أعلى من القوانين وأقل من الدستور، مما يمنحها سلطة قانونية تضمن ألا يصدر أي قانون مستقبلي يتعارض مع التزامات الدولة في هذا المجال، كما أكدت أن كل الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وردت في الباب الثاني بشكل واضح وشامل، وتم ترتيبها بشكل دقيق بدءًا من الحق في الحياة حتى الحق في التقاضي.
وتلفت الزايدي إلى أن المواد من 31 حتى 66 تضمنت جملة من الحقوق مثل: الحق في السلامة، الأمن، الكرامة الإنسانية، حرية الحياة الخاصة، حرية التعبير، حرية الإعلام، حق الترشح والانتخاب، حرية تكوين الأحزاب والمجتمع المدني، الحق في الماء والغذاء، التعليم، الصحة، الملكية الخاصة، حقوق المرأة، الطفل، ذوي الإعاقة، وغيرها.
نص واضح يحمي ذوي الإعاقة
تشدد الزايدي على أن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة قد وردت في نص خاص داخل مشروع الدستور، واصفة إياه بـ”النص الشامل والواضح”، وقد نال إشادة كبيرة من خبراء دوليين ومحليين، خلال ورش العمل التي أقيمت لهذا الغرض.
المحكمة الدستورية هي الجهة المخولة بحماية الحقوق والحريات
تؤكد الزايدي أن المحكمة الدستورية ستكون الجهة العليا المخولة بحماية الحقوق والحريات في حالة اعتماد الدستور، حيث يستطيع أي مواطن الطعن في أي قانون مخالف للدستور، ما يوفر ضمانة فعلية لحماية الحريات من أي انتهاك تشريعي.
إشراك المجتمع المدني في كل خطوة
توضح الزايدي أن الهيئة كانت حريصة على الاستماع إلى جميع الآراء والملاحظات من مؤسسات المجتمع المدني في ليبيا، وفتحت أبواب الحوار منذ المسودة الأولى في ديسمبر 2014 حتى النسخة النهائية، وقد نظمت الهيئة أكثر من 75 جلسة استماع في مختلف المدن والمناطق الليبية.
كما شاركت مؤسسات أكاديمية ومراكز بحثية، مثل جامعة بنغازي ومركز بنغازي للبحوث والدراسات، في تقييم المشروع، وأثبتت الدراسات أن باب الحقوق والحريات يُعد من أفضل الأبواب مقارنة بدساتير الدول الأخرى.
التحديات.. من التسمية إلى التوافق
تكشف الزايدي عن حجم التحديات التي واجهت الهيئة، ومنها الخلاف حول اسم الدولة، إذ طالب البعض بتسميتها “الجمهورية العربية الليبية”، بينما رأى آخرون ضرورة الحفاظ على اسم “الجمهورية الليبية” دون توصيف، حفاظًا على شمولية التسمية لجميع المكونات، كما تحدثت عن النقاشات الحادة بين الأعضاء، التي كانت تصل أحيانًا إلى الانفعالات الحادة، لكن الهيئة سعت دائمًا إلى البحث عن المشترك وصياغة توافقات وطنية.
لا شرعية لأي مسار بديل
فيما يخص الطروحات البديلة مثل “الخيار الرابع”، تعتبر الزايدي أن هذه المسارات تُعد انتهاكًا صارخًا للتفويض الشعبي الذي حصلت عليه الهيئة المنتخبة، وتؤكد أن الإعلان الدستوري وتعديلاته أوكل مهمة إعداد الدستور إلى الهيئة المنتخبة، ولا يحق لأي جهة محلية أو دولية أو تنفيذية أن تستولي على هذا الاختصاص.
وترى الزايدي أن تجاوز مشروع الدستور المعتمد من الهيئة، والسعي لفرض قاعدة دستورية مؤقتة أو شبه دائمة عبر توافقات سياسية، يعد تقويضا صريحا لمبدأ السيادة الشعبية، ويضعف الأساس القانوني اللازم لبناء دولة تحكمها المؤسسات و القانون.
الاستفتاء هو الفيصل النهائي
تختم الزايدي اللقاء بالتأكيد على أن مشروع الدستور لن يكتمل إلا من خلال عرضه على الشعب في استفتاء حر ومباشر، باعتباره صاحب الشرعية ومصدر السلطة، محذرة من أن تجاهل هذا الاستحقاق لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام السياسي وتعطيل المسار الديمقراطي.