"الغارديان": صراع بين "التحول الأخضر" وحقوق المجتمعات في شمال البرتغال
"الغارديان": صراع بين "التحول الأخضر" وحقوق المجتمعات في شمال البرتغال
عند سفح التلال الخضراء في قرية كوفاس دو باروسو البرتغالية، تنشأ من تحت أقدام السكان الغاضبة حكاية متناقضة بين دعم الثورة البيئية وبين رفض ما يصفونه بـ"الاستعمار الداخلي".
تحولت القرية الزراعية في البرتغال والتي تزدهر بزراعة الحنطة والبقوليات إلى بؤرة احتجاج صارخ، وفق ما أوردته صحيفة "الغارديان" البريطانية، السبت، وذلك بعدما صادق الاتحاد الأوروبي على مشروع منجم لليثيوم الاستراتيجي، رغم رفض السكان الذين يؤكدون أنهم لم يُستشاروا، وأن الحوار حول المشروع تم "باهتًا ومفروضًا"، ما جعلهم يشعرون بأنهم مهددون بالتهميش والإقصاء.
الأمل الأخضر في مواجهة التقاليد
طالما مثلت الليثيوم أحد أعمدة التحوّل نحو الطاقة النظيفة في أوروبا، خصوصًا لصناعة بطاريات السيارات الكهربائية، لكن هذا الأمل تقابله قناعة راسخة لدى أهالي كوفاس: "نحن لا نعارض الليثيوم، لكننا نرفض أن يكون على حساب أرضنا وهويتنا".
ويعد المزارعون، الذين يزرعون محاصيل مثل الحنطة والذرة والخضراوات، المشروع تهديدًا لاستدامة بيئتهم، خاصة مع خطر تلوث المياه وتهديد التربة التي طالما ارتبطت بها مهنهم وكدحهم.
اللامساواة البيئية
وفقاً لـ"الغارديان" قصة كوفاس تُجسّد تناقضًا يتكرر في كثير من الدول، بشأن عدم العدالة البيئية، فالعديد من المدن الأوروبية تدفع باتجاه تقنيات "صديقة للبيئة"، في حين يتحمّل مستضعفو الريف وطأة التكاليف البيئية والاجتماعية لهذه التقنيات.
يقول أحد القرويين: "مثلاً، المدن ستسافر على سيارات كهربائية، لكنها لا تهتم بمن يوفر لها المعادن..!"
يُضاف إلى ذلك غياب حوار حقيقي، وهو ما يجعل القصة أكبر من مجرد مشروع اقتصادي، بل تعبير عن محنة واضحة لمكانة السكان المحلّيين داخل منظومة صنع القرار الأوروبية.
بدائل لم تُدرس بعمق
تُشير أسئلة خبراء البيئة إلى أنه قد تكون هناك بدائل أكثر استدامة وأقل ضررًا مثل إعادة تدوير الليثيوم من بطاريات السيارات والإلكترونيات، وتعزيز استخدام السيارات الصغيرة والجمركية، وتطوير النقل العام الحضري وتخطيط المدن بشكل يقلل الاعتماد على التعدين، لافتين أن هذه البدائل، وإن كانت معقدة تقنيًا، إلا أنها تُظهر إمكانية تقليل الأثر المحلي وتحقيق تحول بيئي لا يُثقل كاهل القرى مثل كوفاس.
وأوضحت الصحيفة أنه حتى يبدأ التعدين، يجب أن يدخل القانون حيز التنفيذ، مع واجب تعويض السكان وضمان خدمات بيئية ووظيفية حقيقية لهم.
التحول نحو الطاقة النظيفة
في ظل تزايد المخاوف من تغيّر المناخ، أصبح التحول نحو الطاقة النظيفة هدفًا استراتيجيًا للدول، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، الذي يسعى إلى تحقيق "الحياد الكربوني" بحلول عام 2050، يشمل هذا التحول تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري (النفط، الفحم، والغاز الطبيعي)، والاعتماد على مصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين الأخضر.
لكنّ هذا التحوّل يتطلب بنية تحتية ضخمة تشمل بطاريات لتخزين الطاقة، ومحركات كهربائية، وتقنيات رقمية كثيفة المعادن، ويبرز هنا دور معادن مثل الليثيوم، والكوبالت، والنيكل، والتي تُوصف بأنها "الذهب الجديد" لعصر ما بعد الكربون.
ورغم أن الهدف من التحول الطاقي هو إنقاذ كوكب الأرض، فإنّ آثاره الجانبية تثير تساؤلات أخلاقية وبيئية حول غياب العدالة البيئية ونقص الشفافية والمشاركة المجتمعية وغياب المشاورات الحقيقية مع السكان المتأثرين.