الأمم المتحدة: روسيا تنتهك القانون الدولي في أوكرانيا وتعرّض المدنيين لقمع ممنهج
خلال الدورة 59 لمجلس حقوق الإنسان
في تقرير أممي شديد اللهجة، اتهمت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، روسيا بارتكاب انتهاكات جسيمة وممنهجة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان في الأراضي الأوكرانية الواقعة تحت الاحتلال الروسي، وعلى رأسها شبه جزيرة القرم ومدينة سيفاستوبول.
وجاء التقرير، الذي قُدم إلى الدورة الـ59 لمجلس حقوق الإنسان المنعقدة حتى 9 يوليو الجاري، ليكشف عن ممارسات موثقة تمس المدنيين بشكل مباشر، وتعرضهم لانتهاكات متكررة منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.
وأكد التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، أن الاتحاد الروسي، بصفته سلطة احتلال، قد أخل بالتزاماته الدولية بشكل متكرر، حيث عمل على تغيير البنية القانونية والمؤسسية في الأراضي المحتلة، وفرض الجنسية الروسية بالقوة على سكان المناطق، إلى جانب تجنيدهم قسراً ضمن القوات المسلحة الروسية، ونقل أعداد منهم إلى أراضي الاتحاد الروسي في خرق صريح لاتفاقيات جنيف الرابعة.
ووثق التقرير عشرات الحالات التي تعرض فيها السكان المدنيون للتعذيب، والاحتجاز التعسفي، والإخفاء القسري، في إطار سياسة قمعية تستهدف نشطاء المجتمع المدني والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. كما أورد التقرير شهادات تفصيلية عن حالات قتل خارج نطاق القانون، تضمنت إعداما ميدانيا لأسرى حرب ومدنيين يُشتبه في تعاونهم مع الحكومة الأوكرانية.
وشددت المفوضية على أن حرية التعبير والدين والخصوصية تتعرض لانتهاكات ممنهجة في الأراضي الخاضعة للاحتلال، حيث تم حظر وسائل الإعلام المستقلة، وإغلاق منظمات المجتمع المدني، وتجريم الطقوس الدينية غير التابعة للمؤسسات الرسمية الروسية، كما تعرض المواطنون لمراقبة إلكترونية صارمة، بما في ذلك اعتراض الاتصالات الخاصة ونشر شبكة موسعة من المراقبة الإلكترونية التي تقيد الحريات الأساسية.
ومن أبرز ما تناوله التقرير الأثر العميق للاحتلال على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ولا سيما في ما يتعلق بحرمان آلاف الأطفال من التعليم بلغتهم الأم، حيث تم فرض المنهاج الروسي بشكل قسري، ما يمثل محواً ممنهجاً للهوية الثقافية الأوكرانية.
وبين التقرير أن سياسة «الروسنة» تجاوزت التعليم لتشمل كل جوانب الحياة العامة، بما في ذلك تحويل البنية القضائية والإدارية لفرض الولاء الكامل للاتحاد الروسي.
كما وثق التقرير عمليات مصادرة ممنهجة لأملاك الأوكرانيين، لا سيما ممتلكات المعارضين أو من يعتقد أنهم غير موالين للسلطات الجديدة، دون أي تعويض أو إجراءات قضائية سليمة، وهو ما عدّته المفوضية انتهاكاً صارخاً لحقوق الملكية المكفولة بموجب القانون الدولي.
وأولى التقرير اهتماماً خاصاً للفئات الأكثر ضعفاً، وعلى رأسها النساء والأطفال. إذ رصد حالات نقل قسري للأطفال إلى داخل الأراضي الروسية، حيث خضعوا لعمليات «إعادة تأهيل ثقافي» قسري تهدف إلى محو هويتهم الأوكرانية.
ووثق التقرير معاناة النساء من التمييز المتصاعد في أماكن العمل، وتعرض بعضهن للعنف الجنسي وسوء المعاملة دون أن تُتاح لهن أي آليات فعالة للحماية أو الإنصاف.
وانتقدت المفوضية رفض روسيا التعاون مع آليات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق الإنسان، بما في ذلك منع بعثات تقصي الحقائق من دخول الأراضي المحتلة، الأمر الذي أدى إلى تعقيد جهود التوثيق المستقلة، وحال دون التحقيق في الانتهاكات بشكل مباشر.
واعتبر التقرير أن التشريعات الروسية التي تمنح حصانة واسعة لرجال الأمن والعسكريين تسهم في ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، وتعزز الشعور بالعجز لدى الضحايا.
وعلى الرغم من التحديات الجسيمة، أشار التقرير إلى الدور الحيوي الذي تؤديه منظمات المجتمع المدني في أوكرانيا، والتي نجحت في توثيق مئات الانتهاكات رغم التضييق والأخطار الأمنية، وقدمت دعماً قانونياً ونفسياً لعدد كبير من الضحايا، كما أسهمت في رفع مستوى الوعي الدولي بشأن خطورة الوضع في المناطق المحتلة.
ووجهت مفوضية الأمم المتحدة عدة توصيات إلى المجتمع الدولي، منها، ممارسة ضغوط دبلوماسية مكثفة على روسيا لإنهاء احتلالها غير المشروع؛ وتسهيل وصول المنظمات الحقوقية إلى المناطق المتأثرة، وتقديم دعم عاجل للضحايا، وضمان المساءلة عن الانتهاكات الجسيمة، عبر آليات دولية مستقلة أو محاكمات وطنية مدعومة دوليًا.
ودعا التقرير إلى إنشاء صندوق دولي لدعم جهود المساءلة وجبر الضرر، وتقديم المساعدات الإنسانية، والتركيز على احتياجات الفئات المتضررة، خاصة النساء والأطفال، بالإضافة إلى دعم التعليم باللغة الأوكرانية والثقافة المحلية في المناطق المحررة.